سنظل نفخر دائما بأن مصر صاحبة أول جيش نظامى فى العالم، أسسه الملك مينا عام 3200 ق م، بعد أن قام بتوحيد القطرين (الشمال والجنوب) فى دولة مصرية واحدة، وعمل المصريون القدماء على تحديث هذا الجيش بشكل مستمر وتزويده بأحدث المعدات الحربية، ومازالت بعض الخطط الحربية المصرية القديمة تُدرس فى أكاديميات العالم العسكرية. وعلى خطى الأجداد العظام يسير الأحفاد، لتنظم مصر لأول مرة معرض إيديكس 2018 للصناعات الدفاعية والعسكرية برعاية واهتمام خاصين من الرئيس عبد الفتاح السيسى، وحضور لافت للنظر من وزراء الدفاع ورؤساء الأركان من مختلف دول العالم. والحقيقة أن إيديكس 2018 لم يكن مجرد معرض لنوع معين من الصناعات المهمة، وإنما حدث قومى كبير تضافرت فيه جهود كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة، وحقق نتائج مهمة ووصلت رسائله إلى مختلف دول العالم. ومن أبرز تلك الرسائل أن مصر دخلت بقوة فى مجال تجارة الأسلحة الدفاعية والتكنولوجيا الأمنية على مستوى العالم، كجزء من جهود مصر فى مكافحة الإرهاب ومنع المخاطر التى تهدد أمن الدول، فمصر أصبحت لديها خبرة كبيرة فى التعامل مع الجماعات الإرهابية، ودفعت ثمنا باهظا من دماء الشهداء فى مواجهة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وانعكس ذلك فى حرصها على عرض أحدث المعدات والحلول التقنية التى تدعم التسليح ضد الإرهاب. كما أن نجاح مصر فى إقامة المعرض بهذا الشكل الضخم، وعدد الزائرين الكبير من مختلف أنحاء العالم، يثبت بلا أى مجال للشك مدى تمتع البلاد بالأمن والأمان والاستقرار، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تدفق الاستثمار الأجنبى من الخارج، فحركة رءوس الأموال حذرة للغاية من أى مخاطر، ولا تنتقل إلا للدول المستقرة مهما تكن المغريات. إلى جانب انعكاس ذلك أيضا على تدفق السياح، فإذا كانت بعض وسائل الإعلام الأجنبية المغرضة تستغل بعض الأحداث العارضة فى إشاعة التردد والخوف بين السياح الراغبين فى زيارة مصر، وذلك لمصلحة أسواق سياحية أخرى فى المنطقة، فإن تنظيم إيديكس 2018 بهذا الشكل بعث برسالة اطمئنان لشركات السياحة العالمية وكل الراغبين فى التمتع بشمس مصر الدافئة وشواطئها الخلابة وآثارها الفريدة. وإذا كان هذا المعرض يؤكد بشكل مباشر قوة مصر واستقرارها ومكانتها، فإنه يرسى أيضا قيمة مهمة للإنسانية جمعاء ظهرت من خلال تصريحات عديد من المسئولين المصريين خلال المعرض، وهى أن الاهتمام بصنع السلاح والتحديث المستمر للجيش المصرى هدفه الدفاع عن الأرض والعرض والشعب، وحفظ السلام وحماية الاستقرار، وتوفير المناخ المناسب لعمليات التنمية، وليس من أجل شن الحروب وتهديد الغير والإخلال بالسلم والأمن العالميين. الرسائل كثيرة، لكن أهمها من وجهة نظرى هى تلك الموجهة لشباب مصر، الذى أعتبره درة تاج الوطن، فقبيل المعرض تشرفت بتكليفى من وزارة الدفاع بصفتى رئيسا للجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة، باختيار وتدريب وقيادة مجموعة من الشباب والفتيات ممن يجيدون اللغات الأجنبية المختلفة للمشاركة فى أعمال تنظيم المعرض. وقمت باختيار 60 شابا وفتاة، بينهم طلاب بالجامعات وخريجون وعاملون فى مختلف مؤسسات القطاع الحكومى الخاص، يجيدون التحدث والكتابة بتسع لغات هى الإنجليزية، الفرنسية، الصينية، الأسبانية، الإيطالية، الكورية، اليونانية، الألمانية، والروسية، ويتمتعون بخبرات تنظيمية اكتسبوها من خلال مشاركتهم فى تنظيم العديد من الأحداث القومية على مدى السنوات الماضية. ومع انطلاق فعاليات إيديكس 2018، قام الشباب بالعديد من المهام على مدى 3 أيام عمل متواصلة من الصباح الباكر إلى المساء، منها استقبال السيد رئيس الجمهورية لافتتاح المعرض، ووزراء الدفاع وضيوف المعرض المشاركين من مختلف دول العالم، وتوجيهم إلى الأماكن المخصصة لهم، والقيام بالترجمة الفورية للزوار الأجانب، ومرافقة بعض القادة العسكريين المشاركين من مختلف الدول خلال زيارتهم المعرض. وتقديرا من القوات المسلحة لهذا الجهد، فقد وجه الفريق أول محمد أحمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى،بتكريم هؤلاء الشباب، تقديرا لجهودهم وحرصهم على إنجاح المعرض بما يليق بصورة مصر بين دول العالم. كما تفضل الفريق محمد فريد حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، بتكريمى وفريق العمل من الشباب. ومن قلب هذا الحدث استطيع أن أجزم أن شباب مصر استوعب الرسائل المهمة التى ظهرت له من خلال هذا المعرض، فقد رأى بعينيه الجهود المكثفة التى تقوم بها أجهزة الدولة كافة من أجل المستقبل القريب والذى سيحصد الشباب نتائجه ويجنون ثماره، وما عليهم الآن سوى العمل بكد واجتهاد والصبر والتحمل لاجتياز مرحلة البناء والتنمية وصولا لهذا المستقبل المشرق. كما تأكد لهم أن لمصر جيشا قويا يحميها، ويؤمن لهم الحاضر والمستقبل، ويتحسب لجميع الاحتمالات، ويمتلك القدرة على التعامل مع جميع المتغيرات، فقد ظهر من خلال هذا المعرض كيف نجحت مصر فى تنويع مصادر السلاح بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، فعقب ثورة 30 يونيو ضد حكم جماعة الإخوان الإرهابية، جمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعض صفقات السلاح الخاصة بالجيش المصرى رغم أنه كان يخوض معارك شرسة ضد الإرهاب، وجاء رد الفعل المصرى سريعا بالتوسع فى إستراتيجية تنويع مصادر السلاح، حتى لا يتحكم أحد فى إرادة المصريين. لقد شعر الشباب المصرى كله بالفخر وهو يرى أنظار العالم تتجه إلى بلده، والدول تتسابق للتعاون مع قواته المسلحة، واكتسب الشباب المشارك فى تنظيم المعرض خبرات مهمة منها كيفية التعامل مع الشخصيات العامة وتطوير مهارات التواصل، والثقة بالنفس لتمثيل مصر بالشكل اللائق والعمل بروح الفريق، والتعاون من أجل هدف واحد هو إنجاح الحدث، والإيمان دون شك بأن مصر بها طاقات هائلة من الشباب قادرة على التحدى والنجاح. وهو ما يدعونا إلى تشجيع الشباب على الانخراط فى الأعمال التطوعية للتنظيم أو التدريب لزيادة وتنمية الوعى، واكتساب الخبرات العملية والتأهل لأدوار قيادية للنهوض بالوطن، فى ظل الثقة غير المحدودة التى تمنحها القيادة السياسية لشباب مصر. وستظل القوات المسلحة هى مصنع الرجال، والقلب النابض للدولة المصرية الذى يضخ فى شرايينها دماء الأمل والعمل، وينبض بعشقها، ويستشهد دفاعا عن كل حبة رمل من أرضها. لمزيد من مقالات د. جهاد عامر