إن الإحساس بالجمال لايستلزم بالضرورة ثراء أو سعة من العيش أو زكائب من الأموال ..يكفى أن تكون فى المقام الأول إنسانا محبا للحياة وتملك عينين ترى الجمال فى بديع صنع الله وروعة خلائقه وعلى رأسها الزهور بألوانها الجميلة التى تشكل سيمفونية عذبة من الرقة والإحساس والجمال إذا أُحسن تنسيقها وإستغلالها ..هذا ما توارد على ذهنى حينما تلقيت البطاقة البريدية التى أرسلتها لى صديقة تعيش فى جنيف بسويسرا... شعرت بسعادة غامرة وأنا أقلب الكارت بوستال الأنيق الذى أرسلته لى وعليه صورة رائعة الألوان لساعة الزهور الشهيرة فى جنيف ..تلك الساعة الأكثر شهرة والاكثر جمالا فى العالم والتى تقع فى زاوية من الحديقة الإنجليزية، وتم ابتكارها عام 1955 وتتكون من مئات الانواع من الورود لترسم شكل ساعة ، وقد ألهمت هذه الساعة المبتكرة الدول الأخري لإنشاء ساعات من الزهور ومنها مصر .. وبقدر ما فرحت وشعرت بالسعادة لوجود مثل هذه الساعة التى تشعرك بالانشراح لتغير الوان ورودها مع تغير فصول السنة مما يجعل رغبة الإنسان متجددة فى زيارتها والتمتع بجمال الوان أزهارها ..بقدر ما شعرت بالحزن والأسف لما آلت اليه حال ساعة الزهور الموجودة بشارع الحرية بالإسكندرية والتى تم افتتاحها فى الخمسينيات من القرن الماضى والتى تحولت بمرور الوقت الى خرابة وساعة مكسورة.. هجرتها الأزهار والزوار وبقيت فيها الذكريات تحكى عن أيام جميلة مضت على الإسكندرية كانت فيها ساعة الزهور معلما اساسيا للزيارة وإلتقاط الصور الفوتوغرافية وحتى صور العرائس والعرسان ولكن فجأة طالتها يد الأهمال والنسيان كما طالت أشياء كثيرة فى المدينة وبقيت جثتها شاهدة على الإهمال . بقى أن أقول أن العناية بهذه الساعة لا يحتاج أكثر من رغبة حقيقية للإصلاح وعين تبحث عن الجمال وجناينى ماهر يزرع الزهور حسب المواسم ويرعاها لتعود لسابق نضارتها وقد نحتاج الى شركة ساعات - وما أكثرهم - لتتبنى هذه الساعة وتعيد إصلاح عقاربها وتعيدها الى الحياة مرة أخرى .. فهل تلقى هذه الدعوة استجابة من المسئولين ومن رئيسة الحى التى أثق أنها سوف تنحاز للجمال وتنجز هذه المهمة البسيطة التى قد تعيد الأمل للسكندريين فى عودة الحياة الى مدينتهم .