الإعلام أخذ منحى عدائيا ضد الأطباء مؤخرا ونحتاج إلى إصلاح الصورة الذهنية للطبيب فى المجتمع كثيرة هى المعارك التى دخلتها النقابة، وكثيرة هى القضايا التى تصدت لها على مدى العقود الماضية، لكن هل « دار الحكمة» مظلومة أم ظالمة؟ هل لها الحق فى كل القضايا التى تصدت لها أم لا؟ وهل الإعلام يتجنى على الأطباء؟ أم الأطباء أنفسهم هم السبب فى هذا التجني؟ هذه القضايا وغيرها فتحناها مع الحارس الأول على «البيت الطبي» فى مصر نقابة الأطباء، الدكتور حسين خيرى نقيب الأطباء، فكان هذا الحوار.. لماذا يشعر البعض بأن نقابة الأطباء دائما ما تثير المشكلات، وأنها كثيرا ما تشتبك مع الحكومة؟ نقابة الأطباء ليست ضد الدولة، ولا من طبيعتها إثارة المشكلات، لكنى أعترف بأن الصورة الذهنية لدى الكثير منذ زمن أن النقابة ضد الدولة، لكن الحقيقة أن النقابة تحتفظ بحقها فى أنها تقول رأيها الحر الحقيقي، وهو بالأساس فى مصلحة الأطباء وقبل ذلك فى مصلحة المهنة نفسها، والمنظومة الصحية بأكملها، ونحن اتفقنا على أن تكون لدينا آلية للتعامل مع الدولة ومؤسساتها المختلفة يقبلون فيها بالرأى الآخر والاستعانة برأى بيت الخبرة سواء أخذوا بهذا الرأى أو لا، فالنقابة لن توافق على شيء ضد مصلحة المنظومة الطبية والأطباء، فما نطلبه عند مناقشة أى تشريع يخصها أن يتم إشراكها ويؤخذ برأيها، ولا يتم تجاهلها كما يحدث دائما. د.حسين خيرى - تصوير: أحمد عارف الصورة الذهنية لدى عامة المصريين أن الطبيب ذو مكانة مرموقة، لكن نقابة الأطباء متهمة دائما بأنها تتحدث عن الأطباء وكأنهم الأدنى أجرا فى مصر؟ نحتاج بالفعل إلى إصلاح الصورة الذهنية للأطباء عند المجتمع، الحقيقة الآن أن الأطباء بالفعل يعانون معاناة كبيرة فى كل ما ذكرت سابقا، سواء رضاهم الوظيفي، أو محور عملهم وأجورهم، أو تأمينهم أثناء عملهم، وساعات عملهم الطويلة، وهى أشياء لا تخفى على أحد، ومع ذلك فإن المجتمع لا يزال يحترم الطبيب ويضعه بالفعل فى مكانة مرموقة، وحين تهتز هذه الصورة لدى البعض فإنه يقسو عليهم بشدة، ولابد هنا من وضع حدود لمنع ما يتعرض له الطبيب، فالطبيب هو الذى يتحمل سوء حال المستشفيات وانعدام التجهيزات بها، وهو وضع آن له أن يتغير. يتعرض بعض الأطباء للاعتداءات من أهل المريض، والنقابة طالبت بتفعيل شرطة حماية المستشفيات، أين وصل الأمر فى هذا المطلب؟ للعلم، الاعتداء على الطاقم الطبى موجود فى كل دول العالم، وفى مصر ليس وليد السنوات الماضية فقط، بل منذ زمن بعيد، لكنه منذ الثورة وهو فى زيادة مقلقة، وكان من ضمن المحاور التى ناقشناها هنا فى النقابة هو تفعيل شرطة حماية المستشفيات، بحيث يكون تأمينا حقيقيا، وليس تأمينا صوريا، وهى إدارة كانت موجودة فى الداخلية، تسمى إدارة تأمين المستشفيات، كما طالبنا بأنه حين يحدث اعتداء تقوم إدارة المستشفى بالإبلاغ وليس الطبيب، حتى لا يحدث كما نرى دائما أنه شجار بين اثنين، وصراحة تحمست له وزيرة الصحة بشدة وتمت مخاطبة المديريات، ولكنه لا يزال غير مُفعّل حتى الآن. هل هناك تبرير لخطأ الأطباء؟ نحن لا نبرر هنا أخطاء الطبيب، ولا ندافع عنه، الأخطاء واردة، لأننا بشر، ولكن علينا الاحتكام إلى القانون، فأهل المريض ليسوا هم من يحددون ما إذا كان الطبيب أخطأ أم لا، هناك جهة هى التى تقرر ذلك. دائما ما توجه اتهامات التعليم الطبى فى مصر منهار ؟ أولا، التعليم الطبى فى مصر ليس منهارا، والذين يتحدثون عن انهيار التعليم الطبى هم المنوطون بإصلاحه، فبدلا من الشكوى عليهم الإصلاح، ولكن دعنى أفرق بين أمرين، ما قبل التخرج وما بعده، فما قبل التخرج هو على أعلى مستوى من المعلومات، فى جميع الكليات، لكن الأزمة الحقيقية هى بعد التخرج، فى تدريبه وتطوير مهاراته، فلدينا سنويا ما بين 8 و10 آلاف خريج، من يضمن منهم التدريب المهنى بأشكاله المختلفة لا يزيدون على 3 آلاف، ولو تفاءلنا سيكون 5 آلاف، فى كل الأحوال أزمة كبيرة، فنحو نصف من يتخرجون لا يحصلون على تدريب لأنه لا توجد فرص لتدريبهم، وهى ليست مسئولية الطبيب، بل مسئولية توافر أماكن التدريب، فيتم تكليف الطبيب ولا يتم الاهتمام بتدريبه ومن هنا تتدهور مهاراته وإمكاناته، كما أن لدينا أزمة ونقصا فى المدربين الحقيقيين، فينبغى أن يكون التعليم للتوظيف والتطوير وليس بهدف النجاح فى امتحان. تم إنشاء الهيئة المصرية للتدريب الإلزامى للأطباء، لكننا كالعادة وجدنا اعتراضات كبيرة من نقابة الأطباء على عمل هذه الهيئة، لماذا؟ المطلوب أولا أن يكون لدينا أماكن متوافرة لتدريب عدد أكبر للأطباء، وذلك بوجود مستشفيات معتمدة للتدريب من حيث الجاهزية الكاملة من معدات ومدربين وغيرهما، وهذه هى ما نطالب به، ونصر على تحقيقه، لأنه من دون ذلك لن يتم تدريب الطبيب، وسندور وقتها فى حلقة مفرغة، وسبب اعتراضنا الأساسى هو تغيير مسميات ليس إلا، فبدلا من الزمالة أصبح اسمها « البورد» من دون النظر فى الأهم، وهو وجود مستشفيات معتمدة، فمهمة الهيئة هى تزويد المستشفيات بقدرات علاجية، ففكرة « البورد» أن تكون شهادة موحدة لكل أطباء مصر، وألا يكون لها شهادات منافسة، سواء ماجستير أو دكتوراه أو زمالة أو غيرها، لكن الهيئة فشلت فى تحقيق ذلك، لأنها ببساطة لم يدخل بها كل الأطباء، فلا يوجد أطباء القوات المسلحة والشرطة ولا أطباء الجامعات. ما الذى يدفع بعض الأطباء إلى الاستقالة ؟ دعنى أرتب لك أسباب هذه الاستقالات أو التسربات، أولا: ليس أبدا الرواتب هى السبب، هى أحد الأسباب، لكن الأهم من وجهة نظرى هو عدم حصولهم على فرص تدريب، وعدم رضاهم الوظيفى عما يقدمونه، فالأطباء بسطاء جدا، وغرباء جدا، فغاية انبساطهم أن يقدموا خدمة طبية ترضى المريض، أن ينقذوا مريضا، وللعلم إذا تم تعويض الطبيب ولو مرحلة مرحلة، لاختفى الكثير من هذه الظواهر السيئة، وأعنى هنا دعمهم فى دراساتهم وتدريبهم، وأن تتكفل الوزارة بتكلفة هذا التدريب، كما أعنى أيضا سكنا نظيفا لأطباء النوبتجيات، وأعنى ثالثا رضا وظيفيا، وأعنى أخيرا راتبا مناسبا. انتفض العديد من الأطباء ضد قانون المستشفيات الجامعية، ورأوا أنه يقوض المنظومة الطبية فى مصر، فهل تأمل فى تعديل القانون وإعادة مناقشته مرة أخري؟ لديّ أمل كبير فى تعديله، بل يراودنى الأمل أكثر فى إلغائه، المسألة ليست ضد مواد بعينها، بل ضد روح القانون، وضد اللائحة التنفيذية التى بصدد إقرارها، الموضوع يتلخص فى أن كليات الطب عبارة عن أقسام أكاديمية وأقسام إكلينيكية، والأخيرة هى المستشفيات الجامعية، وهذه الأقسام ليس لها مكان فى الكلية، فما هى إلا مدرجات، عمل هذه الأقسام هو داخل المستشفيات، وأى محاولة للفصل هو دمار للعملية التعليمية والتدريبية والبحثية والعلاجية فى الجامعة، فالأزمة فى القانون أنك تطالب بعض الأطباء بالتفرغ وأن تكون لهم عقود مع المستشفى المعينين فيه، هنا نحدث فرقا وشرخا كبيرا، فمجموعة يتم التعاقد معها، وأخرى لا تعالج ولا تتدرب ولا تمارس المهنة داخل هذه المستشفيات، وإذا سرنا فى هذا الطريق فإننا على المدى البعيد ستفقد المستشفيات الجامعية قدرتها على العلاج. لكن غير المتخصصين حين يقرأ هذا القانون، ويرى أنه يلزم الطبيب بعقد ويلزمه بالتفرغ، فلن يجد مشكلة فى ذلك، بل قد يتهم الأطباء المهاجمين للقانون بالأنانية هنا؟ ليس صحيحا، وليست أنانية على الإطلاق، هذا القانون سيكون سببا فى فقد أطباء المستشفيات الجامعية كفاءتهم المهنية، فالمستشفيات الجامعية هى من أكثر الأماكن استقبالا للمرضى، وقد تصل النسبة إلى الثلثين من إجمالى المرضى فى مصر. إذن كيف أضمن تفرغ الطبيب فى المستشفى الجامعى إذا لم يحل القانون هذه المشكلة؟ الأزمة فى التمويل، الأزمة أن تفرغ الطبيب الآن من خلال الموارد الذاتية، وليس من خلال منظومة واضحة فى التمويل، فميزانية الدولة للمستشفيات الجامعية تنتهى فى غضون أشهر قليلة، فلولا الأطباء بهذه المستشفيات ودورهم فى جمع تبرعات من جهات عديدة ومن زكاتهم الخاصة لانهارت الخدمة العلاجية بهذه المستشفيات. ولكن لا يزال تفرغ الأطباء يواجه مشكلة، فوجود الأطباء يقتصر على ساعات الصباح فقط، ولا وجود لهم مساء؟ هذه ليست مشكلة الأطباء، هذه أزمة تمريض، لا يوجد تمريض كاف، كما أننا ننادى منذ زمن بأن تكون فى المستشفيات عيادات مسائية، وعلاج مجاني، وليس طوارئ فقط، وهذه المواعيد والتفرغ لم يعترض عليه الأطباء، لكنها مرة أخرى المنظومة العلاجية فى مصر هى من وضعت هذا النظام وليس الأطباء، وما يُقال عن هرولتهم مساء لعياداتهم الخاصة، ليس صحيحا. هناك العديد من الملفات التى تصدت لها النقابة مثل بدل العدوى وإجراءات مكافحة العدوى فى المستشفيات والحصول على الجودة بها، هل وصلتم إلى حلول لها؟ دائما ما نقول إن رفع كفاءة المستشفيات هو الذى سيؤدى إلى عدم استقالة الأطباء، وهو الذى سيؤدى إلى قلة شكاوى المرضي، فدائما ما طالبنا وزارة الصحة والمديريات بتوفير أساسيات منع العدوي، وأبسطها الجوانتيات والماسكات، هذه الأساسيات البسيطة ليست موجودة حتى بالمستشفيات الكبيرة، ويقوم الأطباء بشرائها على حسابهم الخاص، وبخصوص بدل العدوى فبعد شوط طويل فى المحاكم والحصول على حكم بأن يكون بدل العدوى ألف جنيه، تم الطعن من الحكومة وتوقفت القضية، وهى بحاجة إلى تعديل تشريعى وليس حكما قضائيا، فبدل العدوى المقرر وهو 19 جنيها، حين تم إقراره وقتها كان مبلغا كبيرا، أكبر من راتب الطبيب، وكان ملزما وقتها بتفرغ تام، وعدم فتح عيادة قبل ثلاث سنوات. بعد إقرار قانون التأمين الصحي، ونحن الآن بصدد تنفيذه، هل لديك مخاوف من تطبيقه؟ صراحة، لا يزال القانون غير واضح حتى الآن، فهو قانون تمويلى بالأساس، فأخشى أن يتكسر الحلم على واقع المستشفيات الحالي. هل ظلم القانون الطاقم الطبى سواء فى الأجور والتدريب وغيرهما ؟ لم أجد أى مادة فى القانون تتحدث عن تحسين أحوال الطاقم الطبي، كل ما نسمع عنه هو تصريحات فقط، وإن كانت الوزيرة تحدثت أن أجور الأطباء سوف تكون موجودة باللائحة التنفيذية للقانون. برأيك هل الإعلام مع الطبيب أم ضده؟ لا أستطيع القول أن هناك خطا ممنهجا ضد الأطباء، لكن من الواضح أن التركيز مع أخطاء الأطباء فى الفترة الأخير أخذ منحى عدائيا.