لا يمكن أن يمر شهر يناير مرور الكرام دون أن نتذكر عملاقين من عمالقة التمثيل والإخراج كان لهما أكبر الأثر في دفتر تاريخ المسرح المصري؟ إنهما الأخوان حمدي غيث وعبد الله غيث، فقد ولد الأول عام 1924 وتلاه الثاني بعدها بستة أعوام في ذات الشهر. ويذكر المخرج الكبير سمير العصفوري بين سطور كتابه «المسرح وأنا» كواليس تلمذته على يد حمدي غيث في عرض «مأساة جميلة» للشاعر عبد الرحمن الشرقاوي والذي جسد كفاح الشعب الجزائري ضد الفرنسيين من خلال مأساة تلك المناضلة البطلة. ويروي العصفوري كيف كانت المسرحية مرعبة من فرط الأداء الشعري الفصيح ومشاهد القسوة التي كانت تفجر دموع الممثلين والجمهور. وكيف كان يلعب دور عميل خائن يسلم المناضل (حمدى غيث) للمحتل الفرنسي مقابل مليون فرنك فيصف المشهد قائلا: «كانت مهمتي وراء الكواليس أن اربط يدي حمدي غيث بقيد من الحبال قبل تسليمه. وهو مشهد لايراه الجمهور ولكن عندما ابدأ يقول غيث بشجن(ابدأ مهمتك الحقيرة) وهي عبارة من النص. وتدمع عيناي وأنا أوثق يديه.» فكان حمدي يوقظ النص الدرامي ويجعل الشعر زلزالا من النغمات التي لا تتوقع انفجارها. هادرا يمكنه أن يخفت الأداء ويحوله لملمس الحرير في توازن بين عدة نغمات ناعمة ومنذرة بهبوب العاصفة. ويسبح العصفوري فى أداء آل غيث متذكرا أن شقيقه عبد الله كان صاحب أداء مختلف تماما رغم امتلاكه نفس العاصفة والفروسية. يأسرك بروعة مخارج الحروف وسلاسة أداء النطق.. رخامة الصوت وتنوعه.. درجات الشعور بالحزن النبيل العميق.. قدرته على تخليق شخصيات متعددة، فهو ليس بطل الدور الواحد بل الحسين ثائرا.. الفتى مهران.. الوزير العاشق وغيرها من الأدوار الذهبية.. رحم الله الأخوين غيث.