تمثل الحضارة والثقافة إضافة للتاريخ والجغرافيا أهم القواسم المشتركة بين مصر وإفريقيا، فالقارة السمراء تعتبر إحدى الساحات الأساسية للسياسة الخارجية المصرية ولمصالحها فى الماضى والحاضر والمستقبل، وترجع العلاقات المصرية مع القارة الإفريقية إلى قدم التاريخ، ولكن تطورت تلك العلاقات فى مساندة مصر لحركات التحرر الإفريقية، التى عاونت قادتها حتى نالت شعوب القارة السمراء استقلالها. وكانت مصر من الدول الرائدة فى العمل الإفريقى المشترك، حيث استضافت أول قمة إفريقية فى القاهرة فى عام 1964، والتى شهدت إطلاق منظمة الوحدة الإفريقية وما ركزت عليه مصر هو تجمع دول الأندوجو الذى أنشئ فى عام 1983 (دول حوض النيل) ولم يستمر اكثر من عشر سنوات لعدم الفاعلية وتجمع التيكونيل عام 1992 ومبادرة حوض النيل فى عام 1999 مع دول شرق القارة هى الامتداد الجغرافى والتاريخى الأقرب لمصر. لقد شاركت مصر فى جميع اجتماعات المنظمة وكان لها صوت مسموع فى الدعوة لاستقلال ناميبيا، وفى معارضة التفرقة العنصرية بجنوب إفريقيا وروديسيا وجهود الرئس جمال عبد الناصر للوساطة وحل النزاع للحفاظ على نيجيريا من الانفصاليين إضافة إلى إرسال قوات حفظ السلام إلى الكونغو اعتبارا من عام 1960 مع التعاون لحل المشكلات الاقتصادية، والديون المتراكمة على الدول النامية. ويعد إنشاء جهاز آلية فض المنازعات الافريقية وإنشاء مركز مصرى لحفظ السلام وتدريب الكوادر الإفريقية ثم اقترحت فى القمة الإفريقية الرابعة للاتحاد الإفريقى ثلاث مبادرات للتعاون بين دول القارة والتى تتلخص فى إنشاء مركز افريقى للإمراض المستوطنة والمعدية والإيدز فى تجربة رائدة أشادت بها المنظمات الدولية والثانية تمثلت فى دعوة مصر إلى استحداث مجلس افريقى لوزراء الكهرباء والطاقة الأفارقة تتبع المجلس الاقتصادى والاجتماعى للاتحاد الإفريقى. لا شك أن شراكة مصر للقارة الإفريقية مصلحة قومية عليا وقضية مستقبل ومصير بمعنى أن دورنا الرائد إسلاميا والقائد عربيا لا يغنى أبدا عن دورنا الإفريقى لما له من أهمية مصيرية والدائرة الإفريقية من أهم دوائر السياسة الخارجية من باب أن تاريخ مصر ومستقبلها مرتبط بإفريقيا ارتباطا مصيريا وأجرى الرئيس السيسى العديد من الجولات فى الدول الإفريقية خلال الفترة الماضية، زار خلالها اكثر من 21 دولة إفريقية منها إثيوبيا وغينيا الاستوائية وأوغندا ورواندا مرتين لكل دولة، فضلا عن زيارته كينيا وتنزانيا والجابون وتشاد والجزائر وآخر زيارة كانت للشقيقة السودان العمق الإستراتيجى لمصر. وتعتبر إجمالى الزيارات الخارجية التى قام بها تمثل أكثر من 30% من الزيارات الرئاسية الخارجية، وعقد اجتماعات عدة مع قادة وزعماء ومسئولين أفارقة زاروا مصر خلال السنوات الثلاث الماضية وهذه الزيارات تعتبر عودة قوية للدور المصرى على الساحة الإفريقية مع إسهامات من الأزهر الشريف ببعثات للدراسة بجامعة الأزهر، بالإضافة إلى استضافة مصر مؤتمر دول الساحل والصحراء فى شرم الشيخ العام الماضى لوزراء الدفاع والأمن فى خطوة جيدة للتنسيق الأمنى للقارة السمراء وأن هذه الزيارات ستعود على مصر بمكاسب متعددة، سواء سياسية أو اقتصادية أو أمنية وغيرها واستقبال الرئيس بحفاوة يؤكد قبول الدور المصرى فيما يتعلق بالقارة الإفريقية ويتضح من تحركات الرئيس السيسى تجاه القارة الإفريقية أهداف هذه الرؤية التى طالما أكد بذل أقصى جهد فى سبيل تحقيقها واستثمار المناخ والبيئة الاقتصادية الخصبة للقارة لما تضمه بين طياتها من ثروات وموارد طائلة، فى تعزيز حجم التبادل التجارى وفتح سوق كبيرة أمام تحقيق التكامل الاقتصادى والتجارى بين دولها حيث تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول القارة الإفريقية الكثير من التطور فى الآونة الأخيرة، وهو ما ظهر فى إعلان الكوميسا أن إجمالى استثمارات مصر فى القارة الإفريقية بلغت 7.9 مليار دولار موزعة على 62 مشروعا، وتأكيد الدولة عبر الوزارات المعنية عزمها على ضخ استثمارات جديدة كما من تستهدف مصر خلال الفترة المقبلة تنفيذ العديد من مشروعات التنموية والزراعية الكبرى بملايين الدولارات، بهدف تعزيز العلاقات مع البلدان الإفريقية بشكل عام، ودول حوض النيل بشكل خاص. مصر تذهب إلى إفريقيا بقوة وتصميم، لإعادة رسم خريطة العلاقات حيث كانت إفريقيا حاضرة بقوة وبشكل غير مسبوق فى منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ وظهر هذا الوجود فى ندوات وجلسات وورش المنتدى، فضلا عن حضور كبير من شباب إفريقيا الذين ظهروا بشكل جدى وقوى وكانت أفكارهم كاشفة عن تغير فى النظرات وتحولات ثقافية وفكرية واستثمارية ظهرت من خلال كلمات الشباب الإفريقى المشارك، من هنا تأتى أهمية التوصيات التى تحولت إلى قرارات رئاسية، التى خرجت من منتدى شباب العالم والتى تضمنت خطوات مهمة تتعلق بإعادة التعرف على إفريقيا ومد جسور التعاون معها، ومنها اختيار مدينة أسوان عاصمة للشباب الإفريقى لعام 2019، وهى ستكون مناسبة للمزيد من التعارف بين الشباب الإفريقى، ومواصلة الحوارات عن الهموم المشتركة التى تتطلب تعاونا لمعرفتها ومواجهتها، وكان الإعلان عن ملتقى الشباب العربى والإفريقى بأسوان لبحث القضايا والتحديات التى تواجه الشباب بالقارة الإفريقية والمنطقة العربية، تظهر فكرة الربط بين البعدين العربى والإفريقى، بالرغم من صعوبته طرحا يتم لأول مرة، يضاف إلى ذلك قرار الرئيس بتقديم إعلان شرم الشيخ للتكامل الإفريقى والعربى إلى الاتحاد الإفريقى والجامعة العربية عن طريق وزارة الخارجية المصرية، فضلا عن فتح الباب لتدريب وتأهيل الشباب العربى والإفريقى فى الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كل هذه الخطوات تاتى قبل أشهر قليلة من ترؤس مصر الاتحاد الإفريقى، وهو ما سيعزز من دور مصر بشكل واضح خلال الفترة المقبلة فى القارة الإفريقية وتعنى أن مصر تتخذ خطوات جادة لبناء جسور وعلاقات تتجاوز الشكل والدبلوماسية إلى علاقات واقعية تقوم على نقل وتبادل الخبرات ونشر الوعى بقيمة إفريقيا وتدريب الشباب، ليمكنه القيادة والإدارة لثروات ومقدرات القارة، من خلال بناء كوادر تكون قادرة على صياغة المستقبل والتعامل معه. لمزيد من مقالات اللواء. محمد الغباشى