مارستُ العملَ السياسى خمس سنوات فى مجلس النواب وعرفتُ ما هى المعاناة التى تخوضها المرأةُ كى تقنعَ الرجلَ الذى يرفض وجودها أن المرأة عقلها سياسى مثل الرجل، وربما لديها رؤية أوضح للمجتمع منه، لأنها تستطيع أن تجرد المشكلات من المظاهر بسرعة... شخصيات نسائية كثيرة صادفتنى فى عملى وخصوصا عندما توليت أمانة المرأة فى الحزب الوطنى، وكان هدفى تسييس عقلية المرأة. كانت هذه كلمات من فيلم وثائقى عن الدكتورة سَهير القلماوى تحكى فيه شهرزاد قصة كفاحها. فهى أول امرأة تدخل كلية الآداب جامعة القاهرة، وأول امرأة تحصل على بعثة لتكمل دراساتها العليا، وأول امرأة تحصل على الدكتوراه عن كتاب ألف ليلة وليلة، وأول امرأة تصبح رئيسة لقسم اللغة العربية، وأول امرأة تحمل إجازة الصحافة، وأول امرأة ترأس الهيئة العامة للكتاب، وقد أقامت معرض الكتاب الدولى الأول على أرض مصر. ونحن هذا العام نحتفل بمرور خمسين عاما على إنشائه وغرس يدها. حيث يكرّم اسمها الخالد مع الدكتور ثروت عكاشة، وسوف تحل جامعة الدول العربية ضيف شرف معرض الكتاب هذا العام. وكنت أتيه فخرا وأنا أشاهد فيلمها الوثائقى وأقرأ أعمالها، وشهادة الدكتور جابر عصفور الرائعة عنها وهو أحد (تلامذتها) التى ستكون فى يوم من الأيام وثيقة لتاريخ النقد وتطوره على يديها. وراودتنى عدة أسئلة منها: إلى أى مدى يمكن استخدام القص الشعبى مصدرا للتاريخ؟ ثم شغل ذهنى الفرق بين الراوى والمؤرخ. فقد أوضحت الكتب المؤرخة لنشأة علم التاريخ أن المؤرخ هو الذى يتوخى الصدق فيما ينقل، ويتحرى الخبر من مصادره الموثقة، ثم يستنبط الحقيقة؛ بينما الراوى هو من ينقل كل ما يحصل عليه من معلومات سواء تأكد من مصدرها أم لا. وقادنى هذا إلى العظيمة سَهير القلماوى مرة أخرى وأطروحتها لنيل الدكتوراه عن كتاب ألف ليلة وليلة، وهو يندرج تحت بند القص الشعبى، الذى يضيع من خلاله مُنْتِج الرواية والراوى، وتظهر المَرْوِيَّة كبطل نستطيع من خلاله أن نستخلص طموحات الشعوب وآمالها. والحقيقة لقد تصدت سهير القلماوى لهذا القص بكثير من أسلحة المؤرخ، فأخرجت من بين هذا الخيال الشعبى ما أنتجه من معايير أخلاقية حكمت شكل المَرْوِيَّة، وكيف شكلت ذهنية العوام إنتاجها، كالتصورات الدينية التى تتحكم فى الجانب الأخلاقى وظهور الأديان الثلاثة بالإضافة للدين المجوسى، حتى خلصت إلى دستور الحكاية الشعبية ويتلخص فى أن الخير جزاؤه الخير، والشر جزاؤه الشر ولم يأت هذا الدستور من فراغ، بل أتى من إيمان العامة العميق بوجود الله الذى يقتص دائما من الظالم. وكيف استخدمتْ القِصَصُ شخصيةَ الرشيد لإظهار سيادة العدالة؟. ولم تنس فى دراستها دور المرأة باعتبارها النواة الأساسية للأحداث والمحركة لها فمن تحكى شهرزاد وهى امرأة لتجبر الرجل شهريار بعقلها وذكائها علي الإيمان بها وعدم قتلها. ولتنتزع الرائعة سَهير القلماوى الحكى عنها وتنجح فى إقناع طه حسين عميد الأدب العربى شهريار بعقليتها والفتنة بها فى مقدمة رسالتها للدكتوراه فيقول: هذه رسالة بارعة من رسائل الدكتوراه التي ميزتها كلية الآداب جامعة القاهرة. وبراعتها تأتي من مؤلفتها أولًا فهى السيدة سهير القلماوى، وما أظن الناس فى حاجة إلى أن تُعرِّف إليهم سَهير القلماوى... ثم تأتى براعة هذه الرسالة من موضوعها فهو ألف ليلة وليلة، هذا الكتاب خلب عقول الشرق والغرب . أما آن الآوان لنقدم عنها مسلسلا فنيا فتكون نموذجا وقدوة للمرأة وللشباب ! لمزيد من مقالات شيرين العدوى