يرى طه حسين أن الجامعة المصرية هى المعمل الذى ينتج عن تفاعل كُلياته تقديم ثلاثة أنواع من الخريجين، أولهم: التكنوقراط أو المتخصص فى مجالات المعرفة الإنسانية والاجتماعية والعلمية التى تقدمها الجامعة لمجتمع يسعى إلى تحديث نفسه, والانتقال بوطنه من وهاد الضرورة إلى آفاق الحرية تطلعًا إلى غد أفضل تزدهر فيه دولة مدنية يحكمها دستور وقانون، قائمان على حق المواطنة واحترام الحقوق الفردية والجمعية للمواطنين فى كل مجال، ما داموا يؤدون واجبهم نحو رفعة الوطن وتقدمه ليلحق برَكب التقدم الإنسانى العام. وثانيهم: العالِم الذى لا يكتفى بما حصَّله من معارف فى مجاله بل يسعى إلى التعمق فى هذه المعارف والتوسع فيها رأسيًّا وأفقيًّا، وذلك على نحو ينمِّى مهاراته البحثية تدريجيًّا، ويُكسبه خبرة خاصة فى مجاله المحدود، فى الحقل المعرفى الذى يعمل فيه، متطورًا فى معارفه بهذا الحقل بما يؤدى إلى إضافة كمية أو كيفية، تغير من واقع الحال فى هذا الحقل المعرفى. وهذا هو العالِم المتخصص الذى يطلب العلم لذاته، ويرى أن زكاة هذا العلم هى نشره على الناس فى شجاعة ودأب وأمانة وإخلاص، غير عابئ فى ذلك برضا من يرضى أو سخط من يسخط، فالإخلاص للعلم والصدق فيه يعنى تحمل مشاقه الصعبة وتبعاته التى قد تدفع إلى نتائج يؤدى نشرها إلى سخط البعض أو رضا البعض الآخر. والنوع الثالث هو المثقف أو المبدع الذى يرى فى الثقافة بكل أنواعها ما يدفعه إلى اتخاذ موقف من المواقف الحياتية، يعبر عنه بالمقال الفكرى أو الإبداع الفني: أدبيًّا بأنواع الأدب المختلفة، أو تشكيليًّا بأنواع الفن وأدواته الجمالية المتنوعة. هذه الأنواع الثلاثة فيما يرى طه حسين تفرض على الجامعة: «أنها لا ينبغى أن تكون مدارس يدرس فيها العلم، ويصاغ فيها العقل صيغة حسنة أو سيئة على هذا النحو أو ذاك، ولكنها قبل ذلك كله وبعد ذلك كله مدارس يعنى فيها بالعقل وملكاته قبل كل شيء. فمعاهد العلم أو جامعاته هى بيئات للثقافة وللحضارة بأوسع معانيهما». ويعنى هذا أن الجامعة بيئة لا يتكون فيها العالِم وحده، وإنما يتكون فيها الإنسان المثقف المتحضر الذى لا يكفيه أن يكون مثقفًا بل يعنيه أن يكون مصدرًا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرًا بل يعنيه أن يكون منمِّيًا للحضارة. فإذا قصرت الجامعة فى تحقيق خَصلة من هاتين الخصلتين فليست خليقة أن تكون جامعة، وإنما هى مدرسة متواضعة من المدارس وما أكثرها، وليست خليقة أن تكون مشرق النور للوطن الذى تقوم فيه، والإنسانية التى تعمل لها، وإنما هى مصنع من المصانع يعد للإنسانية طائفة من العلماء ومن رجال العمل. وينتج عن هذا أمران خطيران: أحدهما أن الجامعة يجب أن تكون مستقر الثقافة العميقة لا بالقياس إلى نفسها فحسب، بل بالقياس إلى غيرها من البيئات أيضًا. والأمر الثانى، أن الجامعة يجب أن تكون مستقر الحضارة الراقية الممتازة التى لا تظهر آثارها فى الإنتاج العلمى والعملى وحدهما، وإنما تظهر قبل كل شيء فى هذه السيرة النقية الصافية التى تقوم فيها الصلات بين الناس على المودة الشائعة والاحترام المشترك والإيمان بالواجب قبل الإيمان بالحق، وتقدير ما لغيرك عليك قبل أن تقدر ما لك على غيرك، ثم فى إكبار النفس والارتفاع بها عن الصغائر وتنزيهها عن الدنيّات، ثم فى هذا الذوق المهذب المصفى الذى يحس الجمال ويسمو إليه ويحس القبح فينأى عنه. وما ترتب على ذلك هو أن الجامعة لا تكتفى بالعلم فى دائرتها الخاصة، ولن تستطيع الجامعة أن تحقق هذا الهدف إلا إذا ظفرت بشيئين: أحدهما هو الاستقلال الصحيح بوصفها مؤسسة لها ما يديرها من لوائح وقوانين، يضعها أساتذتها الأدرى بشئونها والأعلم باحتياجاتها، على أن تكون فى هذه القوانين واللوائح مستقلة بنفسها عن غيرها بما فى ذلك سياسات الدولة خارج الإطار الجامعى المخصوص والمحدود بحدود العلم الذى لا ينمو ولا يزدهر إلا فى استقلال خالص بعيدًا عن سلطة الدولة أو سلطة أى مؤسسة أخرى أو قوة أخرى غير قوة الجامعة فى مؤسستها النوعية الخاصة والمستقلة بذاتها. والأمر الثانى هو الاكتفاء المالى بما تعتمد عليه الجامعة من رأس مال أو ثروة تحقق لها ما تريد من استقلال أولًا، ومن حرية بحث واتساع مجالاته دون عوائق وقيود إلا ما تفرضه الدولة نفسها. أما استقلال الجامعة فتقرره قوانينها وتسجله الحكومات المختلفة، ولكن الحياة الواقعية للجامعة تدل على أن هذا الاستقلال لا يزال متواضعًا أو أكثر من المتواضع. وحين يذكر طه حسين استقلال الجامعة، فإنه يقصد إلى أمرين أساسيين: أولهما أن تستقل الجامعة بشئونها المالية فى حدود القوانين العامة بعد أن يقر البرلمان ميزانيتها فى كل عام. والثانى هو أخطرهما وأهمهما أن تستقل الجامعة بشئون العلم والتعليم استقلالًا تامًّا لا تحده إلا سيادة الدولة التى تجعل من حق البرلمان إقرار القوانين التى تنظم كل ما يجرى فى أرض الوطن متصلًا بحياة الناس وأعمالهم. ومعنى هذا أن تكون الجامعة مستقلة بشئون العلم والتعليم بعد أن تصدر القوانين التى تنظم هذه الشئون. وعندما يؤكد طه حسين هذه النقطة أو هذا الأمر فإنه يتذكر ما عاناه من عنت وتكفير واتهام وتحقيق أمام النيابة العامة بعد أن أصدر كتابه «فى الشعر الجاهلى» سنة 1926، وهو الكتاب الأزمة الذى كان امتحانًا حقيقيًّا لاستقلال الجامعة وحق أساتذتها فى حرية الاجتهاد والبحث العلمى. وهو حق لا يزال ملتبسًا إلى يومنا هذا ولا يجد من قوانين الحريات ما يحميه أو يجعله قادرًا على الانطلاق والتقدم الذى يضع الجامعة المصرية موضع الجامعات المتقدمة فى العالم كله من حيث حرية البحث العلمى فى كل مجال من مجالاته. أما الاستقلال المالى للجامعة فيراه طه حسين استقلالًا لا يزال محدودًا إلى اليوم، فالجامعة لا تستطيع أن تتصرف ماليًّا إلا إذا أذنت لها وزارة المالية، ووزارة المالية هى مكاتب يشرف عليها فى أكثر الأحيان موظفون لا يعرفون من أمر العلم والتعليم شيئًا. هذا ما كان يقوله طه حسين فى سنة 1938. ولا أظن أن الأمر تغير كثيرًا منذ ذلك الوقت. أما النوع الثانى من الاستقلال الذى هو قوام الحياة الجامعية، والذى لا وجود للجامعة بدونه، فحظ الجامعة منه ضئيل جدًّا، ويذكرنا طه حسين بالمحنة الجامعية التى أطاحت به من منصب عمادة كلية الآداب ومن الجامعة نفسها، حين أرادت حكومة إسماعيل صدقى أن تُكره الجامعة على أن تمنح ألقاب الشرف لجماعة من الساسة على رأسهم إسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء نفسه فى ذلك الوقت، فظنت الجامعة أو ظن بعض الجامعيين أنها مستقلة، وهمت الجامعة بمقاومة ما يراد من إقحامها فى السياسة، فكانت النتيجة فصل طه حسين من منصبه كعميد لكلية الآداب. وهو الأمر الذى تبعه استقالة أحمد لطفى السيد بوصفه مديرًا للجامعة التى لم تقبل تدخل الحكومة فى شأنها الجامعى دون حق. واستمرت هذه المحنة من سنة 1932 إلى أن ذهبت حكومة صدقى باشا وجاءت وزارة محمد توفيق نسيم فى سنة 1935، فعاد طه حسين إلى منصبه معززًّا مكرَّمًا، وسرعان ما عرضت الحكومة على أحمد لطفى السيد العودة إلى منصبه مبجَّلًا محاطًا بكل آيات الاحترام. ومن الواضح أن هذا العدوان الخطر على استقلال الجامعة كان- ولا يزال- مصدر فساد عظيم وشر مستطير. ويؤكد طه حسين هذا بقوله: «هذا التغيير الذى تستبيحه سلطة الدولة لنفسها فى مجالات عديدة منها تحديد عدد الطلاب المقبولين، أو التدخل فى ميزانية الجامعة، أو قرارات فصل الأساتذة هو كل الشر». وهو الذى يلغى استقلال الجامعة إلغاء ويضيع حقها فى الإشراف وحدها على شئون العلم والتعليم وينتقص ما للجامعة من الكرامة فى نفوس الجامعيين أساتذة وطلابًا. إن حياة الجامعة فيما يؤكد طه حسين - ستصبح عبثًا كلها «إذا لم تعرف الدولة للجامعة استقلالها العلمى الصحيح، وإذا لم تحترم هذا الاستقلال كما تحترم استقلال القضاء بالضبط. ولست أدرى متى يفهم المشرفون على الأمر فى مصر أن سيادة الدولة حق وخير بشرط ألا تتجاوز حدودها ولا تخرج عن أطوارها. إن الدولة لا تستطيع أن تغير أحكام القضاء باسم هذه السيادة، ثم تزعم لنفسها أنها متحضرة، فهى كذلك لا تملك إلا أن تحترم استقلال الجامعة بالفعل لا بالألفاظ». أما الأمر الثانى، فيشير به طه حسين إلى اللوم الذى ينبغى أن يوجَّه إلى الأفراد القادرين الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونهما فى سبيل الوطن والعلم. وما يخزى أصحاب الثروة والغنى فى مصر، أن أول هبة مالية قُدمت للجامعة المصرية بعد أن تولت الدولة أمورها، إنما قدمها كريم يونانى لتشجيع درس الحضارة اليونانية فى كلية الآداب، وهو المسيو أرستو فرون. والحق أن استقلال الجامعة بالمعنى، الذى يحدده طه حسين هو ما لا يجعل منها مكانًا لتدريس العلم فحسب، وإنما يجعل منها منارة للاستنارة ومصدرًا لإشاعة أفكار التقدم والوعى بالحرية والكرامة الإنسانية فى كل مكان، فليست الجامعة مكانًا لتدريس العلم فحسب، وإنما هى فضاء لإشاعة العلم والمعرفة بكل أنواعها فى ربوع المجتمع كله. وهذا ما كان يفعله طه حسين وجيله والأجيال التى لحقت بجيله أو تتابعت بعده. والدليل على ذلك هو طه حسين نفسه، فقد كان أستاذًا للأدب العربى فى قسم اللغة العربية، ولكنه لم يقتصر على ذلك كله، فقد كان موسوعيًّا يكتب فى كل مجال لنشر القيم والمبادئ التى آمن بها. ولذلك كتب فى السياسة والاجتماع والتاريخ كما كتب فى النقد الأدبى، ولم يتوقف عن إلقاء المحاضرات العامة والخاصة سواء فى الجامعة المصرية أو فى الجامعة الأمريكية حين ترك الجامعة، أو فى غير هذين المكانينِ من الصحف التى كان يطالعها المثقفون المصريون على امتداد صفحاتها وتنوعها المتصل الذى شمل كل شيء. وقد كان طه حسين (1889 1973) مثل أبناء جيله موسوعيًّا وتنويريًّا فى الوقت نفسه، ولذلك كان من الطبيعى أن ينظر أبناء هذا الجيل إلى أنفسهم بوصفهم عناصر فاعلة فى نشر ثقافة الاستنارة بكل أوجهها المادية والمعنوية. هذا ما فعله أحمد أمين (1886 1954)، رصيف طه حسين وصديقه، وفعله محمد حسين هيكل (1888 1956) صديقهما، وفعله على مصطفى مشرفة ( 1898 1950) فى مجال البحث العلمى على وجه العموم والذرة على وجه الخصوص. هذا الجيل الليبرالى العظيم كان كل واحد منهم فى مجاله الجامعى عَلمًا فى تخصصه النوعى المحدود، وعَلمًا بارزًا على مستوى الثقافة المصرية خارج الجامعة، فكل واحد منهم كان متميزًا كل التميز فى حقله العلمى المحدود سواء أكان التاريخ الأدبى أو نقده فى حالة طه حسين، أو السياسة والقانون فى حالة هيكل، أو العلوم البحتة كما فى حالة على مصطفى مشرفة، لكن التخصص العلمى بمعناه الضيق لم يمنع أى واحد منهم من الكتابة عبر وسائل الإعلام لنشر ثقافة الاستنارة والوعى المنفتح الذى تشجع عليه الدولة المدنية، تلك التى ترتبط الحرية فيها بمبادئ الديمقراطية ومبادئ العدالة فى جوانبها الاجتماعية والثقافية والتعليمية. وهؤلاء والأجيال التى تبعتهم وتعلمت على أيديهم هم الذين لم يجعلوا من الجامعة مجرد مدرسة لتخريج الموظفين التكنوقراط، وإنما جامعة كل العلوم لإشاعة كل المعارف التى ترتقى بالإنسان من وهاد الضرورة إلى آفاق الحرية. ولذلك لم يكن من الغريب أن يترك طه حسين الجامعة لثلاث سنوات فى زمن إسماعيل صدقى باشا حين فرض دستوره الهجين محل دستور 1923، فلم يترك مجالًا أمام طه حسين سوى أن يخرج مضطرًا من الجامعة، مطرودًا مغضوبًا عليه من حكومة مستبدة، يستبدل بها الحياة الثقافية كلها، ومستبدلًا بلقب عميد كلية لقب عميد الأدب العربى كله، واحتضنته الصحف المعارضة وظلت محتضناه ليصل صوته إلى كل الناس، إلى أن عاد إلى الجامعة مرة أخرى، فواصل فيها ما كان يفعله بما لا يجعل منها جامعة مقصورة على تعليم تخصصات متنوعة بالمعنى الحرفى، وإنما جامعة تجاوز مهمة التعليم إلى مهمة التثقيف، وتصل التثقيف بفعل الاستنارة الذى يشع على المجتمع كله. ولم يكن طه حسين وحيدًا فى هذا المجال، وإنما كان أسطع نموذج بين أبناء جيله الذين مارسوا الفعل التنويرى مثله، لكن ليس بالدرجة نفسها من الجرأة والثورية الاجتماعية والسياسية على الأوضاع القائمة، ولذلك حفظنا رسالته التى تعلمنا منها معنى الجامعية وضرورة احترام استقلالها بقواعدها ومبادئها، حيث تقع «الحرية» الموقع المُتقدم على غيرها من القيم والمبادئ لكل فروع المعرفة العامة والخاصة. والحق أننى كثيرًا ما أسترجع خصوصًا فى هذه الأيام - ما قاله طه حسين عن «أن الجامعة ليست مدارس فحسب، ولكنها قبل كل شىء، وبعد كل شىء بيئات للثقافة بأوسع معانيها، وللحضارة بأوسع معانيها أيضًا». وأتأمل انطباق هذه الصفة على أساتذة الجامعة المصرية ومعاهدهم وكلياتهم اليوم، فلا أجد حلم طه حسين محققًا فى الجامعة التى قد لا تزال على نحوٍ من الأنحاء مدارس للعلم بمعنى من المعانى الأولية، فحسب، ولكنها من المؤكد لم تعد بيئات للثقافة بأوسع معانيها. فالثقافة قد انحدرت لأبعد حد فى الجامعات المصرية، ولم تعد الجامعة هى البيئة التى يتكون فيها الرجل المثقف المتحضر الذى لا يكفيه أن يكون مثقفًا، بل يعنيه أن يكون مصدرًا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرًا، بل يعنيه أن يكون منمِّيًا للحضارة، فالحق أنه لا شىء من ذلك يحدث فى الجامعة المصرية التى أصبحت أقرب إلى أن تكون مدارس متواضعة من المدارس، التى لا تعطى حق التعليم الكامل لأبنائها، ولا تمنحهم حتى الحظ الوافى من الثقافة التى تجعل منهم مشرقًا للنور فى الوطن الذى تقوم فيه مدارسهم المتواضعة. وقد يكون الاستبداد السياسى سببًا لذلك كله فى التقييم الأخير، ولكن هناك دائمًا العيب فى داخل بنية الجامعة التى استجابت إلى الاستبداد السياسى استجابات أخلت بعلاقات تكوينها الداخلى، فانتشر بين أبنائها من الانقسامات والتحالفات السياسية ما أضر بهم جميعًا، وانتشرت بينهم مخاطر التكالب على المناصب العامة فى الدولة ما جعلهم يهملون الخصائص الأصيلة التى تحلى بها الأساتذة المؤسسون للجامعة، وانقلب التسابق من أجل العلم إلى تسابق فى الإعارة إلى بلاد النفط، أو التقرب إلى سلطة الدولة طمعًا فى مناصب وامتيازات على حساب الغير. ونتيجة ذلك كله انتقلت إلى الجامعة طبائع الاستبداد التى تكمن خارجها، وتأخر التنافس العلمى إلى المراتب الدنيا. ومع تزايد الأزمات الاقتصادية سيطر حلم الهجرة إلى جامعات مناطق النفط المختلفة، أو الهجرة إلى جامعات العالم المتقدمة، فنشأت ظاهرة أحمد زويل وفاروق الباز من ناحية، فى مقابل الآلاف المؤلفة التى أصبحت الهجرة إلى جامعات النفط حلًّا لمشكلاتها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. وهكذا ضعف الإيمان بأن الجامعة ينبغى أن تكون «مستقر الحضارة الراقية الممتازة التى لا تظهر آثارها فى الإنتاج العلمى والعملى وحدهما، وإنما تظهر قبل كل شيء فى هذه السيرة النقية الصافية». فلم تعد «هذه السيرة النقية الصافية» هى الأصل، ولم تعد الصلات بين الجامعيين قائمة على المودة الشائعة والاحترام المشترك والإيمان بالواجب قبل الإيمان بالحق وتقدير ما لغيرك عليك، قبل أن تقدر ما لك على غيرك. إنما أصبحت السيرة المشكوك فيها هى الأصل فى العلاقات الساعية وراء المصلحة الفردية، وهى الأقوى بالقياس إلى المودة الشائعة والاحترام المشترك أو الإيمان بالواجب... وفى الوقت نفسه، حل محل «إكبار النفس» والارتفاع بها عن الصغائر وتنزيهها عن الدنيات، التكالب على فرض الكتب والتعامل مع مكتبات أمثال «بين السرايات» بما يؤدى إلى تقزيم مكانة أستاذ الجامعة، والدفع به إلى الصغائر والاستغراق فى الدنيات. ( وللمقال بقية) لمزيد من مقالات جابر عصفور