أصبحت ترجمة الأدب الصينى أمرًا ضروريًا لفهم التجربة الصينية والشخصية الصينية الحديثة، فمستوى حركة الترجمة الآن يستحق الدراسة بعمق ووعي، نظرًا لتأثيرها الكبير وانعكاسها على مستوى التقارب العربى الصينى فى كل المجالات، بما فيها السياسة والاقتصاد. وحول المشكلات التى تواجه ترجمة اللغة الصينية، وطموحاتنا المستقبلية، التقينا د. محسن فرجانى أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة عين شمس. كيف تؤثر حركة الترجمة على الاستفادة من الحضارة والتجربة الصينية؟ لابد من فهم التراث الصينى لفهم دولة الصين الحديثة، كذلك فإنه للدخول فى شراكة وتكامل ومد جسور التواصل اقتصاديا مع الصين، لابد من فهمهم ثقافيا واجتماعيا وأيديولوجيا، وهذا بالأساس هو غرض حركة الترجمة التى تهدف إلى التعرف على ثقافة الآخر وطموحه، حتى يكون التقارب على أسس واضحة ومعلومة، ويضمن استمرارية هذا التقارب، وحتى على المستوى الأمنى لابد من فهم تراث الآخر فحضارته تؤثر فى فكره، والمشتركات بيننا كثيرة، ولابد من استغلالها. كيف ترى اهتمام الدولة بحركة الترجمة خاصة الصينية؟ وهل استفادت مصر أو أى من الدول العربية من حركة الترجمة؟ هناك قصور كبير فى هذا الملف للأسف، فحتى عام 1956 لم تكن هناك علاقات ثقافية بيننا والتراث مطلوب لمعرفة الشخصية الصينية، لذا نجد أن كثيرا من الاتفاقات تجد عقبات لدى المسئولين العرب لأنهم يتحدثون مع من لا يفهمونه، وذلك لغياب الوعى بالحضارة والثقافة والتراث الصيني، ولذا تجد أن كثيرا من الاتفاقات لا تتم ولا تكتمل لهذا السبب، بينما لا نجد هذا فى الجانب الصينى الذى خصص مراكز لدراسات الحضارة العربية، وأنا أدعو إلى إنشاء مراكز متخصصة لدراسة الحضارة الصينية كمطلب لحركة المستقبل، بما يتعدى فكرة دراسة اللغة فقط، فيمكن إنشاء معهد للدراسات الصينية على غرار معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، أو نفعل كما فعل الغرب بإنشاء مراكز متخصصة لدراسة الحضارة الصينية القديمة؛ لأنها مفتاح فهم التجربة الحالية، لذا كانت استفادة الأدب الصينى من الأدب العربى بشكل أكبر من استفادة الأدب العربى من الأدب الصيني، فهناك من يستطيعون النقل من العربية إلى الصينية بشكل متقن، فالصين وصلت إلى الجيل الخامس من المترجمين ونحن لم نؤسس الجيل الأول بعد. من خلال اهتماماتك الكبيرة بالحضارة والتراث الصينى .. ما مظاهر تأثير الحضارة الإسلامية العربية على الحضارة الصينية؟ الحضارة الصينية الزراعية كانت تهتم بالطب والهندسة، وهذا ما جذب الصينيين إلى العرب المسلمين، حيث أبهر العلماء المسلمون الصينيين فى بداية انتشار الإسلام من خلال تفوقهم فى هذه المجالات، فأول تقويم زراعى متكامل وأول خريطة فلكية متطورة، وأيضا أول خريطة جغرافية متكاملة لإقليم الصين وضعها المسلمون، لذا أقبل الصينيون على الإسلام لما كان المسلمون متقدمين فى العلوم التجريبية التى تمس الحياة الزراعية والفلكية فى الصين. والجانب الصينى أدرك أهمية الوطن العربى لذا نجد أن عدد الكتب المترجمة من الأدب العربى للصين أكثر بكثير من الكتب الصينية المترجمة للعربية، ووصل عدد الكتب الأدبية العربية المترجمة من مختلف الأقطار إلى أكثر من 280 عملا، ويكفى أن أحد الأدباء العرب له مدرسة شعرية فى الصين، وهو الشاعر جبران خليل جبران الذى تمت ترجمة أشعاره على يد الأديبة الصينية الكبيرة بيغ شين، حيث ترجمت أشعاره من اللغة الإنجليزية إلى الصينية، وأحدث ذلك تأثيرا كبيرافى الشعر والأدب الصيني. ما الذى تحذر منه من خلال رؤيتك لحركة الترجمة واقترابك من التجربة الصينية؟ علينا ألا نتعرف على الصين بعيون غربية وبرؤية مراكز الدراسات الغربية لها، فالغرب يحاول تقديم الصين على أنها دولة لها أطماع، ولا يسمح لها بالوجود إلا وفق الأجندة الغربية، لذا لابد من إقامة منتديات عربية صينية وحوارات وتبادلات ثقافية وسياسية، وأن ننفتح على الصين اقتصاديا وثقافيا، خاصة أن الطرف الثانى يحتاج إلينا، وأن لدينا مقومات جذب مثل الأزهر ومدارس اللغة العربية، والموقع المتميز وأسواق التجارة وثروات معدنية وشراكات مستقبلية متعددة، فمصر بوابة إفريقيا أمام الصين. ما دور الشعوب العربية فى إحداث تقارب مع الحضارة الصينية؟ مطلوب من الشعوب والقيادات الثقافية أن يعوضوا الحرمان التاريخى من الحضارة الصينية، خاصة أن العلاقات المصرية الصينية فى تقارب الآن، والصين دولة تعرف قدر مصر السياسي، لكن من حيث الدور الثقافى فالأمر يحتاج إلى بذل مزيد من الجهود، ومزيد من المنح الدراسية التبادلية، وعلى وزارة التربية والتعليم أن تعيد البعثات التعليمية مع الصين، فقد تراجع هذا الدور كثيرا، ومعه تراجع المستوى الثقافى التبادلى بين البلدين. هل توجد ظواهر لغوية فى اللغة الصينية مثل ظاهرة الإعراب أو اللهجات فى اللغة العربية؟ الظواهر اللغوية كثيرة لكن تختلف من لغة لأخري، وأول ظاهرة نجدها فى اللغة الصينية هى غياب الحروف الألف بائية، كما نجد أن أواخر الكلمات لا تتغير بتغير الموقع، فتجاور الكلمات فى اللغة الصينية ليس له تأثير على شكل الكلمة أو معناها، عكس ظاهرة الإعراب التى تظهر فى اللغة العربية. أما ظاهرة اللهجات فتوجد فى اللغة الصينية المنطوقة فقط، وذلك لتعدد الأقاليم والأعراق فى المجتمع الصيني، ومعظمها أقاليم ريفية تقوم على الزراعة،وهى قوميات بعضها ليس له لغة مكتوبة، فهذا يمثل مشكلة ليس لها حل داخل المجتمع الصيني، ولكل إقليم لهجته الخاصة به بل ولغته، أما المدن الكبيرة فلها لهجتها الخاصة بها، بل إن ابن مدن الجنوب الصينى يجد صعوبة فى فهم لهجة الأقاليم الشمالية. وهل يؤثر ذلك فى حركة الترجمة؟ هذه الظواهر لا تظهر فى اللغة المكتوبة، لثبات أشكال الكتابة ورموزها، وعدم تأثرها بظاهرة الإعراب، لذا لا أجد أى صعوبة فى ترجمة كتاب مكتوب لمؤلف من أقاليم الجنوب مثل إقليم فوجيان، أو من أقاليم الشمال، فلا فارق بين الاثنين فى لغة الترجمة.