لم تكن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام المنتدى الإفريقى الأوروبى يوم 18/12/2018 فى الاجتماع السياسى الذى شارك فيه رؤساء الدول والحكومات شكلية ومراسمية، ولكنها جاءت معبرة عن أهداف وأولويات السياسة الخارجية لمصر تجاه تحديات القارة لإيجاد حلول واقعية ومستديمة لتلك التحديات، فمصر دولة إفريقية ليس فقط بحكم موقعها كحارس للبوابة الشمالية الشرقية للقارة وما يعنيه ذلك الموقع من عمق إستراتيجى لمصر، ولكن إيمان مصر بارتباط مستقبل التنمية فيها بمستقبل التنمية فى القارة الإفريقية، وأن تحقيق التنمية فى محيطها الإقليمى سيقود حتماً لمستقبل أفضل لشعبها ولبقية شعوب القارة، وانطلاقا من حرص القيادة السياسية بعد ثورة 30 يونيو على الوجود المؤثر والفعال على الساحة الإفريقية، وضعت مصر أهدافاً محددة على رأس أولويات رئاستها المقبلة للاتحاد الإفريقى عام 2019، وأبرزها تحقيق التنمية المستديمة وتطوير البنية التحتية، ووضع إستراتيجية لجذب الاستثمارات لتوفير بيئة مناسبة لرواد الأعمال، وخلق مزيد من فرص العمل للشباب الإفريقى، للارتقاء بقيمة مساهمة الدول الافريقية فى حجم التجارة العالمية، والذى يبلغ حالياً نحو 3% فقط، وهى مستويات محدودة جداً مقارنة بإمكانات وموارد دول القارة، وسوقها الضخمة، ومن ثم جاءت استضافة مصر العديد من الفعاليات الافريقية المهمة، الرامية لتحقيق أهداف أجندة التنمية الافريقية 2063، فالقارة السمراء تعج بالأزمات والمشكلات واحتياجها بات أقوى لدولة بحجم مصر لكى تلعب دوراً ريادياً بها لتحقيق مصالحها. وقد حرصت مصر خلال عام 2018 على دعم جهود مؤسسات الاتحاد الإفريقى لتعزيز آليات التنمية المستديمة والاندماج الإقليمى، حيث أسهمت جهود ممثليها فى صياغة أولويات العمل الافريقى المشترك، وتوقيع عدد من الاتفاقيات، أبرزها اتفاق تحرير المجال الجوى الإفريقى والتى وقعت عليها 27 دولة، واتفاقية حرية الإقامة والانتقال بين الدول الإفريقية وقعت عليها نحو 38 دولة إفريقية، فضلاً عن اتفاقية منطقة التجارة الحرة التى وافقت على الانضمام لها مايقرب من خمسين دولة حتى الآن، والتى تهدف فى مجملها لتأسيساقتصاد متكامل يسمح بنمو الطاقات الإفريقية، وتشجيع التجارة البينية التى لم تتجاوز نسبتها 16% بين الدول الإفريقية، وكذا الصناعات التحويلية لتعزيز سلسلة القيمة المضافة لاقتصاديات الدول الصغيرة، وفى هذا الإطار يأتى قرار مصر الأخير بإنشاء صندوق مخاطر الاستثمار فى إفريقيا لتشجيع المستثمرين المصريين على المساهمة فى خطط التنمية المشتركة مع دول القارة، فضلاً عن دعم جهود الاتحاد الإفريقى لتفعيل دور التجمعات الاقتصادية (كوميسا - إيكواس سادك )، وكذا الهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد) وتجمع الساحل والصحراء فى تسوية قضايا القارة ( إجراء تدريبات مشتركة لدول تجمع الساحل والصحراء على مكافحة الإرهاب الاسبوع الماضى بقاعدة محمد نجيب العسكرية). تجدر الإشارة إلى أن استثمار مصر فى علاقتها مع شقيقاتها من الدول الإفريقية لم يتوقف رغم المشكلات الاقتصادية التى تواجهها، حيث تعد من أكبر الدول المانحة للمساعدات فى القارة، نظراً للدور الذى يلعبه الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، إضافة إلى الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية والتى تعمل على توفير المنح والدورات التدريبية لممثلى الدول الإفريقية فى العديد من المجالات، والمساهمة فى تخطيط وإدارة الموارد المائية وإنشاء المزارع النموذجية، وبناء السدود الصغيرة لتخزين وتوفير خدمات مياه الشرب النقية والصرف الصحى، ومحطات توليد الكهرباء، وأعمال البناء والتشييد، كما حرصت الحكومة المصرية على تفعيل العلاقات المصرية / الإفريقية، من خلال استضافتها العديد من الفعاليات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، فضلاً عن تشكيل لجنة دائمة برئاسة وزارة الخارجية لمتابعة تلك العلاقات، إلا أن المردود الإيجابى لتحرك المؤسسات الحكومية المصرية لن يتحقق دون مشاركة القطاع الخاص فى تحقيق تلك الأهداف، الأمر الذى يتطلب ضرورة القيام بجولات استطلاعية لبعثات طرق الأبواب للتعرف على احتياجات السوق الإفريقية، والتركيز بشكل أكبر على مشكلة النقل البحرى وضرورة تعزيز الخطوط الملاحية القائمة لتشمل اكبر عدد ممكن من الموانى الإفريقية، مع أهمية تأسيس شركة للتجارة لترويج المنتجات المصرية داخل القارة. ولاشك أن مساعى مصر لاستعادة مكانتها ودورها على الساحة الإفريقية خلال فترة رئاستها الاتحاد الإفريقى ستواجه بالعديد من التحديات، وأهمها سيطرة القوى الكبرى على المؤسسات الدولية لقيادة النظام الاقتصادى العالمى، والتنافس بين التكتلات الاقتصادية وبصفة خاصة الأوروبية والأمريكية والصينية على دول منطقتى حوض النيل والقرن الإفريقى، ارتباطاً بأهميتها الإستراتيجية والأمنية (قواعد عسكرية- مبادرات لتأسيس نظم للأمن الجماعى فى القرن الإفريقى: مبادرة الرمح الذهبى وفى الشمال الإفريقى مبادرة عموم الساحل)، لاسيما مع تزايد التغلغل الصينى بالقارة الإفريقية وتوظيف استثماراتها الضخمة للسيطرة على الأسواق والثروات الإفريقية خاصة النفطية، الأمر الذى يتطلب التعامل بحكمة مع متطلبات تحقيق أهداف الأمن القومى، بالتوازى مع إيجاد حلول للمشكلات والمعوقات التى تؤثر على مساحة الدور المصرى، وأهمها مشكلة النقل (برى بحرى جوى )، وعدم وجود مخازن ومناطق لوجيستية لمصر فى الدول الافريقية. وفى هذا الإطار يمكن بلورة برنامج عمل للتحرك الإفريقى لتمكين القارة الأفريقية من التصدى لمشاكلها من خلال تعميق مفهوم التضامن الإفريقى / العربى وتوظيفه للقضاء على الخلافات الإقليمية، ومحاصرة وتقليص النزاعات السياسية بين الدول الإفريقية، وطرح قضية الديون الإفريقية أمام المحافل الدولية والبحث عن حلول جذرية لها، فضلاً عن التعاون المشترك فى مواجهة الجرائم العابرة للحدود التى تشكل خطراً على مختلف المجتمعات، وخاصة الجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية، وتفعيل الحوكمة ومحاربة الفساد من خلال تبادل الخبرات وتدريب وتأهيل الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد، ( الموافقة على تقديم نحو 250 منحة تدريبية للكوادر الإفريقية العاملة فى مجال الوقاية من الفساد )، وتنشيط العمل المشترك فى مجال التعاون والتكامل الاقتصادى وإزالة العوائق أمام التجارة بين الدول الإفريقية، وربط مختلف أنحاء القارة بشبكات الاتصالات والمواصلات، مع الاهتمام بالعلوم وتطوير نظم التعليم فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لبناء القدرات البشرية للدول الإفريقية. لمزيد من مقالات لواء .محمد عبد المقصود