لا يسعك إلا أن تتوقف أمام تجربة قرية دندرة، القابعة بمحافظة قنا وأن تطرح السؤال حول المدى الذى يمكن أن تستفيد منه مصر كلها من تجربة تنموية بامتياز، تجربة تصدرها لنا قرية صعيدية امتلأت صفحات صحف العاصمة بأخبارها قبل أيام بمناسبة إقامة موسمها الثقافى الثالث. وكان محوره المختار هو القراءة. نعم دندرة قرية فى قنا لها موسم ثقافى تقيمه بجهودها الذاتية، ولا علاقة له بأى مؤازرة حكومية، بل وتدعو له كتابا وشعراء من العاصمة. وهذا المؤتمر أو الموسم الثقافى صار له موعد شبه ثابت منذ أعوام، وأواخر إبريل الماضى كانت دورته الثالثة. لم أتشرف بحضور موسم دندرة الثقافي، وإن كنت أتمني، لكن توقفت أمام ما نشر عنه، وتحول مجرد التوقف إلى بحث وشبه استقصاء، لأكتشف أن الموضوع فى دندرة ليس مجرد فعالية ثقافية سنوية تقام، لكن هذه الفعالية جزء من تجربة أوسع أو صيغة «دندراوية» فى التنمية المستديمة وبجهود شبه أهلية تماما، وظفت الطبيعة الروحية والثقافية «للأسرة الدندراوية» من اجل أن تمتد مظلة تنموية على الجميع . دندرة القابعة فى قنا تتعاون بفضل مظلتها الخاصة فى مشروعات تنموية تخص التدريب وإعادة تأهيل الشباب والتوظيف مع عدة جهات، منها الجامعة الأمريكية والأمم المتحدة ومايكروسوفت، بل إن للأسرة الدندراوية عدة مراكز ثقافية موزعة على الدلتا والقاهرة، ولا حاجة للسؤال والجرى وراء الحكومة.. دندرة القرية القناوية، قلب قلب الصعيد، عرفت كيف تحول البعد الروحى الذى تتسم به، من خلال البذرة الممتدة لجدها الكبير وشيخها، ومؤسس أسرتها الدندراوية «سيدى محمد الدندراوي». وهو سلسال كريم قدم من المغرب العربى ويعود إلى سبط الإمام الحسن بن على بن ابى طالب، إلى حافز للنهوض ورباط. وكما أشرت من قبل، مظلة خير تتساقط ثمارها على كل أبناء دندرة مهما كان انتماؤهم الاجتماعى أو معتقدهم الروحي. هناك أبعاد ثقافية بالمعنى الواسع لكلمة الثقافة، أحسن استثمارها بإخلاص ووعى من كبار أو أمراء الأسرة الدندراوية، وكانت المحصلة نموذجا فى التنمية المستديمة القائمة على جذر يمكن القول انه صنع دندرة القناوية، نموذج من الوعى الجامع للحسنيين، لدى ما يمكن القول أنهم كبار الأسرة الدندراوية أو أمراء الأسرة كما المصطلح أو العرف الذى تواكب وإنشاء أو تكوين هذا الجمع الإنسانى «الأسرة الدندراوية» أخريات القرن التاسع عشر والتى قامت على مجموعة من المبادئ أو الأبعاد الإسلامية الشفافة والساعية للخير الإنسانى كى يعم على الجميع، واستمرت الأسرة الدندراوية وفية لجذور منشأها ومنشئها، وطوعت الأبعاد الروحية فى تجربة حية لتحقيق المعادلة بين الدين والدنيا أو لنقل إنها أدركت العباءة الكريمة الصافية والخالصة من كل غرض، غير كون الدين إنما جوهره نبل وعدل ورحمة تسع البشر أجمعين وإن تباينت معتقداتهم. لذا حين وقف الأمير هاشم الدندراوى فى مفتتح الدورة الثالثة أو الموسم الثقافى الثالث لدندرة، والتى كانت تيمتها الأساسية القراءة، كمرادف لحرية الإنسان وانعتاقه وسموه، جاء خطابه دالا على الوعى بما يجرى من قلاقل ومنغصات، تقلقل الصفو المجتمعى ما بين أبناء المجتمع الواحد من مسلمين ومسيحيين. لو تأملت التغطية المتاحة إعلاميا لما جرى فى دندرة، ولو تقصيت عن معنى صور الأطفال الدندراوية الجالسين فوق المقاعد الصغيرة وموائدهم الملونة فى ورش الرسم والأشغال الفنية، و لو أمعنت التأمل فى الشراكات الذكية بين دندرة القناوية وعديد من الجهات لأجل افضل استثمار لشبابها، لو فعلت ذلك، لن تنجو من السؤال: لماذا تنجح دندرة فى ما تفشل فيه الحكومات، المتتالية عبر أجهزتها، سواء المحليات أو الثقافة أو غيرهما ؟ اعتقد والله اعلم أن فكرة الإخلاص محور أساسى لتجربة دندرة التنموية التى اهديها إلى الوزير هشام الشريف وزير التنمية المحلية، لتكون نموذجا فى الاستفادة من الأبعاد المميزة لكل جزء أو محافظة فى الوطن، وكيفية التعظيم والاستفادة من الخصوصية الثقافية. وبالمناسبة كل التجربة الدندراوية تقوم على العمل التطوعي، وهنا يأتى السؤال الأهم حول دور القيادة الروحية، سواء كان الأمر فى سياق الأسر أو القبائل أو غيرهما من مكونات البنية المحلية فى استخراج طاقات الناس ليخدموا موطنهم بمنتهى الحب والطواعية. هناك الكثير مما يمكن أن تعلمه لنا دندرة القناوية فى تجربتها التنموية الواعية بامتياز . لمزيد من مقالات ماجدة الجندى