شهد قطاع غزة اليوم الثلاثاء 27 مايو مشاهد مأساوية مؤلمة، عندما اندفع آلاف الفلسطينيين نحو مراكز توزيع المساعدات الغذائية، الخاصة ب"مؤسسة غزة الإنسانية" الأمريكية، في أول أيام تطبيق الآلية الإسرائيلية الجديدة، إذ انتهى هذا اليوم بفشل ذريع وفوضى شاملة أجبرت عناصر الشركة الأمنية الأمريكية على الفرار، وسط مشاهد إنسانية مؤثرة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في القطاع. مشاهد إنسانية مؤلمة ولحظات فوضى شاملة تدافع آلاف الفلسطينيين اليوم الثلاثاء إلى مركز لتوزيع المساعدات الغذائية غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، في مشهد يعكس حجم الجوع والمعاناة التي يعيشها السكان. وبحسب التقارير الإعلامية، فإن حشود المواطنين الذين وصلوا للحصول على المساعدات من مركز التوزيع الذي أنشأه جيش الاحتلال تحت إدارة شركة أمنية خاصة أمريكية، اقتحموا المركز واستولوا على المساعدات بعد تدافع واسع وفقدان السيطرة. وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن "آلاف الفلسطينيين، الذين حاصرهم الاحتلال وقطع عنهم الغذاء والدواء منذ حوالي 90 يوماً، اندفعوا نحو تلك المناطق في مشهد مأساوي ومؤلم، انتهى باقتحام مراكز التوزيع والاستيلاء على الطعام تحت وطأة الجوع القاتل". وأشارت مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، سيندي ماكين، إلى أن هناك حالياً 500 ألف فلسطيني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في قطاع غزة، وإنهم على شفا مجاعة. فرار الشركة الأمريكية وتدخل الجيش الإسرائيلي فقدت قوات الشركة الأمنية الأمريكية السيطرة على المكان في أول يوم من بدء عملها داخل قطاع غزة، مما استدعى تدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي لإخلاء أفرادها. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية (كان) بأن قوات الجيش تدخلت بالفعل لإنقاذ وإجلاء عناصر الشركة الأمنية الخاصة بعد إخفاقهم في التعامل مع الحشود. وفي محاولة لتبرير ما حدث، قالت مؤسسة إغاثة غزة "GHF" الأمريكية، وفقاً لوكالة رويترز للأنباء، إن عدد طالبي المساعدات في موقع توزيعها كان كبيراً جداً، مما اضطر فريقها إلى التراجع للسماح للناس "بالحصول على المساعدات بأمان وتوزيعها" وتجنب الإصابات. وزعمت المؤسسة أن "سكان غزة واجهوا تأخيراً لعدة ساعات في الوصول إلى الموقع بسبب الحصار الذي تفرضه حركة حماس". حالة من الفوضى في منطقة توزيع المساعدات التي تشرف عليها شركة أمريكية في #رفح الفلسطينية بسبب الازدحام والتدافع#تضامنا_مع_فلسطين#القاهرة_الإخبارية pic.twitter.com/rKCX7BlPwx — القاهرة الإخبارية - AlQahera News (@Alqaheranewstv) May 27, 2025 اتهامات متبادلة ومعارضة دولية حمّل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسرائيل المسؤولية المباشرة عن "حالة الانهيار الغذائي في غزة، واستخدام المساعدات كسلاح حرب وأداة ابتزاز سياسي"، مطالباً الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي ب"التحرك الفوري لإيقاف هذه الجريمة وفتح المعابر بشكل عاجل ودون قيود". في المقابل، تتهم إسرائيل حركة حماس مراراً بالاستيلاء على المساعدات التي تمر إلى قطاع غزة، وهو ما تنفيه الحركة. وقد أعربت الأممالمتحدة ومنظمات الإغاثة من البداية عن رفضها للنظام الجديد، المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة، معتبرة أن إسرائيل تحاول استخدام الغذاء كسلاح، وأن النظام الجديد لن يكون فعالاً. وذكرت مؤسسة إغاثة غزة أنها وزعت حتى الآن نحو 8000 صندوق غذائي، بإجمالي 462000 وجبة. CHAOS fills Israeli-controlled Rafah distribution site as IDF fires shots to disperse crowds American distribution company in Gaza reportedly loses control over operations in Gaza https://t.co/B0fijcEgcD pic.twitter.com/MzdgxQ96jH — RT (@RT_com) May 27, 2025 استقالة مفاجئة تزيد الغموض زادت حالة الغموض حول مصير هذه المبادرة الإغاثية عندما قدم المدير التنفيذي ل"مؤسسة غزة الإنسانية"، جيك وود، استقالته بشكل مفاجئ وفوري قبل ساعات من بدء عملها. وأوضح وود في بيان رسمي أنه اضطر لاتخاذ قرار الاستقالة بعدما تأكد لديه أن المنظمة غير قادرة على تنفيذ مهمتها والحفاظ في الوقت نفسه على "المبادئ الإنسانية". وقال وود في بيانه: "مثل الكثيرين حول العالم، هالني حجم الجوع في غزة وتأثرت إنسانياً بالأزمة، وانطلاقاً من مسؤوليتي الإنسانية، شعرت بأن من واجبي بذل كل جهد لتخفيف المعاناة". وألمح إلى أن "تنفيذ هذه الخطة يظل مستحيلاً ما لم يتم التمسك الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلالية، وهي قيم لن أتنازل عنها". بداية متعثرة رغم الوعود بدأ نظام المساعدات الجديد عمله يوم أمس الاثنين 26 مايو من خلال افتتاح أولى نقاط التوزيع، حيث أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية" أنها شرعت في إيصال الغذاء للفلسطينيين الذين يواجهون جوعاً متفاقماً بعد حصار إسرائيلي دام قرابة 3 أشهر. وقالت المؤسسة إن شاحنات محملة بالغذاء وصلت إلى نقاط التوزيع، وأضافت في بيان: "سيتم تسليم المزيد من الشاحنات المحملة بالمساعدات الثلاثاء، مع تزايد وتيرة تدفق المساعدات يومياً". وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، افتتح الاحتلال مركزين للتوزيع، الأول يقع في تل السلطان جنوب مدينة رفح الفلسطينية، والثاني في محور موراج شمال المدينة. ووفقاً للخطة الإسرائيلية، يقدم كل مركز حزم مساعدات عائلية مصممة لخمسة أشخاص، تكفي لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 أيام. رد الفعل الفلسطيني الغاضب قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي "فشل فشلاً ذريعاً في مشروع توزيع المساعدات ضمن مناطق العزل العنصرية، وسط انهيار المسار الإنساني وتصاعد جريمة التجويع". وأضاف في بيان مساء اليوم الثلاثاء: "ما حدث هو دليل قاطع على فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه عمداً من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف، وهو ما يشكل استمراراً لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، لا سيما المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948". ووصف الإعلام الحكومي إقامة "جيتوهات عازلة" لتوزيع المساعدات بأنها تمثل "هندسة سياسية ممنهجة" تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني وإدامة سياسة التجويع، تحت غطاء "مسارات إنسانية" تخدم المشروع الأمني والعسكري للاحتلال. خطط مستقبلية وسط الشكوك رغم الفشل الذريع لليوم الأول، زعمت وسائل الاعلام العبرية أنه من المتوقع افتتاح مركز غذائي ثالث في خان يونس ورابع وسط قطاع غزة، دون الإشارة إلى موعد محدد، حيث يتوقف ذلك على القدرة اللوجستية وتوفير التمويل اللازم بعد رفض المنظمات الدولية المشاركة في تلك الآلية. ولم يكشف الاحتلال عن أي خطط لفتح مثل هذه المراكز في شمال غزة، مما يعني أن ما يُقدر بنحو مليون فلسطيني موجودين هناك سيستمرون في المعاناة الإنسانية. وزعمت مصادر من جيش الاحتلال الإسرائيلي لصحيفة "واشنطن بوست" أن مراكز المساعدة هي إشارة لنهاية حكم حماس في القطاع، فيما ترى الحركة أن الخطة الجديدة تهدف إلى خدمة أغراض أمنية وإضعاف المؤسسات الدولية والهيئات الإنسانية المعترف بها وعلى رأسها الأونروا.