مصادفة بدت فريدة ومثيرة في آن، فقبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفنزويلا بيومين ، شن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس هجوما لفظيا شديد القسوة ضد رئيس الأخيرة الذى نعته بالطاغية محملا إياه مسئولية انهيار الحياة المعيشية للملايين من مواطنيه . ولعل السؤال ما الذي يمكن أن يجنيه اردوغان من دولة منهكة اقتصاديا اللهم سعيه الدؤوب للحيلولة دون تمدد استثمارات الداعية الديني فتح الله جولين الذي أصبح عدوه اللدود والتي قد تكون وجدت طريقا لها في العاصمة كاراكاس. وبطبيعة الحال لابد وأن يترك التوجه الاردوغاني نحو ما تصنفهم واشنطن في خانة الأعداء ، تداعيات سلبية ، تضاف إلى أخري على العلاقات التركية الأمريكية والتي تكاد تدخل نفقا ربما لا يرى أى بصيص من الضوء علي المدى المنظور. ففي خلال الكلمة التي ألقاها أمام كتلته البرلمانية قبل أيام وصف أردوغان المقاتلين الذين بقوا على الأراضي السورية بأنهم «عدد صغير من العصابات» المدربة والمجهزة من قبل دول أجنبية كبرى لنشر الفوضى في المنطقة» في إشارة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لا تكتفى بذلك فحسب بل تقدم الدعم السخي لقوات سوريا الديمقراطية وأذرعها وجميعهم إرهابيون من وجهة نظر أنقرة . سبق تلك الكلمة التصريحات التي أدلى بها في إسطنبول قبيل رحلته إلى الأرجنتين، وفيها جدد إصراره على إتمام صفقة أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400، معلنا أنها ستكون جاهزة للتسليم نهاية العام القادم ضاربا عرض الحائط بتلميحات البيت الأبيض بفرض عقوبات. لكن اردوغان الذي بدا «متغطرسا» و«متعاليا» في بيانه عقب ترؤسه آخر اجتماع لمجلس الأمن القومي فوجئ على ما يبدو بإلغاء دونالد ترامب لقاء رسميا كان يفترض أن يتم بينهما على هامش قمة العشرين، في حين لو أعطي لنفسه برهة من الوقت لأدرك أنه رد فعل طبيعي على «عنترياته «التى لا يريد إيقافها، وهكذا ضاعت عليه فرصة تحقيق نصر يظهره أمام مناصريه بأنه أقوى من كل التحديات. لكن ما حدث ما هو إلا بداية لسلسلة من الإجراءات العقابية، فهناك أحاديث في دوائر صنع القرار بالبنتاجون وعدد من المشرعين بالحزبين الجمهوري والديمقراطي بمجلسي النواب الشيوخ تطالب باستبعاد الحليفة التركية سابقا من إنتاج الطائرات المقاتلة الجديدة طراز «إف-35»، يذكر أن تركيا هي الوحيدة، التي تشارك في تصنيع الجزء الأوسط من الطائرة، وأى وقف للمشاركة التركية قد يعطل مشروع إنتاج وتسليم المقاتلات مدة عامين على الأقل، ولا يعتقد أن الأمور سوف تقتصر على ذلك فثمة دعوات بضرورة تعليق إمداد أنقرة من أجزاء مقاتلات «إف-16» ووقف مشاركتها في مشاريع أخرى. في هذا السياق وجه عضو بارز بمجلس الشيوخ إنذارا قويا ونهائيا لتركيا، مشيرا إلى أنه يجب عليها أن تختار بين موسكو والغرب، ونقل موقع بلومبيرج عن رئيس لجنة القوات المسلحة جيمس إنهوف، والذي حل محل الراحل جون مكين أنه قد حان الوقت لأن تقرر أنقرة وتتصرف وفقاً لوضعها كعضو في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وقال أيضا إذا كانت تريد شراء مقاتلاتنا من طراز «إف-35»، فعليها رفض شراء منظومات صواريخ «إس-400» الروسية» ووفقا لبلومبيرج ، فإن الولاياتالمتحدة تخشى من أنه، بعد تسليم منظومة «إس-400» الصاروخية، سيصل خبراء عسكريون روس إلى الأناضول لتدريب الضباط الأتراك على استخدامها، حينها سيكتشفون أسرار «مكافحة الرادار» في قاذفات المقاتلة «إف-35». وقال الخبير العسكري ستيفن زالوجي: «هناك مخاوف من أن يسمح الأتراك للأخصائيين الروس باختبار رادارات «إس 400» ضد «إف 35» التي سيشترونها والهدف هو إبطال خواص مكافحة الرادارفي المقاتلة الأمريكية». المفارقة أن قطاعا من داخل النخبة الحاكمة نفسها دعا إلى توخي الحذر وتجنب وضع بلادهم فى مواجهة هى فى غنى عنها، إلا أن أردوغان، وكما هي عادته دائما وأبدا، آثر أن يفعل العكس إذ أطلق العنان للسانه اللاذع وضغطه على الولاياتالمتحدة في كل مناسبة، أما وسائل إعلامه مرئية أو مقروءة فهي لا تكف على مدى الساعة عن التحريض والسخرية والتشهير ضد أمريكا بسبب نواياها العدوانية ووقوفها وراء محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو 2016.