«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عادل عامر يكتب عن :العنف في المدارس والجامعات
نشر في الزمان المصري يوم 10 - 05 - 2013

تبرز ظاهرة العنف بين الطلاب والتلاميذ فى المدارس والجامعات كظاهرة عالمية تتكرر فى مختلف بقاع الكرة الأرضية سواء فى الدول المتقدمة أو دول العالم الثالث. وفى الآونة الأخيرة باتت هذه الظاهرة تؤرق الكثير من أولياء الأمور والطلبة، خصوصا وأن بعض المشاجرات الأخيرة التى تناولتها الصحف أظهرت مؤشراً خطيراً بعد أن استخدمت فيها الأسلحة البيضاء. فمسألة استخدام الأسلحة فى شجارات بين طلبة المدارس ظاهرة جديدة على مجتمعنا قلما حدثت فى السنوات الماضية ولكنها اليوم باتت تتكرر وعلى فترات متقاربة.
لقد تعدى حجم العنف فى المدارس أكثر التوقعات تشاؤماً، فعندما تم عرض مسرحية «مدرسة المشاغبين» فى السبعينيات كان الناس يتساءلون: هل سيأتى يوم نرى فيه أبناءنا على مثل هذه الصورة؟!
إن ظاهرة العنف داخل المدارس لم تعد قاصرة على عنف المدرسين تجاه الطلبة، ولكنها امتدت لتشمل عدداً من الطلاب بحق مدرسيهم وعنفاً موجهاً من أولياء الأمور للمدرسين، كما قام المدرسون أنفسهم بتبادل العنف فيما بينهم أمام الطلاب. وإلى جانب ذلك تبادل الطلاب للعنف فيما بينهم مما أدى لتحول المدارس إلى ساحات للاقتتال وممارسة للعنف، بدلا من أداء دورها الطبيعى فى تعليم وتلقين النشء للقيم وفى القلب منها نبذ العنف والتسامح.
وفى هذا الإطار تثير هذه الدراسة قضايا وإشكاليات تتعلق بخصائص العنف الطلابى وسماته الأساسية، وطبيعة السياقات التى ينمو فيها، إلى جانب التركيز على قضايا العنف فى الجامعات المصرية وما يشهده من أنماط غير تقليدية.
- خصائص العنف الطلابى وسماته
تشير الدراسات التى تنشرها الصحف ومراكز البحوث لوجود عنف متزايد فى المدارس يعكس علاقة عضوية بين التنشئة الاجتماعية والعنف على مستوى الطلاب، وأوضحت الدراسات فى قطاعات الطلبة أن الشعور بالإحباط وعدم الأمان وانتشار النماذج العدوانية وزيادة التوتر بسبب حالة العنف العامة، والتمادى فى العقاب الجسمانى فى تربية الطفل وعدم استقرار الأسرة والفقر وسوء الحالة الاقتصادية ونظام التعليم الحالى وما تنشره وسائل الإعلام من مادة عنيفة، وانتشار البطالة والمشكلات السكانية ومشاكل الصحة والمواصلات - هذه كلها أسباب تهيئ نفسية المراهقين والشباب للعنف.
وفى هذا السياق يجب التفرقة بين نمطين متمايزين وإن كانا متكاملين، بمعنى أن أحدهما يعد بمثابة إعداد وتأهيل للآخر، وتعنى بذلك العنف الطلابي، أى المشاجرات والسلوكيات العشوائية التى ينخرط فيها الطلبة داخل أسوار المدارس والمؤسسة التعليمية أو على مقربة منها والعنف الجنائى الذى يأخذ صوراً متعددة كالسرقة والقتل والاغتصاب وغيرها. وفيما يتعلق بالنمط الأول وهو الأخف حدة تشير كافة الدلائل التى يمكن استخلاصها من المتابعات والتحقيقات الصحفية المتوافرة إلى تزايد معدلاته بشكل ملحوظ هو عنف يأخذ فى كثير من الأحيان شكل الشغب ويتوازى مع النمط السابق. وقد تنامت حوادث العنف الجنائى التى يمكن تصنيفها تحت مسمى «جرائم الطلبة» تزايداً ملحوظاً على مدار السنوات الأخيرة.
وقد رصدت بعض جمعيات المجتمع المدنى العديد من جوانب خطورة ظاهرة العنف الطلابي، حيث حذر تقرير ملتقى الحوار للتنمية الصادر فى سبتمبر 2006، من تدهور حال العملية التعليمية وخاصة فى التعليم قبل الجامعى وتحول المدارس إلى ساحات للاقتتال وممارسة العنف بدلاً من القيام بدورها الطبيعى تعليميًا وأخلاقيًا. واعتبر التقرير أن ظاهرة العنف داخل المدارس أصبحت تعتبر أحد أهم معوقات تطوير المنظومة التعليمية فى مصر وتنبئ كذلك عن غياب قيم التسامح وقبول واحترام الأخر داخل المدارس. وعرض التقرير لعدد (52) حالة عنف قام الملتقى بتوثيقها داخل المدارس ب 13 محافظة. وجاءت حالات العنف التى تم رصدها وتوثيقها كالآتى: (8) حالات عنف ارتكبها الطلبة بحق مدرسيهم، (5) حالات عنف متبادل بين الطلبة، (8) حالات عنف من أولياء الأمور بحق المدرسين (8) حالات عنف متبادل بين المدرسين داخل المدارس، (21) حالة عنف من المدرسين ضد الطلبة.
والنماذج كثيرة وصارخة. ففى إحدى المدارس الثانوية الصناعية للبنات قامت إحدى السيدات بضرب المدرسة «بالشبشب» لأنها تجرأت وعاقبت ابنتها. مدرسة تلقى ماء النار على مديرة المدرسة، ومدرسان يضربان زميلة لهما.
ومن أشكال العنف بين التلاميذ ما يعرف بظاهرة التنمر BULLYING، وهى تعبر عن مجموعة من التصرفات والأفعال التى يمارسها فئة من الطلاب أو الطالبات بشكل منظم تجاه طالب أو طالبة معهم فى الصف أو فى المدرسة. وقد يأخذ التنمر شكل الإقصاء أو الإهمال، حيث ترفض مجموعة الرفاق فى الصف أن تتحدث مع طفل ما وتقوم بعزله ورفضه، يتم تهديده بالضرب إذا اشتكى لأحد، وفى أحيان كثيرة يتم ضربه بالفعل. إنها لظاهرة خطيرة ومنتشرة فى دول عديدة، منها، حسب تقارير إخبارية، اليابان، التى انتحر فيها سبعة أطفال فى إحدى السنوات بسبب مضايقة زملائهم فى المدرسة لهم. إن العنف بين الأطفال المسمى بالتنمر منتشر كثيرا بين الأطفال ويحدث فى معظم المدارس حول العالم. والبحوث الأخيرة فى بريطانيا وجدت أنه يحدث فى 25% فى المدارس الابتدائية و10% فى المدارس الثانوية. وعلى هذا الأساس فى كل مدرسة من مدارس بريطانيا يوجد ما يسمى anti-bullying program أى برنامج خاص هدفه محاربة هذه الظاهرة. مع الأخذ فى الاعتبار أن العقوبات قد لا تكون فى حال تم فعل التنمر لأنه يقع بعيداً عن أنظار المعلمين والمشرفين.
ويلاحظ أن العنف المستشرى فى مدارس مصر المحروسة أصبح ظاهرة مقلقة وكابوس يهدد العملية التعليمية نتيجة لاختلال العلاقة بين التلاميذ والمعلم والعنف فى المدارس وغالبا ما يكون عنفاً من جانب التلاميذ ضد المعلم، ألقى بظلال كثيفة من الاستعجاب والحسرة على الأيام الخوالى حين كان للمعلم مهابة ومكانة بين قلوب التلاميذ وأولياء أمورهم لا تدانيها مكانة، وذلك بسبب تبنيهم للتوجيه النبوي"خيركم من تعلم العلم وعلمه". وهناك من يطالب الآن بتشريع لحماية المعلم من بطش وبلطجة بعض التلاميذ والطلاب. ولا شك أن جزءاً من المسئولية يقع على عاتق المعلمين الذين تخلوا عن دورهم وأصبح شغلهم الشاغل تسول الدروس الخصوصية التى شغلتهم عن دورهم التعليمى والتربوى فى المدرسة وهو ما أفقد المعلم هيبته ومكانته وجعل المدرس أجيراً لا يستحق أى احترام غير أجرته التى يتقاضاها نظير أداء عمله التدريسى الخالى تماما من أى نواح تربوية، بل على العكس أصبح قدوة سيئة لجيل الشباب. أما التلاميذ فقد أصبحوا الطرف القوى فى المعادلة حيث جعلتهم القوانين الحالية فوق المساءلة ولا يجوز عقابهم أو توجيه مجرد اللوم إليهم وإلا فالفصل والجزاءات أهون وأيسر العواقب.
ويلاحظ أن التغير اجتماعى واهتزاز النظام القيمى فى المجتمع يؤدى لإحباط شامل يتملك التلميذ والمدرس والأسرة. فالمدرس لا يقوم بواجبه كما يجب وصورته كقدوة اهتزت وفقد الاحترام فى عيون الطلبة مما يدفعه إلى محاولة إثبات وجوده بالعنف النفسى أو البدنى لعله يجبرهم على الاحترام. هذا إلى جانب اختفاء الأنشطة الترفيهية فى المدارس التى كانت تجعل المدرسين والطلبة كأسرة واحدة وتفرغ طاقات الطلبة فى ممارسة الرياضة أو الحفلات أو غيرها.
وتشير دراسات الطب النفسى إلى أن ظاهرة عنف الطلبة تقع تحت بند (الاضطراب السلوكي) والذى يحتمل عدة أوجه أولها انتهاك حقوق الآخرين بسبب وجود سلوك مضاد تجاه المجتمع والمرافق العامة وأفراده ويمكن تمييز هذا السلوك لدى الطلبة بين سن السابعة والحادية عشرة ومنتصف مرحلة المراهقة. وهناك أيضا السلوك العدوانى ويشمل النشاط العدوانى بالضرب أو حتى يقتصر على العنف اللفظى، أما النوع الثالث نحو التقلبات المزاجية ويمكن تشبيهها بالانفجاريات العنيفة من الغضب وتكثر بين الأطفال الصغار وتؤدى إلى انتهاج السخرية والاستهزاء بالآخرين، أو ممارسة العنف تجاههم. وتؤدى هذه الاضطرابات السلوكية عادةً إلى التأخر الدراسي، وقد تدفع للخروج عن القانون وإلى الإصابات الجسمانية الناتجة عن الشجار وزرع الأحقاد والسقوط فى الانحرافات.
وتشير الدراسات الاجتماعية إلى أن ظاهرة العنف بين الطلاب لا تنبعث من فراغ بل إن هناك الكثير من الأسباب النفسية والاجتماعية التى تغذى هذه الظاهرة. حيث أكدت دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى تنامى الميول العدوانية بين الطلبة التى ارتفعت إلى نحو 33 % من بين من يشاهدون القنوات الفضائية ونحو 30% من بين من لا يشاهدون القنوات الفضائية. وذلك بسبب مشاهدة المواد الإعلامية المتضمنة لأفعال ومظاهر العنف إلى جانب وجود عوامل أخرى أسرية وبيئية مؤثرة فى السلوك مثل أساليب التنشئة الوالدية الصارمة للأبناء، وتنامى دوافع الغيرة والكراهية والرغبة فى الانتقام لدى الطلبة. كذلك فإن بعض الأهل يمارسون العنف والضغط تجاه أبنائهم، بما يعزز من شعور العنف لديهم فيقومون بتفريغ الشحنات العدوانية والغضب فى أعماقهم من خلال المشاحنات والمشاجرات مع زملائهم الطلبة. كما إن بعض البرامج التلفزيونية العنيفة قد تساعد على زيادة السلوك العنيف وقد تصور مظاهر العنف كأعمال بطولية ورجولية من خلال تبنى الشللية والعصابات. فضلا عن أن نقص الوازع الدينى قد يقلل من قيمة وصايا الشريعة الإسلامية السمحاء بضرورة التآخى والتكافل والترابط بين أفراد المجتمع.
وإلى جانب هذه الأسباب يمكن أن نشير إلى ظاهرة ضعف وغياب دور المدارس فى التربية السياسية التى تقوم بتعليم وتدريب الطلبة على أساليب حل الخلافات والتفاوض وإدارة العلاقة بين المختلفين أياً كان سبب اختلافهم وتعلم أساليب الانتخاب الحر والنزيه لممثليهم. ويلاحظ أنه عادة ما يتم التركيز على تعليم الشباب أسماء الوزراء والحكم المحلى خصوصاً لأعضاء الاتحاد الطلابية، مع التركيز على قراءة بعض الصحف الحكومية.
- العنف السياسى الطلابى
تميل ثقافة الطلبة والشباب بطبيعتها - باعتبارها ثقافة فرعية - إلى تجميعهم فى تجمعات غير رسمية خاصة بهم، مثل جماعات الأقران وشلل الأصدقاء، وقد تأخذ شكلا رسميا معترفا به كالمعسكرات الكشفية والجوالة ونوادى الشباب، وقد تميل ثقافة الشباب فى بعض الأحيان إلى تنظيم الشباب فى منظمات سرية أو معادية للنظام. وعلى الرغم من الفكرة المبدئية عن رغبة الشباب فى المشاركة فقد تجلت ظواهر عزوف الشباب عن المشاركة السياسية فى العديد من الصور والمؤشرات، وإذا كان الطلاب عازفين عن المشاركة فى الانتخابات الطلابية فإن الشباب بصفة عامة أكثر عزوفا عن أنماط المشاركة المتعلقة بالأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، مع مشاركة محدودة فى التنظيمات الإسلامية، وتؤدى هذه الظواهر إلى أزمة شبابية عامة تلقى بظلالها الكئيبة على مشاركة الشباب فى الحياة السياسية. وإذا كان الشباب عازفا عن المشاركة فى الانتخابات، فإن القضايا المتعلقة بالشأن العام، الوطنية والمحلية، لا تنال حظها المشروع من اهتماماته.
ويمكن أن نلاحظ على مشاركة الشباب وإطلالاتهم العامة إما أنها شديدة الجماهيرية والعفوية، كمشهدهم فى مباريات كرة القدم أو فى الحفلات الغنائية، وإما أنها شديدة النخبوبة تعتمد على التفوق والموهبة فى مجال ما، وبين هذين الحدين نجد الشباب جمهرة غير منظمة فى الجامعات أو شللا فى الأحياء. ولدى الشباب اهتمام كبير بالمخيمات والبرلمانات الشبابية التى يجدون فيها الفرصة للانطلاق والتعبير عن أنفسهم، مما يعكس رغبة جامحة فى التفلت وعدم الانتظام يغذيه صراع الأجيال، واحتكار الجيل القديم مواقع القوة والنفوذ فى جميع الهيئات والمؤسسات والجمعيات، والتى يقتصر حضور الشباب فيها على مساحات محددة ومحكومة، وبصورة أقرب إلى السلبية وعدم الفعل، وبالتالى يغيب الشباب عن السياسة وعن القضايا العامة محل الاهتمام المشترك، ويظهرون كأفراد منعزلين أو معزولين، تنفعهم حريتهم فى حياتهم ومشاريعهم الخاصة، ويتعاونون أو يتعاركون فى إطار شلة الأصدقاء.
ويلاحظ أن الطلبة يمثلون العنصر الهام فى أعمال الاحتجاج الجماعى والعنف السياسى فى معظم الدول العربية، ويفسر خبير الحركات الطلابية الدكتور أحمد عبدالله ذلك على ضوء أزمة الانتماء، فوجود أغلبية كاسحة من الشباب منسحبة من المشاركة السياسية والاجتماعية يعد مؤشراً خطيراً من مؤشرات عدم الانتماء الذى لا يكون سليماً إلا إذا كان المواطن معنيا بالشأن العام. فهناك أغلبية منسحبة وأقلية مشاركة، والأخيرة لديها نوع من الانتماء التعويضى إن جاز التعبير، بمعنى أنها ترى الأغلبية غير معنية بالأوضاع ولا تشارك فيها فتحاول هى أن تعوض غياب مشاركة الغالبية فتكون أشكال المشاركة لديها حادة وذات نزعة تطرفية واحتجاجية، لذلك لا يستغرب أن تلجأ بعض فئات الشباب للعنف. فإذا شاركت الغالبية على نطاق واسع ستذوب هذه الأقلية العنيفة وتصبح ضئيلة جدا، وتظل تضمحل حتى تختفى تماما لاختفاء الحاجة للموقف التعويضى. وفى الحقيقة فالانتماء بمثابة طاقة نفسية ضرورية وعلاقة وجدانية تمكن الإنسان من التعامل مع وضع يرفضه، فقوة الانتماء بمثابة الشرط الضرورى والمبدئى لدخول الشباب بقوة فى الحياة السياسية للمجتمع. فالتحدى الأساسى للشباب فى الوقت الراهن يتمثل فى التفاعل مع الوضع الذى يرفضه، وفى نفس الوقت يحتفظ بالقدرة على الرفض، فتظل له إمكانيتا الاستمرار فى الرفض والتعايش مع الواقع الذى يرفضه. ويمكن القول أن السائد بين الشباب ليس حالة اللانتماء كما يرى البعض، وإنما حالة وهن الانتماء، بل إن التمرد والعنف السياسى بين الشباب إنما يجسد انتماء مريضاً، لأنه يعبر عن رغبة فى تغيير الأوضاع العامة، وأى رغبة فى التغيير تعبر عن الانتماء، حيث يكون الشباب قد خرج من ذاته الفردية وأصبح أكثر اهتماماً بالشأن العام. ولذلك قد يكون من الضرورى إتاحة قدر أكبر من الحرية والمشاركة السياسية للشباب لكى يمثل ذلك ضرورة تعويضية إزاء تعثر توفير الحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للشباب.
وعلى الرغم من تراجع العنف السياسى الطلابى الذى كانت تقوم به الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد خلال الثمانينات والتسعينات لصالح العنف الاجتماعى بصفة عامة، فإن بعض مظاهر العنف الاجتماعى مرتبطة ارتباطاً لا ينفصم بالبعد السياسي، فأثناء إضراب السادس من أبريل بالمحلة تزايدت أعداد المتظاهرين بكثافة غير عادية، مع انضمام طلبة المدارس إليهم وجانب من الأهالي. وقد احترقت بعض المدارس خلال أحداث الشغب. وعقد المستشار عبدالمجيد محمود، مؤتمراً صحفياً داخل إحدى المدارس المحترقة، أعلن فيه أنه تم القبض على 157 متهماً، بينهم صبية تقل أعمارهم عن 20عاماً.
وتعتبر انتخابات اتحادات الطلبة فى الجامعات خصوصاً فى جامعة عين شمس مناسبة سنوية لدخول فرق من البلطجية إلى الجامعة والاعتداء على الطلاب. وتشير بعض مصادر المعارضة والصحف المستقلة إلى أن بعضهم من طلبة الاتحادات الرسمية الذين يستفيدون من غض قوى الأمن العين عن نشاطهم، حيث يدخلون الجامعة ويخرجون منه بالأسلحة البيضاء لمواجهة طلبة الإخوان المسلمين وهو ما ترتب عليه عدد كبير من الإصابات والجرحي. وعلى الرغم من تكرار تلك الحوادث لعدة أعوام متتالية فلم تصل التحقيقات إلى نتيجة واضحة تدين أى أحد.
وفى المقابل انشغل الرأى العام بالعرض الذى أداه طلبة الإخوان فى جامعة الأزهر احتجاجاً على شطبهم من الانتخابات الطلابية فى نهاية عام 2006، وهو ما حدث تفاوت كبير فى توصيفه بين توصيف الحكومة بأنه «عرض عسكري» و«ميليشيا طلبة الإخوان» وما دعاه الإخوان أنفسهم بأنه «عرض رياضى». وما أطلق عليه آخرون «استعراضاً للفنون القتالية» مثل الكاراتيه والكونج فو. وعلى الرغم من الضجة التى أثارها الحدث وما ترتب عليه من محاكمات عسكرية إلا أن القضاء لم يدن أياً من الطلاب المشاركين فيه. ويمكن فهم ما حدث فى جامعة الأزهر على أساس أن الواقع الذى يحياه المجتمع الجامعى بشكل عام والبيئة السائدة داخل جامعة الأزهر بشكل خاص، كانت السبب الأول فى الأزمة. وتشهد الجامعات المصرية شطب آلاف الطلاب من قوائم المرشحين للانتخابات سنوياً، وتم فتح الباب للبلطجية لاقتحام الجامعات لمواجهة طلاب الاتحاد الموازي، الذين سبق أن شطبتهم من قوائم الترشيح للاتحاد الرسمي. وكانت فكرة الاتحاد الحر أو الموازى والتى أتاحت تمثيلاً طلابيا لا تسيطر عليه إدارة الجامعة، كانت فى نظر البعض بمثابة طوق الحرية، ولكن يبدو أنها كانت بداية جديدة لمشكلات من نوع آخر.
لقد استخدم الطلاب الكثير من الطرق الممكنة لجذب وسائل الإعلام لعرض مشاكلهم، ولجأوا للمسئولين وإدارات الجامعات دون جدوى، حتى وصل بهم الأمر لرفع الدعاوى القضائية ضد رؤساء الجامعات لتعسفها ضدهم. وقد أقرت محكمة القضاء الإدارى حق الطالب فى إقامة دعوى ضد إدارة الجامعة حتى إذا لم يكن قد بلغ السن القانونية بسب ظاهرة الشطب التى تطول الطلاب المرشحين للانتخابات أو الذين تم توقيع عقوبات تأديبية عليهم (الأهرام 9- 12- 2002). وفى تحقيق أجرته الأهرام بتاريخ 19- 12- 2006 من خلال استطلاع آراء الطلبة حول أزمة جامعة الأزهر خلص معدو التحقيق أن «كل الأحاديث والتعليقات أشارت إلى أن كل ما يحدث هو نتيجة لغياب دور الجامعة وإدارتها ومعاملة موظفيها للطلاب بغلظة».
وإذا كان الاستعراض الذى قام به طلاب الإخوان، قد مثّل لكل من أدانوه أو اعتذروا عنه. مؤشراً لما يتوجس منه البعض من عنف محتمل فى الجامعات المصرية، فلا شك أن نفس تلك الجامعات تشهد يومياً ومنذ سنوات طويلة مظاهر لا حصر لها لعنف يقع بالفعل وليس مجرد احتمال يخشى منه. ويلاحظ أن العنف يتنامى فى جنبات الجامعات بما فيها عنف البلطجية فى جامعة عين شمس، وعنف قوات الأمن المدججة بالسلاح ضد أى تحرك طلابى سلمى للاحتجاج فى حرم الجامعات وحولها. وعنف بعض الطلبة، فضلاً عن المظاهر الأخطر للعنف المجتمعى المتسع حسب جميع التقارير الأمنية والدراسات المتخصصة والملاحظات العينية المباشرة لكل المصريين، تشير كلها إلى الحجم الأكبر والمدى الأخطر الذى باتت قضية العنف الاجتماعى العام تمثله.
سقف العنف السياسى المنضبط فى المظاهرات الطلابية
وتشهد بعض المظاهرات بعض العنف ومن ذلك مظاهرة كوسوفو 1999 التى كان العنف فيها شديداً حيث تصدى لها الأمن بقوة، حيث تم ضرب طلبة الطب والهندسة الذين حاولوا دخول الجامعة، وحاولت المظاهرة من الداخل الخروج لمساندتهم. ويشير إسلام لطفى أحد نشطاء الطلبة من جيل التسعينات إلى أن العنف من قبل الأمن يحدث عندما يقوم ضابط من المباحث الجنائية أو المطافى بالاستفزاز والتصدى للطلبة، ولا يستوعب فكرة التفاوض بين الطلبة وحرس الجامعة، وأحياناً تكون هناك قرارات سيادية بعدم السماح بخروج الطلبة فى مظاهرة وإلا تعرضوا للقمع. ويشير أحمد الجعلى رئيس اتحاد الطلاب الحر إلى أن ما يرتبط ببعض المظاهرات من كسر باب جامعة القاهرة أثناء المظاهرة يكون من أجل إدخال طلبة كليات الهندسة والطب التى تقع خارج الحرم الجامعي، فالوضع الجغرافى فى جامعة القاهرة وجامعات أخرى، يجعل من الصعب تجمع طلاب كليات من مختلفة فى الحرم دون كسر الباب لإدخالهم خصوصاً إذا منعهم الأمن.
ومن ثم يمكن القول إن الظواهر والمؤشرات السابقة تشير إلى حدوث تحول من العنف السياسى الذى مارسته مجموعات طلابية مرتبطة بجماعات إسلامية تسعى إلى التغيير السياسى إلى العنف الاجتماعي، وهى ظاهرة تمتد آثارها وأبعادها إلى دول عربية أخرى.
لماذا لم تتنبأ العلوم الاجتماعية بالثورات العربية؟
الأجيال السياسية في الأحزاب المصرية - صراع أم تواصل؟
الآراء الواردة فى هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المجلة
8- الثقافة السياسية للتحول الديموقراطى
الحركة الطلابية المعاصرة فى مصر: البنية والتوجهات المستقبلية.
التوجهات السياسية للأجيال الجديدة.
العنف الطلابي فى المدارس والجامعات سياقات الأزمة
التجارب اليبرالية دورات الظهور والانحسار
ظاهرة المستقلين بين الفوضى والحراك السياسي
الأزمة الجيلية في الحركة الطلابية المعاصرة بين قيود الإنقطاع وآفاق التواصل
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.