ثمة من يتصور أن علاقات القاهرة مع كل من بودابست وعواصم ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي، جاءت تالية لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي، وهو ما يعتبر خطأ تاريخيا يتوقف عنده العديد من الخبراء والمتخصصين في كل من البلدين بالكثير من الدهشة والتساؤلات. وكانت القاهرة وبودابست احتفلتا في العام الماضي بمرور تسعين عاما بالتمام والكمال، بينما لم يكن تاريخ علاقات القاهرة مع موسكو يتجاوز الخمسة وسبعين عاما. وفي ذات الصدد نشير إلى أن المجر كانت من أولى بلدان المعسكر الاشتراكي التي توقف عندها خيار القاهرة بوصفها أحد أهم محاور علاقات مصر الإستراتيجية مع البلدان الاشتراكية في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، فيما عادت لتشغل مكانة متميزة على خريطة اهتمامات مصر الخارجية انطلاقا من العديد من الاعتبارات ، ومنها ان القيادة المجرية كانت الأولى في شرق أوروبا التي بادرت بالاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو، وقرارات الثالث من يوليو 2013، وهو ما أشار إليه في حديثه إلى «الأهرام» من بودابست السفير أشرف الموافي الذي بدأ منذ أشهر قلائل مهمته الرسمية سفيرا لجمهورية مصر العربية في المجر، وهي التي لم تكن بعيدة عن سابق اهتماماته منذ سنوات عمله على مقربة، سواء في سفارات مصر في كل من براج أو جينيف أو باريس، قبيل انتقاله للعمل سفيرا لمصر في أوسلو. ولعله يكون من المناسب هنا ومع انطلاقة العام الواحد والتسعين في علاقات البلدين ان نتوجه بالكثير من تساؤلاتنا حول ما يمكن أن يحمله هذا العام وما بعده من أعوام من خطط ومهام يوليها البلدان جل اهتمامهما في رحلة الصعود صوب ما يصبو اليه البلدان في مسيرة تعاونهما المشترك خلال الأعوام المقبلة، الى السفير الموافي الذي استهل بالإشارة إلي أن العام المنصرم شهد مرور 90 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبشكل عام يرتبط البلدان بعلاقات تعاون متميزة علي مختلف المستويات، خاصةً في ضوء الحرص والاهتمام الذي توليه مصر بتعزيز علاقاتها مع الدول التي تشغل مكانة متنامية علي الساحة العالمية وكذا الدول التي تنضم لتجمعات ومنظمات دولية ذات ثقل وتأثير - كما هو الحال بالنسبة للمجر التى انضمت عام 2004 للاتحاد الأوروبى الذى يُعد الشريك التجارى الأكبر لمصر، وهي التي كانت من أوائل الدول التي أيدت ثورة الثلاثين من يونيو وما طرحه الشعب المصرى من مطالب آنذاك. وتعكس المواقف المجرية فى المحافل الإقليمية والدولية تفهما كبيراً لتطورات الأوضاع فى مصر والتحديات التى تواجهها . وقد شهدت العلاقات السياسية بين البلدين طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، وذلك فى ضوء الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، والتى تمثلت أبرزها في زيارتى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية للمجر في عامى 2015 و2017 ، وزيارة رئيس وزراء المجر للقاهرة في 2016 ،وزيارة السيد وزير الخارجية في شهر إبريل 2015 للمجر، فضلاً عن زيارتي وزير الخارجية والتجارة المجري للقاهرة في شهري نوفمبر 2015 وأغسطس 2016، وذلك إلي جانب اللقاءات الأخرى التي جمعت بين مسئولي البلدين في المحافل المختلفة، والتي أسهمت جميعها في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلي مستوي الشراكة الاستراتيجية. وحول آليات العمل على الأصعدة كافة الدبلوماسية منها والتجارية والاقتصادية وما حققه البلدان من انجازات في هذه المجالات قال السفير الموافي إن آلية المشاورات السياسية بين وزارتى خارجية البلدين تعقد اجتماعاتها سنوياً بالتناوب بين عاصمتيهما، وعقدت آخر اجتماعاتها فى شهر مارس 2018 بالقاهرة. وبالتوازى توجد لجنة اقتصادية مشتركة بين مصر والمجر على المستوى الوزارى، وعقدت أعمال دورتها الثالثة في القاهرة فى يوليو 2018 . أما على صعيد التبادل التجارى فلا يزال حجم التجارة محدوداً مقارنةً بالمستوى المتميز للعلاقات بين البلدين، حيث يقدر حجم التبادل التجارى بنحو 274 مليون دولار فى عام 2017 وفقاً لبيانات وزارة التجارة والصناعة، من بينه 141 مليون دولار صادرات مصرية، و133 مليون دولار واردات من المجر. وتتمثل أبرز الصادرات المصرية للمجر في السلع الهندسية والإلكترونية، والمنتجات الكيماوية والأسمدة، والحاصلات الزراعية في حين تتمثل أبرز الصادرات المجرية لمصر في مكونات عربات السكك الحديدية، الصناعات الطبية، ومواد البناء والصناعات الغذائية. ويجدر التنويه فى هذا السياق إلى ما شهده عام 2018 من طفرة كبيرة فى مجال التعاون الاقتصادى بالتوقيع على اتفاق بين الجانبين – بالتعاون مع الجانب الروسى- لتنفيذ مشروع تمويل وتوريد 1300عربة قطار لتطوير قطاع السكك الحديدية فى مصر، وهى الصفقة التى تعد الأكبر فى تاريخ هيئة السكة الحديد المصرية، حيث يقدر تمويل هذا المشروع بأكثر من مليار يورو، ولا تقتصر أهمية هذا الاتفاق على حجمه بل لشموله عملية نقل المعرفة الفنية وصناعة جزء من هذه العربات فى مصر بما يرسى لنواة صناعة القطارات فى مصر بما يتجاوز إطار الاتفاق نفسه. على جانب آخر امتد الزخم الذى تشهده العلاقات الرسمية إلى المسار البرلمانى أيضاً حيث شهدت السنوات الثلاث الماضية تبادلاً للزيارات على المستوى القيادى بين الجانبين بدءاً بزيارة الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب إلى بودابست فى نوفمبر 2016 ، فيما زار رئيس البرلمان المجرى القاهرة في نوفمبر من العام التالي ، فضلاً عن تأسيس جمعية الصداقة البرلمانية بين الجانبين في عام 2016 ، وانتهاء بزيارة نائب رئيس البرلمان المجرى للقاهرة فى نوفمبر 2018. و عن المتوقع في المستقبل المنظور أوضح السفير أنه من المتوقع أن يقوم رئيس الوزراء المجرى السيد فيكتور أوربان بزيارة مصر فى الأسبوع الأخير من شهر فبراير القادم فى إطار مشاركته فى قمة قادة جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى. وسيعقد فى 5 فبراير القادم منتدى الأعمال المصرى المجرى بالقاهرة, واستطرد السفير الموافي ليؤكد على أهمية التعاون بين مصر ودول مجموعة بلدان فيشجراد والتي قال انها تنقسم إلى شقين أوجزهما في قوله: علي المستوي السياسي: تعد دول مجموعة فيشجراد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المتفهمة بشكل عام لتطورات الأحداث في مصر والتحديات التي تواجهها، وعادةً ما تأتي مواقفها متوازنة وداعمة للمواقف المصرية عند تناولها سواء علي مستوي الإتحاد الأوروبي أو المحافل الدولية المختلفة. علي المستوي الاقتصادي: تمثل دول المجموعة سوقاً كبيرة وواعدة بالنسبة لمصر، حيث يبلغ عدد سكان تلك الدول مجتمعة نحو 64 مليون نسمة والناتج المحلي الإجمالي للدول الأربع نحو 8.1 تريليون دولار، فضلاً عن الخبرات التي تتمتع بها في المجالات المختلفة كالسكك الحديدية والزراعة والري ومعالجة المياه والطاقة النووية والصناعات العسكرية، وهو ما يمكن الاستفادة منها، سواء في تنفيذ المشروعات القومية الجارية بمصر أو زيادة الصادرات المصرية لأسواق تلك الدول. هذا مع العلم أن مصر طرحت أفكاراً خلال القمة التى شارك فيها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي فى بودابست بشأن إنشاء منطقة صناعية خاصة بدول التجمع فى مصر، وكذلك إنشاء صندوق إستثمارى مشترك، ولا يزال يجرى دراسة هذه الأفكار فى سبيل تطوير التعاون بين مصر ودول المجموعة.