نشر الأهرام مقالة يوم7 إبريل الحالي للدكتور محمد شومان وصف فيها فكرة رابطة الجوار العربي بالغموض, ولعلها كذلك في حدود ما اتيح عنها, بل وربما جاء الطرح ناقصا, ومع ذلك فإن ايجاد محفل للحوار الإقليمي ضرورة تأخرت كثيرا. ويكفي للتدليل علي ذلك حقيقة أن الأزمة مع العراق وكوريا الشمالية اندلعت في ذات الوقت من عام2003, ودارتا حول نفس الموضوع ألا وهو الاقتراب من امتلاك أسلحة الدمار الشامل, وبينما تطورت الأزمة مع العراق الي حرب دمرتها, فان نظيرتها مع بيونج يانج وجدت الاطار أو المحفل الدولي لتناولها والتعامل مع تفاصيلها, مما حال دونها وتلك النهاية المروعة, وذلك علي الرغم من أنه ثبتت عدم دقة المعلومات حول برنامج بغداد المزعوم لامتلاك تلك النوعية من السلاح, بعكس الحال مع كوريا الشمالية التي تستمر أزمتها حتي الوقت الحاضر, لكن دون أن تلوح احتمالات الحرب في الأفق. يحتاج الشرق الأوسط لتلك الترتيبات علي أساس أنه يضم مجموعة من الدول العربية ذات المقومات المشتركة المتعددة, التي تقوم بينها ودول الجوار الجغرافي درجة معينة من التجانس, ولكن المنطقة تفتقر للاطار المتماسك للتعاون بين حكوماته, ولذلك تهدف الترتيبات المقترحة لتحسين مناخ العلاقات الإقليمية, وتيسير ادارة المشاكل الثنائية ومتعددة الأطراف بما يتفادي قابليتها الشديدة للانفجار, وميلها الزائد لاستدعاء التدخل الأجنبي, بالتوازي مع ايجاد الآليات المستقرة للتعاون الاقتصادي, باعتبار العلاقة الطردية التبادلية بين النمو الاقتصادي والاستقرار الأمني. تعرف العلاقات الدولية المعاصرة صورتين من نماذج الأمن الاقليمي لدول العالم النامي لمواجهة غموض وسيولة العلاقات الدولية, التي انعكست علي الأوضاع الأمنية للأقاليم الجغرافية المختلفة, ودعتها للسعي لتحقيق التواؤم مع المتغيرات العالمية, استحدث الأسيان الأولي عام1993, ويطلق علي الثانية منظمة شنغهاي للتعاون التي تأسست قبل سنوات قليلة لتعني بتنظيمات الأمن الجماعي بين دول جنوب ووسط وشرق آسيا. أتاحت لي ظروف الخدمة الدبلوماسية في اندونيسيا في مطلع التسعينيات فرصة الاقتراب من نموذج الأمن الاقليمي الذي أقامه الأسيان, الذي يملك مجموعة من أوجه الجاذبية لأية تجربة مماثلة لادارة المستقبل في المنطقة العربية, وقمت بنشر دراسة موثقة عن ذلك النموذج بهدف إثراء الفكر الاستراتيجي العربي به, كنقطة للبداية في المشروع الإقليمي الذي يدنو زمنه وتلح أهميته, ليصوغ وينظم العلاقات بين الدول العربية ودول الجوار الجغرافي, وبديهي أنه يتم الاقتراب من هذه التجربة بأساليب التشابه والاختلاف, والتطوير والتواؤم أو الاستبعاد, وعيا بأن التجارب الانسانية متاحة فقط للاستئناس والاهتداء, وليس الاستنساخ. ويدل نجاح نموذج الأسيان علي أهمية أن تصدر ترتيبات الأمن الإقليمية عن نواة مؤسسية محلية, حتي تنبع فلسفتها في الحركة والممارسة من تراث الإقليم, وتعي ثقافته وخصوصيته بأفضل صورة ممكنة. وتنظيميا يتكون نموذج الأسيان من ثلاث دوائر متحدة المركز عند الأسيان باعتباره الكيان الإقليمي الراعي للنموذج, تليه دائرة للحوار مع الأطراف الإقليمية الأخري من غير أعضائه, وتعقبها دائرة أوسع للحوار مع القوي الدولية ذات المصالح في المنطقة, وتجري آلية الحوار معها سنويا علي مستويين أولهما مع كل من تلك القوي فرادي وثانيهما معها كلها مجتمعة. ولذلك فمن الأهمية أن تتولي الجامعة العربية الدعوة لإنشاء المحفل الإقليمي للشرق الأوسط, بالرغم مما يعتريها من أسباب الضعف ومظاهر الوهن, بل لعل مبادرتها تكون من دواعي تنشيط دورها وزيادة فعاليته, وليس شرطا في ذلك أن تقوم بتلك المبادرة بكامل عضويتها, وإنما قد يكون كافيا أن تبدأ ببعضها, مع ترك الباب مفتوحا لانضمام باقي الأعضاء لاحقا. وفي التصور أن يقود المجلس الإقليمي الذي تنشئه الجامعة عملية تطوير النموذج المناسب للأمن أو توازن القوي, الذي يحول دون انفراد أحد الأطراف بتحديد مصير الآخرين, علي أساس عدم صلاحية النموذج الأوروبي القائم علي الاتفاقات والمعاهدات القانونية, والاجراءات الرسمية لبناء الثقة والشفافية العسكرية, المدعومة بالأنظمة المعقدة للرقابة علي التسلح, فكلها أمور تتجاوز قدرة واستعداد دول المنطقة في المدي المنظور. أما عن نطاق الطرح فقد أثار مقال الدكتور شومان الاعتراض لاعتبارات التاريخ والجغرافيا والتداخل البشري علي عدم تضمين الطرح لإيران, وهو اعتراض في محله, بل إن من أهم أهداف الحفل المقترح العمل علي تنعيم التناقضات بين الأطراف, ولكن انضمامها ينبغي أن يرتبط ببعض الشروط قد يكون منها تسوية مشكلة الجزر الإمارتية, وينطبق نفس المنطق علي ضم اسرائيل للمحفل بشرط حل القضية الفلسطينية والانضمام لمعاهدة منع الانتشار النووي. وفي التقدير أن الطرح المعلن جاء ناقصا, لأنه اقتصر علي دول الجوار الجغرافي المباشر, غير أنه لابد أن يكتمل الترتيب بدائرة أوسع للحوار مع القوي الكبري ذات المصالح في المنطقة, لضمان الفعالية لترتيبات الأمن المستهدفة.