أزعم أن الأخبار التى تعرض لأشكال العنف والشغب التى يمارسها المراهقون وأحيانا الأطفال، فى أقل حالاتها، تجاوزت بمراحل كل حيل عصابة عادل إمام فى مسرحية مدرسة المشاغبين التى لايزال البعض يعتبرها أصل البلاء!! مع ذلك فإن محاولة اختزال حوادث العنف فى اضطرابات نفسية أو حوادث عارضة نادرة أو إلقاء تبعتها على عامل واحد أو اعتبارها مبالغة فجة لسلوكيات المراهقين- كما حدث فى حالة مسرحية مدرسة المشاغبين- دون الالتفات لبقية المؤثرات، أمر فيه الكثير من التبسيط المخل وتجاهل لعوامل مختلفة تسببت فى تزايد معدلات العنف والاستمتاع بممارسته. فالملاحظ خلال العام الماضي، وتحديدا منذ كارثة لعبة الحوت الأزرق، تزايد وتيرة الهجوم على ألعاب الفيديو والأفلام الكارتون واعتبارها المحرض والجانى الوحيد فى جرائم العنف التى يرتكبها الشباب..وفى تقديرى أن التعامل بهذا المنطق أشبه بمن اختار أن يستشهد بالآية الكريمة « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ «و تجاهل بقية الآية «وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ...» . ورغم انه لا وجه للمقارنة بين آيات الكتاب الحكيم وممارساتنا اليومية، فإن اجتزاء كلمات الآية الكريمة من سياقها يشبه تماما ما حدث إبان عرض مسرحية مدرسة المشاغبين و ما يحدث الآن من توجيه سهام النقد تجاه الأفلام والألعاب التى ظهرت نتيجة التطور التكنولوجى و بات من المستحيل محاصرتها أو منعها بالكامل .. ففى المسرحية المدانة وبين صخب ضحكات فجرها أداء النجوم الشباب، الذين اثبتوا أنفسهم فى العقود التالية ، والتركيز على ممارستهم المستهجنة فى المدرسة، لم يلتفت كثيرون إلى أن المسرحية كشفت أهمية عامل الانضباط فى المدرسة ودور المدرس فى تقويم الطلبة فى سن حرجة وأن شغب وعدم احترام الطلبة للعملية التعليمية له أسبابه النفسية والأسرية كفقدان حرية اختيار الدراسة وتجاهل حق الحلم والقهر و المبالغة فى التدليل.. إلخ ..الأكثر من ذلك أنه فى سياق إدانة العمل، الذى لايزال يحظى بجماهيرية حتى اللحظة،تمت المبالغة فى تقدير تأثير العمل الفنى ووسائل الإعلام المباشر على السلوكيات وتجاهل الأبعاد الاجتماعية و الثقافية وغيرها، ليبدو الفن والإعلام أشبه بحقنة تحت الجلد، ما إن تسرى فى الدم حتى تحدث مفعولها دون أدنى مقاومة من «كور بيضاء» تشكلها التنشئة وتنمية القدرة على التفكير والموازنة بين الصالح والطالح!! .والنتيجة أننا لم نلتفت قليلا أو كثيرا لسنوات طويلة لتقوية الجهاز المناعى لأبنائنا وزيادة عدد كور الدم البيضاء لمقاومة اختراق الفيروسات المدمرة، وبتعبير أوضح تجاهلنا تأثير العوامل الأخري، لتتفاقم بمرور السنوات مشكلات التعليم وتآكل دور المدارس وتراجع العلاقة بين المعلمين وطلابهم !!.. وفى ظنى أن تجاهل حقيقة أن منتجات التكنولوجيا الحديثة باتت جزءا لا يتجزأ من حياة شباب اليوم وأن عملية المنع أو تجريم استخدامها، سيؤدى بالضرورة لزيادة الإقبال عليها، بمنطق الممنوع مرغوب!!. فالتركيز على توجيه أصابع الاتهام تجاه ألعاب الفيديو وأفلام الكارتون فقط كلما واجهتنا واقعة عنف لن يدفعنا فقط للمضى فى نفس الاتجاه الذى تم تبنيه منذ عرض مسرحية مدرسة المشاغبين وتسبب فى تأجيل مواجهة تدهور العملية التعليمية بل أيضا يزيف و يتجاهل واقعا من المحال الانفصال عنه، وأعنى به التعامل مع منتجات تكنولوجيا حديثة تخترق جدراننا بل وعقول شبابنا، ويتجاهل حقيقة أن عددا لا بأس به من البرامج الإلكترونية تنمى الفكر والإدراك والملكات الفنية وأن أثرها لا يقتصر على فئة سنية بعينها رغم أن معظم مستخدميها من الشباب والأطفال.كذلك فإن تصور إن بإمكاننا حماية شبابنا ومقاومة العنف بمجرد المنع أو الحجب و التجريم يغفل حقيقة أن العزلة فى عالم اليوم المفتوح السموات باتت المستحيل الرابع !!.. وفى سياق ما سبق، تطرح علامات الاستفهام نفسها.. ما سبب تزايد وتيرة العنف فى مجتمعنا؟ وهل حقا الألعاب والأفلام المنتشرة على الإنترنت المحرض الحقيقى الذى يجب أن نشير إليه بأصابع الاتهام ؟ وللحديث بقية .. لمزيد من مقالات سناء صليحة