لا أظن أن أجدادنا عندما ابتكروا المثل الشائع «اللى يعيش يا ما يشوف واللى يمشى يشوف أكتر » جال بخاطرهم لوهلة أن أبناءهم وأحفادهم سيرون يوما يحتفل فيه ابن السادسة عشرة بيوم ميلاده بقتل مدرسته المسنة لمجرد انه يمارس لعبة على الانترنت!! ودون الدخول فى تفاصيل تحقيقات الجريمة المؤلمة وتلقى المدرسة المسنة الطعنات من طالب كان من المفترض أن يقف لها تبجيلا، كما قال أمير الشعراء احمد شوقى، أو التوقف أمام تقارير الطب النفسى حول مدى اتزان الطالب نفسيا، استطيع أن ادعى بكل الأسف أن الحادثة البشعة التى وقعت بالإسكندرية لا يمكن النظر إليها من منظور كونها حالة فردية للطالب« فلان »، ولن يتكرر بصورة أو بأخري!! فلو أنعشنا الذاكرة قليلا ستفاجئنا أكثر من صورة لوقائع وأحداث تندرج تحت بند ارتكاب جرائم الفاعل فيها قاصر!! فلقد توالت فى السنوات القليلة الماضية مجموعة من الجرائم الصادمة التى هزت الرأى العام وقتلتها بحثا لأسابيع طويلة برامج التوك شو ثم ما لبثت أن سقطت من ذاكرتنا وكأنها لم تحدث ولم تدق جرس إنذار كى ننتبه..ترى هل نسينا محاولات انتحار أكثر من مراهق بسبب لعبة الحوت الأزرق؟! وماذا عن حادثة اقتحام مجموعة من المراهقين أحد فصول البنات وترويعهن فى احدى المحافظات مع بداية العام الدراسى الحالي، التى سبقها فى العام الماضى تباهى عدد من طلاب مدرسة الملك الكامل الثانوية، بإصابة 6 طلاب بطلقات خرطوش، وتعمدهم نشر صورهم على الفيس بوك وهم يحملون سلاحا ناريا وأسلحة بيضاء و«السنج» وكأنهم فتحوا عكا!!. وفى تقديرى أن الأمثلة القليلة السابقة تشى بأن الحوادث المتكررة رغم اختلاف أماكن وقوعها وتفاصيلها إلا أن الفئة العمرية لمرتكبيها والمبررات التى يسوقونها فى كل مرة تؤكد أننا نعيش لحظة ميلاد ظاهرة جديدة وغريبة على مجتمعنا، علينا أن ندرسها ونحلل أسبابها وألا ندفن رءوسنا فى الرمال ونتعامل معها باعتبارها حالات فردية شاذة كى لا تتفاقم لنصل للحظة نواجه فيها بعمليات انتحار وقتل منظم أو إطلاق رصاص عشوائى كحادث إطلاق مراهق ولاية فلوريدا النار عشوائيًّا على زملائه بالمدرسة وغيرها من الحوادث المؤرقة فى بلاد العم سام!! والحقيقة أن محاولة اختزال حوادث العنف فى اضطرابات نفسية مثلما علق دونالد ترامب على حادث مراهق فلوريدا أو اعتبارها حوادث عارضة نادرة، أمر فيه الكثير من التبسيط المخل وتجاهل حقيقة تزايد معدلات العنف فى العالم والاستمتاع بممارسته كنتيجة طبيعية لمقدمات بات علينا أخذها فى الاعتبار. ورغم أن غالبية أبنائنا بكل مشاكلهم وعيوبهم لم يصل بهم الأمر لنفس درجة الخطورة فى دول بعينها شرقا وغربا، إلا أنهم أصبحوا بتحولهم لمتلقى سلبى لكل ما يشاهدونه عرضة لالتقاط عدوى جنون العنف والوقوع تحت سيطرة مافيا ترويجه وممارساته المتخفية وراء عناوين ووعود تداعب خيال المراهقين والأطفال وتعدهم بتجارب مثيرة وبطولة مزيفة تروج لها دراما السينما والتليفزيون وبعض ألعاب الكومبيوتر والفيديوهات المنتشرة على موقع الانترنت، تعرض عمليات قتل وتعذيب سادية كفيلة بأن تبطل ملكة التفكير وتعطل الإرادة. ولعلنا جميعا نلحظ الآن تغيير أساليب الشجار، فالشجار والتشابك كانت له أسبابه المعروفة وله أصول، لم يكن من بينها - على الأقل بين المتعلمين - استخدام السنج والأسلحة البيضاء وطلقات الخرطوش.. ويظل السؤال هل السبب مجرد فيلم كارتون أو لعبة على الانترنت أم أن ثمة عوامل أخري؟ هل الأمر مجرد شقاوة مراهقين ومحاولات لإثبات رجولة مبكرة أم تقليد أعمى لممارسات مرفوضة حتى فى المجتمعات التى ظهرت فيها أم عمليات غسيل مخ منظمة تتم من خلال إدمان الوسائط الاجتماعية الحديثة أم متغيرات مجتمعية تركت بصمتها السلبية على نفوس الآباء وانتقلت عدواها للأبناء ليصبح العنف والسلوكيات الممجوجة العرف السائد ؟! وللحديث بقية .. لمزيد من مقالات سناء صليحة