فى بداية الأسبوع الماضى انطلقت الدورة الرابعة لمنتدى دندرة الاقتصادي، الذى يقيمه مركز دندرة التنموى بشكل سنوي، فى أعماق الصعيد بقرية دندرة بمحافظة قنا. عنوان هذه الدورة كان عن أخلاقيات العمل، حيث شارك فى أعمال منتدى أكثر من 6 آلاف شخص، من الشباب والسيدات والرجال، وضم الحضور كل فئات المجتمع من مسلمين وأقباط وأساتذة جامعات وقيادات حزبية ونواب برلمان ومواطنين عاديين وعمد ومشايخ. وحرى بنا قبل تناول أنشطة وفاعليات المنتدى المتعددة والمتنوعة، أن نلتفت إلى الرؤية التى يقوم عليها مركز دندرة التنموى وتوأمه المتمثل فى مركز دندرة الثقافي، والنهج الذى يتبعانه فى عملهما. حيث أصبحت أنشطة منتديات دندرة مناسبة سنوية عامرة بالبهجة ومفعمة بالأمل، وتلقى الاحتفاء من مجتمعها المحلى والدوائر المحيطة به، عبر تفاعل ايجابى بناء بين فئات مختلفة ومتعددة، عز أن تلتقى أو تجتمع إلا فى منتديات دندرة، تفاعل لا يقوم على ادوار وأشكال نمطية تتخذ شكل الفاعل من ناحية والمتلقى على الناحية الأخرى.. بل يقوم على علاقة تفاعل تستصحب التمازج والشراكة . تنطلق رؤية مراكز دندرة، كما ترد فى منشوراتها وأدبياتها، من محورية البناء الانسانى، لتحقيق التنمية الاقتصادية المستديمة، وأن بناء الإنسان وتنمية قدراته ، عملية ملحة وضرورية لإحداث تنمية حقيقية ومستديمة.. ويرد فى هذه الرؤية أيضا: أن الإنسان هو مادة التنمية وموضوعها كمحرك للنهضة الاقتصادية.. وهكذا فالرؤية تنطلق من الإنسان وتعود إليه فى نهاية المطاف. وخير دليل على فاعلية ونجاح النهج الذى تقدمه منتديات دندرة ، والذى يقوم على الاشتباك مع الواقع المحلى، وتفعيل طاقاته، انه مع بلوغ المنتدى دورته الرابعة، أصبح ملاحظا ان تنظيم وتقديم وإدارة معظم أنشطة وفاعليات المنتدى، تتم على أيدى هؤلاء الشباب من أبناء هذا المجتمع المحلى، الذين ما إن أتيحت لهم فرصة للتدريب، ونافذة للإسهام، ومجال رحب محتضن للتعبير عن طاقاتهم، حتى أفصحوا عن قدرات هائلة، وتحولوا فى زمن وجيز، إلى قادة فى مجتمعاتهم المحلية، يضربون مثالا عمليا للقدرة على النجاح ، وعلى التحول الى العمل الايجابي، المنتج والبناء. وأصبحوا نموذجا لغيرهم ومثالا وشاهدا على أن هناك عملا جادا ومثمرا يتم فى هذه البقاع المهمشة والبعيدة عن الاهتمام والتفاعل.. وأن مبادرة منتديات دندرة، تحقق نتائج مذهلة ونجاحا غير مسبوق، لأنها تحمل فى داخلها الوصفة الصحيحة، لانطلاق مجتمعاتنا التى تعانى التهميش وفقدان الأمل.. لكى تجد هذه المجتمعات نفسها وتحقق ذاتها، دون أن تظل منتظرة دعما ومؤازرة من جهة ما. وهكذا فإن قيمة وأهمية ما تقدمه منتديات دندرة، تتجلى فى إدراكنا جميعا، أن الفكر إذا صاحبته الإرادة، وانطلق عبر مبادرات تمتلك الدافعية للتغيير، يكون قادرا على تغيير المجتمع، وقادرا على إيقاظ وعى الإنسان واستعادته من استمرار دورانه فى دائرة مغلقة من الإحباط والمشكلات، لكى تأخذ بيده إلى تعامل مختلف مع هذا الواقع متطلعا إلى المستقبل .. لخلق أجيال شابة ترفع رايات الأمل والعمل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أعمال منتديات دندرة لا تنهض بنشاط أحادى البعد، بل تنطلق فى شكل حزمة واسعة ومتعددة لنشاطات مكثفة، فهى تشمل الجلسات الحوارية، وورش العمل، وملتقى الشركات البادئة( الذى يسعى لتوفير جسر وحاضنة بين أصحاب المشروعات الصغيرة والبادئة وأسواق الاستثمار والتسويق )، ومعارض الحرف التراثية، والفنون، والكتب، ومهرجانات لعبة العصا ، والفروسية .. وكل ذلك دون انفصال عن الواقع أو تعال عليه، بل عبر عملية تواصل مستمرة، حيث لا تنقطع الانشطة بل تتواصل طوال العام عبر أشكال متعددة، تتضمن التدريب والتعليم المستمر، من خلال الأفرع المنتشرة لمراكز دندرة فى مختلف الأرجاء .. هذا الجهد كله ينصب فى اتجاه شق مسارات جديدة للطاقات الكامنة، لكى تعمل فى خدمة الإنسان، ورفعة المجتمع، وسلامه وتعايشه، بديلا عن حالات الاحتقان أو السلوك بالشباب مسالك وعرة وغير منتجة من التطرف، أيا كان نوعه، تنفيسا عن إحباط أو تعبيرا عن احتجاج.. الأمر الذى يلحق الضرر والأذى بالفرد ومجتمعه وكل الدوائر المحيطة به، وبالوطن ككل. وبهذا يمكن القول إن تجربة منتديات دندرة، التى تتم فى رحاب الأسرة الدندراوية وبرعاية الأمير هاشم الدندراوى، تعيد للعمل الاهلى والمجتمعى اعتباره، وتوضح وتثبت ان العمل الاهلى إذا أحسنت صياغته، وتوجيهه، من الممكن ان يمثل إحدى الروافع الأساسية لنهضة الاوطان، وان يكون عونا وسندا ودعما للدولة وليس عبئا عليها. لمزيد من مقالات هانى رسلان