خلق الصراع على السلطة فى فنزويلا بين نيكولاس مادورو الرئيس المنتخب لفترة ثانية وخوان جوايدو رئيس البرلمان، الذى أعلن نفسه أخيرا رئيسا مؤقتا للبلاد، حالة غير مسبوقة من الانقسام والاستقطاب داخل أمريكا اللاتينية التى تضم 20 دولة مستقلة. ولايزال هذا الانقسام يتزايد بينها الآن، حيث انقسمت دول المنطقة بين مؤيد لجوايدو وموال لمادورو. فقد طالبت«مجموعة ليما»، التى تضم 12 دولة لاتينية + كنداوالمكسيك، مادورو باستعادة ما وصفته ب«الديمقراطية»فى فنزويلا وطالبته فيه بالإفراج عن السجناء السياسيين. كما دعته لعدم تولى الرئاسة واحترام سلطات البرلمان، الذى تهيمن عليه المعارضة، ونقل السلطة إليها لحين إجراء انتخابات جديدة حرة. كما أنها سرعان ما أعلنت دعمها لجوايدو فور إعلان الأخير نفسه رئيسا مؤقتا لبلاده. ويرجع موقف الدول اللاتينية المناوئة لمادورو إلى أسباب كثيرة، أبرزها اقتصادية، حيث تعانى دول الجوار من تدفق ملايين المهاجرين الفارين من الأوضاع المتدهورة فى بلادهم. وهو ما دفع بيرو لمطالبة كولومبيا بإحكام الحدود المشتركة معها للحليولة دون استقبال المزيد من المهاجرين. ويتمثل ثانى الأسباب فى صعود التيارات اليمينية ووصولها لسدة الحكم فى معظم دول أمريكا اللاتينية أخيرا، وأبرزهم الرئيس البرازيلى الجديد جيير بولسونارو. أما السبب الثالث، فهو التحالف مع واشنطن ضد نظام مادورو اليساري، لتحقيق مصالح ذات بعدين، أولهما القضاء على اليسار فى فنزويلا، والثانى وقف موجات المهاجرين من فنزويلا والحصول على امتيازات تجارية واقتصادية. وفى المقابل، دعمت كوبا وبوليفيا والمكسيك مادرور، معتبرين أن ما تفعله واشنطن يعد تدخلا سافرا فى الشأن الداخلى لجارتهم، ومؤكدين رفضهم للهيمنة الأمريكية على أمريكا اللاتينية، خاصة عقب ما تشهده تلك المنطقة من انحسار للتيار اليسارى منذ عام 2014، فضلا عن حتمية مواجهة ما يصفونه ب«المحاولات الإمبريالية» لتشويه سمعة الثورة البوليفية وزعزعة استقرارها. كما أن أى خلل فى المعروض أو الإمدادات الفنزويلية من البترول سينعكس سلبا على السوق اللاتينية، وخصوصا الشركات التى تتولى عمليات تكريره فى خليج المكسيك. إن المتغيرات الإقليمية وبكل انعكاساتها ليس لها تأثير كبير فى الحالة الفنزويلية الحالية، ويعضد ذلك الطرح أن دول المنطقة لا تدعم تدخلا عسكريا فى فنزويلا ولا تمتلك آلياته ولا تجرؤ عليه لأن مجرد التفكير فى الإقدام عليه له خسائر فادحة وتكلفة عالية، خاصة أن الجيش الفنزويلى اشتراكى ولديه عقيدة يسارية مستميتة للدفاع عن أرضه ونظامه وهو الآن يقف فى صف مادورو. كما أن واشنطن هى الأخرى لن تتدخل عسكريا فى فنزويلا - حتى وإن لوحت مرارا بإمكانية استخدام هذا الخيار أو الاحتفاظ به - لأنها لا تريد خسارة أمريكا الجنوبية فى ظل انقسام دولها حول مصير مادورو، واعتراض معظم القيادات السياسية اللاتينية على مثل هذا التحرك . وفى محاولة إقليمية تهدف للحيلولة دون تصعيد الأزمة أو بالأحرى حلها، اقترحت البرازيل إنشاء «ممر آمن» لإخراج مادورو واتباعه كآلية دعم لاقتراح جوايدو نفسه بشأن احتمال العفو عن الأخير وأتباعه، بينما ترى قوى إقليمية أخرى أن الحل الأمثل للأزمة يتمثل فى فرض عقوبات اقتصادية دولية وإقليمية عليه لتطويق نفوذه ولإرضاخه ودفعه للاستسلام والقبول برئاسة جوايدو للبلاد أو إجراء انتخابات. وما بين هذا الطرح وذاك فإن المؤكد فقط الآن هو أن استمرار هذا الاستقطاب الإقليمى سيسهم حتما فى إطالة أمد الأزمة وليس فى حلها.