الهدف ليس إنتاج طاقة فقط بل جلب تكنولوجيا ذات تأثير إستراتيجى العالمة النووية الدكتورة سحر محمد شوقي، التى تتبوأ منصب المفتشة الدولية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومقرها النمسا؛ نموذج للمرأة المصرية التى نحتت لنفسها مكانة علمية دولية بالمثابرة والإرادة، فضلا عن كونها إحدى ثلاث سيدات فى فرق التفتيش بالوكالة. «الأهرام» حاورتها بالقاهرة، حيث أكدت أن المشروع المصرى لإنتاج الطاقة النووية يمثل إضافة إيجابية، وأنه يمثل خطوة تأخرت كثيرا، ليس بهدف إنتاج طاقة فقط بل لجلب تكنولوجيا ذات تأثير إستراتيجي، مما يضع مصر فى مصاف الدول الكبري، داعية إلى التوسع فى تخريج متخصصين وفنيين بمجالات الهندسة النووية كافة. وتقول للشباب إن المستحيل وجهة نظر، وأنه قد توجد صعوبات لكن بالتعب والمثابرة وعدم التواكل يمكن تحقيق الأهداف، مشيرة إلى أنها خريجة مدارس وجامعة حكومية، لكنها سعت لتطوير نفسها، واصفة المرأة المصرية بأنها ناجحة فى جميع المجالات، بل الأنجح عالميا.. وإلى نص الحوار: البداية من مشوارك العلمى والعملي.. كيف كان؟ البدايات تمثلت فى دراستى بكلية العلوم بجامعة القاهرة، فقد درست بقسم الفيزياء الحيوية (Biophysics)، وكان قسما جديدا أحببت الدراسة فيه، وبعد التخرج بتفوق تم تعيينى فى الهيئة المصرية للطاقة الذرية، حيث عكفت على إعداد رسالتى للماجستير، واختير موضوعها بتكليف من رئيس الهيئة وقتها الدكتور فوزى حماد، ومعى زميل آخر، لوضع خريطة إشعاعية لمصر، بهدف إجراء مسح إشعاعى لمناطق الدلتا والساحل الشمالى فى التربة والمياه والترسيبات المائية، وذلك فى أعقاب حادثة تشرنوبيل، وهى أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وقد حدثت يوم 26 أبريل عام 1986. أما شهادة الدكتوراه فسجلتها عن بحيرة ناصر، حيث جمعت المعلومات البيئية الكافية عنها، لكن بعد التسجيل للدرجة، سافرت إلى ألمانيا فى منحة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للدراسة بمركز البحوث النووية فى مدينة يوليش لمدة ستة أشهر، وبعد انتهاء تلك المدة طلب منى رئيس المعهد الاستمرار فى العمل، وتسجيل الدكتوراه هناك، فكان ذلك بالنسبة لى فرصة عظيمة للاستثمار فى العلم. وهكذا، سجلت لشهادة الدكتوراه بألمانيا فى موضوع له علاقة بالتلوث البيئي، ويرتبط بشكل غير مباشر بالإشعاع؛ بهدف تحليل درجة السمية لأحد العناصر المستخدمة لديهم فى طلاء السفن، لمحاربة نمو الطحالب على جدارها، ومعرفة مدى تأثير هذا العنصر على الأحياء المائية، وقد توصلت إلى طرق جديدة، وأتممت الدراسة فى ثلاث سنوات فقط، وبعدها عدت لمصر، وكان ذلك فى عام 1996. وما دور المفتش الدولى فى تحقيق الأمان النووي، وما طبيعة الإعدادات التى من خلالها يمكنه ممارسة دوره بشكل فعال؟ دور المفتش هو التفتيش، للتأكد من أن كل ما تقدمه الدولة عن برنامجها النووى من معلومات يتسم بالدقة، وفى عملنا نسير فى اتجاهين أحدهما يرتبط بالحسابات النووية الموجودة بمعنى أن الأرقام تشير لمستوى درجة التخصيب، التى من خلالها يتم تحديد الأغراض المرجوة منها. أما الاتجاه الثانى فهو التأكد من احترام الدولة لبنود الاتفاقيات الدولية لتحقيق السلامة النووية، وحظر انتشار الأسلحة النووية، من خلال الإجراءات التى تتم باستخدام المواد النووية مثل الشحن والاستلام والتسليم لتكون فى إطار قواعد اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، إذ يتم التفتيش فى إجماله على نوعية المنشآت والتقارير الوطنية، وذلك فى إطار الاتفاقية، والبروتوكول الإضافى لها. ويتم التفتيش عادة فى كل شهر أو كل ثلاثة شهور أو مرة فى السنة، وقد تم تقسيم مناطق العالم إلى أربع مناطق من خلال أربعة أقسام فى الوكالة للتفتيش حيث تتم الإجراءات المشار إليها. وقد قمت بالتفتيش بمنطقة شرق آسيا فى تايوانوكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان، التى بها 57 مفاعلا، ثم انتقلت للعمل بمجموعة أمريكا الشمالية حيث مارست التفتيش فى كندا والمكسيك والولايات المتحدة، كما عملت بمنطقة شمال إفريقيا؛ لكن ممنوع تماما التفتيش على الدولة التى تنتمى إليها أو تقديم أى معلومات عن إمكاناتها، لذلك تتم دراسة المعاهدات الدولية والقانون وعلوم رفع القدرات فى التعامل والتواصل مع الثقافات المختلفة، فى أثناء الدورات التدريبية، باعتبار أننا نتعامل مع أناس متعددى الثقافة والجنسيات سواء زملاء فى العمل أو بدولة التفتيش نفسها. وهل يتم التفتيش فى الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية فقط؟ يتم التفتيش فى كل الدول الموقعة على الاتفاقية، وكذلك فى الدول غير الموقعة عليها، إذا صدرت دولة موقعة على الاتفاقية تكنولوجيا نووية لأى دولة موقعة أو غير موقعة.. هنا يتم التفتيش. والوكالة الدولية للطاقة الذرية مستقلة لكنها تتبع منظمة الأممالمتحدة إداريا، ويتكون مجلس إدارتها من الدبلوماسيين التابعين لعدد من حكومات الدول المختلفة، علما بأن دول العالم، كافة، قد وقعت على الاتفاقية فيما عدا باكستان والهند وإسرائيل، بالإضافة إلى خروج كوريا الشمالية منها. تضع مصر حاليا البنية التحتية لإنشاء مفاعلات نووية لاستخدامها فى الأغراض السلمية وإنتاج طاقة كهربائية، فما الخطوات والآليات التى تساعدنا فى إتمام وإنجاح هذا المشروع؟ مصر دولة كبيرة تمتلك الكثير من الكوادر العلمية والأجيال التى تعمل فى منظمات دولية، ولديها العلماء والمهندسون الذين يعملون فى المنشآت النووية والأمان النووي، وسوف يزيد التدريب من القدرات والخبرات فيها. أما المشروع المصرى فأرى أنه يمثل إضافة ايجابية، وهو خطوة تأخرت كثيرا، وأن الهدف ليس إنتاج طاقة فقط بل جلب تكنولوجيا ذات تأثير إستراتيجي، مما يضع مصر فى مصاف الدول الكبري، لذلك لابد من التوسع فى تخريج متخصصين وفنيين فى مجالات الهندسة النووية. وما نصيحتك للشباب من منطلق خبراتك فى العلم والحياة؟ هناك مقولة فحواها «أن المستحيل وجهة نظر»، وأرى أن كل من يمتلك هدفا لابد أن يجد له الطرق المختلفة لتحقيقه، وقد توجد صعوبات لكن بالتعب والمثابرة وعدم التواكل يمكن تحقيق الأهداف. وأشير إلى أننى خريجة مدارس وجامعة حكومية، لكننى سعيت لتطوير نفسي، وأتقنت اللغة الإنجليزية بعد تخرجى فى الكلية من خلال دورات بالجامعة الأمريكية، كما سعيت لتحسين مستواى العلمي؛ لأننى وضعت هدفًا لنفسى وهو أن أنجح. وقد ساعدنى فى توفير الوقت لتحقيقه زوجى الدكتور هانى عامر رئيس قطاع المنشآت النووية بهيئة الرقابة الإشعاعية، الذى تفهم طبيعة عملى وطموحى فى تحقيق مكانة علمية متميزة، بل وشجعنى لتحقيق ذلك؛ لذلك أنصح الشباب بأن يضع نصب عينيه تحقيق أهدافه، وأن يعتبر أن النجاح هو الهدف الأهم فى الحياة. أخيرا: هل ترين أن المرأة المصرية حققت نجاحا فى الوصول إلى مكانة متميزة اجتماعيا، سواء فى الداخل أو فى الخارج؟ المرأة المصرية من أقوى النساء فى العالم، وهى تقوم بالعديد من الأدوار الناجحة فى حياتها، وتمارس مهام عدة داخل مجتمعها، مقارنة بأخريات فى دول أخري، كما أنها تتمتع بمكانة لا تُوجد فى كثير من الدول الكبري، وقد أثبتت أنها ناجحة فى جميع المجالات، بل هى - من وجهة نظرى - الأنجح عالميا. فى المقابل، نجد فى بعض الدول المتقدمة عمل المرأة فى المنشآت النووية أو المفاعلات ينحسر فى نطاق ضيق، وأرى أن دورها المتراجع يعود إلى العامل الثقافي.