يبدو أن 2019 سيشهد نهاية التجاوزات القانونية ل «الأخ الأكبر»، أو بمعنى آخر «السوشيال ميديا»، فقد طرح النائب الجمهورى لوى جوميرت مشروع قانون يقضى بمحاسبة كبرى شركات التواصل الاجتماعى مثل جوجل وتويتر وفيسبوك على المادة التى يتم بثها عبر منصاتها، والتعامل معها كوسائل إعلامية تقليدية لا تتمتع بأى حصانة ضد المحاكمة والمحاسبة. فقد تحولت المساعى لتقييد تقليم أظفار هذه المواقع إلى قضية أمن قومي، وهو ما ظهر جليا خلال انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى التى جرت فى نوفمبر الماضى وشهدت إجراءات أمن إلكترونية غير مسبوقة. واستطاع ضغط الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبى على مواقع مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«جوجل» أن يكون رادعا لهذه الوسائل من تكرار التجاوزات وحملات التضليل التى شهدتها الانتخابات الرئاسية فى 2016، وتمكن من كبح التلاعبات وعمليات التضليل والتجسس والتدخل الأجنبى فى مصير الدول. فهناك حالة من الوعى العالمى إزاء التأثير السياسى لمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد فضيحة تلاعب شركة «كامبريدج أناليتيكا» ببيانات ملايين العملاء، وهى شركة الاستشارات التى تعمل فى مجال جمع البيانات وتحليلها لمساعدة السياسيين فى حملاتهم الانتخابية عن طريق دراسة توجهات الناخبين والتنبؤ بسلوكهم ودراسة طرق التأثير عليهم وتوجيههم.. فقد استدعى الكونجرس الأمريكى مارك زوكربيرج مؤسس «فيس بوك» لاستجوابه فى قضية التدخل الروسى والتلاعب فى نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 وفضيحة «كامبريدج أناليتيكا»، وخلال استجوابه وعد زوكربيرج بأن ذلك لن يحدث مجددا ، وأعلن أن الشركة قامت بتطوير تقنيات ذكاء اصطناعى للكشف عن الأنشطة الضارة فى انتخابات فرنسا وإيطاليا المقبلة، لحماية الانتخابات فى جميع دول العالم من التلاعب بواسطة «فيس بوك». ومن ناحيته، أعلن الاتحاد الأوروبى عن غرامات ضخمة لشركة «جوجل» بلغت5 مليارات يورو بسبب قيامها بممارسات غير قانونية وتوسيع هيمنتها بشكل غير عادل على جميع محركات البحث الأخري، وأيدت مفوضة المنافسة فى الاتحاد الأوروبى مارجريت فاستيجر فكرة تكسير شركة «ألفابيت» المالكة لجوجل ولعدة شركات أخرى تعمل فى مجال التواصل الاجتماعى مثل «يوتيوب» وأنظمة تشغيل الهواتف المحمولة «أندرويد»، ودعت إلى تفكيكها لعدة شركات أصغر حجما بحيث لا تستطيع السيطرة على شبكة الإنترنت. واتسع نطاق فضيحة «كامبريدج أناليتيكا» دوليا ، وفتحت هيئات بريطانية مستقلة وحكومية وبرلمانية تحقيقات فى قضية استغلال بيانات ملايين المستخدمين، ودعا نواب بريطانيون زوكربيرج إلى شرح الوضع بعد أن اعترف بتسريب بيانات نحو 87 مليون مستخدم لشركة الأبحاث المعروفة. نجاة انتخابات التجديد النصفى الأمريكية من أى تلاعب خارجى أثبت قدرة النظم الدولية والحكومات على السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعى وتأمين الفضاء الإلكترونى من أى تضليل، وسينعكس ذلك على المستقبل السياسى للدول فى الفترة القادمة.. فهل سيكون عام 2019 عام ترويض الوحش الإلكترونى والسيطرة عليه؟.