الزراعة، البيئة والاقتصاد جمع شتاتهم السياسيون وأصحاب المصالح فى العالم وربطوا بينهم ليكونوا قوة يتحكمون بها فى أقوات البشر، ومن ثم فى مصائر الشعوب. قضية من أخطر القضايا التى تهم العالم أجمع وهى الأمن الغذائي، تهز صميم وجودنا الراهن ومستقبل أبناء وأحفاد مئات الملايين من سكان الأرض، والأمن الغذائى وضع يتحقق عندما يكون بمقدور كل الناس فى كل الأوقات الحصول على مايفى باحتياجاتهم المادية والاقتصادية والاجتماعية من طعام صحى مغذٍ متوافق مع خياراتهم الغذائية وتقاليدهم فى الأكل من أجل حياة مفعمة بالنشاط والصحة، ويتعلق بهذا المفهوم قضية مهمة أخرى وهى الاستقلال الغذائى لكل دولة الذى يتأسس على حق البشر فى الغذاء وتقرير المصير وحق سكان كل بلد وريفها فى إنتاج الغذاء ليمدوا به الأسواق فى بلادهم، ولكن ما حدث أن تحالفت أنظمة سياسيةعالمية مع شركات تحاول جعل الطبيعة ملكا خاصا لمجموعة أفراد دون بقية البشر، ولتحديد ماذا نأكل وقد أغرقت الأسواق فى العالم بمجموعة من الأغذية معظمها غير صحى ومخططها أن تتحكم فى إطعام 9 آلاف مليون شخص عام 2050 وفى كلمة لسكرتير لجنة الموارد الجينية للطعام والزراعة بمنظمة الأغذية والزراعة قال: إننا نعيش عصر تطويق وخصخصة ما كان متاعا ومشاعا بالأمس من تنوع حيوى وموارد طبيعية، تقنين الحصول عليها من الجين حتى الطبق الذى نأكل فيه من خلال ما يسمى الملكية الفكرية. فى هذاالكلام تفسير واضح لما حدث من تصدع فى أنظمة غذاء الشعوب لصالح كثير من الأطعمة المعدلة وراثيا أو المعالجة كيميائيا لا تفيد أجسامنا بقدر ما تضرها وتلبسها الأمراض، هذا مع غياب دور المقاومة الاجتماعية لتغيير عاداتنا الغذائية وثقافة طعامنا لصالح هذا الطعام الرديء سييء السمعة. شهد عقد الثمانينيات وضع السياسات الدولية التى أرادت التأثير على أمننا الغذائى بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة وبمعنى أدق من خلال اللعب فى الصفات الوراثية (الجينات) للنباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة الموجودةعلى سطح الأرض وهو ما يسمى تنوع الحياة على كوكبنا الذى يحمل كائنات تفوق الخمسين مليون نوع ، وقد تعرض هذا التنوع للتدهور بشكل كبير خلال العقود الماضية بسبب الصيد الجائر أو فقدان البيئة المناسبة أو التنافس بين الكائنات الأصلية والأنواع الدخيلة عليها أو التى تغزوها، بالإضافة للاتجار فى الحيوانات والنباتات البرية فمثلا يبلغ حجم التجارة القائمة على الحياة البرية، 20 بليون دولار سنويا ربعها غير قانوني. أما المحاصيل الغذائية المعدلة وراثيا، فقد خيبت الآمال والتوقعات فى أسواق الدول المتقدمة وأصبح مستقبلها غيرواضح الآن، كما أن قارة أوروبا تعارض هذه التكنولوجيا الحيوية، بل تصل المعارضة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها رغم أنها زعيمة اللعب فى جينات المحاصيل وقد تأثر المواطن الأمريكى بالجدل الدائر حول الآثار الصحية والبيئية المترتبة على انتشار هذه الزراعات المنتجة لأغذية معدلة وراثيا، وأصبح يراجع مكوناته الغذائية ، كما تزايد اتجاه المستهلكين فى الغرب نحو الأغذية العضوية التى تنتج من محاصيل لم يتم اللعب فى شفرتها الوراثية أو تنمو عن طريق استخدام الهرمونات. قد تعرض الفيلم الوثائقى الأمريكى (مستقبل الطعام) لهذه القضية وهاجم تطبيقات التكنولوجيا الحيوية فى مجال الزراعة. ما يهدد الأمن والاستقلال الغذائى للشعوب فى العالم، فعلا إن صناعة المورثات النباتية يتركز الآن فى أقل من عشر شركات فى العالم تمتلك أعدادا كبيرة من براءات الاختراع فى مجال الهندسة الوراثية للحبوب والنباتات، ولديها غطاء من الملكية الفكرية يحميها، وتمارس هذه الشركات سيطرة على شبكات توزيع الحبوب مما يعوق دخول شركات جديدة للعمل فى تطوير هذه التكنولوجيا، إذن المحصلة فى النهاية قوي، مصالح، مخاطر وسيطرة وتحكم يفضى إلى افتقاد للأمن الغذائى واستقلاله. لمزيد من مقالات سهيلة نظمى