طرحت منذ أسابيع فكرة غامضة تدعو لقيام رابطة أو علاقة تعاونية بين الدول العربية ودول الجوار, ولم يحدد أصحاب الفكرة آليات عملها وأهدافها تفصيلا, وان كانوا قد أشاروا إلي أن التعاون من أجل التنمية هو الهدف كما اقترحوا دخول إثيوبيا وتشاد من الجوار الإفريقي وتركيا من الجوار الآسيوي الأوروبي. أما إيران فلم يطرح اسمها نظرا للمشكلات العالقة بينها وبين العرب. وعند التفكير في بواعث طرح هذه الفكرة ومناقشتها في قمة سرت الأخيرة يمكن القول إنها إحدي المحاولات العربية الخجولة لمقاومة الأفكار الأمريكية والأوروبية التي يراد بها إعادة تشكيل المنطقة العربية من خلال القضاء علي النظام الاقليمي العربي بإدماجه في رابطة تعاونية إقليمية أوسع تقبل إسرائيل عضوا فيها مثل الرابطة المتوسطية ورابطة الشرق الأوسط الكبير. قد يكون هذا الباعث إضافة للتعاون من أجل التنمية هو مادفع عمرو موسي لطرح فكرة رابطة الجوار, ومع التسليم بحسن نوايا صاحب الاقتراح فإنه يؤدي عمليا لتفكيك النظام العربي, وإثارة مزيد من الصراعات العربية العربية أي أننا بصدد مقترح غامض يقوض مفاهيم وأركان النظام العربي ولايسعي لإصلاحه. فبداية.. لم يوضح المقترح أسس أو آليات عمل رابطة الجوار, وهل ستدخل الجامعة العربية كمنظمة إقليمية تمثل الدول العربية في هذه الرابطة مقابل كل دولة من دول الجوار؟ هنا سيكون من الصعب علي الجامعة إدارة حوار وتفاوض مثمر لأنها كمنظمة إقليمية تمثل ارادات الدول المشاركة فيها, بينما تركيا أو تشاد هي دول مستقلة قادرة علي اتخاذ قرارها بسهولة وحسم. من هنا قد يري البعض أنه من الأفضل أن تدخل كل دولة عربية علي حدة في هذه الرابطة وفي هذه الحالة ستكون مشاركة كل دولة عربية أمرا اختياريا فلا إلزام ضمن مواثيق وآليات عمل الجامعة العربية. من جانب آخر فإن إيران هي بحكم الجغرافيا والتاريخ والتداخل البشري هي دولة جوار, لكنها جار مختلف عليه عربيا فهي تقيم علاقات تحالف مع بعض الدول والمنظمات العربية بينما تعتبر جارا غير مريح لدول عربية أخري, فمازالت تحتل ثلاثا من جرز الامارات, كما أن الملف النووي وتدخلها في اليمن ولبنان وفلسطين هي أمور تثير قلقا مشروعا لدي كثير من الدول العربية, وبالتالي فإن دعوة إيران لهذا التجمع ستبدد أي جهد حقيقي لتحقيق مصالحة عربية أو إصلاح للنظام العربي, لذلك سكت الأمين العام عن ترشيح إيران للانضمام لرابطة الجوار, لكن سكوته لن يكون ذهبا لأنه لا يمكن أن يستمر طويلا, ولايمكن الحديث عن رابطة جوار بدون إيران ولايمكن ايضا ضم إيران دون إثارة اعتراضات عربية.. إذن ما الحل؟!. لا أمتلك حلا, وأظن أن أصحاب فكرة الرابطة الجوارية ليس لديهم حل لتجاوز العقبة الايرانية وبنفس القدر ليس لديهم تصور عن آليات عمل تلك الرابطة وأهدافها فلا خلاف عن سعي الرابطة للتعاون الاقليمي والتنمية, غير أن هذه الأهداف نفسها طرحت وجري تسويقها في كل حديث عن التعاون الشرق أوسطي والمتوسطي وأي رابطة أخري دون إحراز تقدم من أي نوع. وأتصور أن حديث التكامل الاقتصادي الاقليمي والتنمية أصبح بلا مصداقية لأن التعاون الثنائي في الخبرة العربية حقق نتائج أفضل من أشكال التعاون الاقتصادي بمافي ذلك التعاون والتكامل الاقتصادي العربي. من الأجدي عربيا التركيز علي جهود المصالحة العربية وإصلاح النظام العربي عوضا عن الالتفاف حول هذه المهمة بطرح أفكار ضبابية أو القفز للأمام بطرح روابط أوسع من الرابطة العربية ممايؤدي إلي تضييع الوقت والجهد وتفجير الخلافات العربية, بل وتفكيك النظام الاقليمي العربي, وإذا كان من الواجب مقاومة أفكار الشرق أوسطية والمتوسطية فإن السبيل الوحيد لذلك هو تفعيل النظام العربي والحفاظ عليه عبر إصلاحه واستعادة قيمه الملهمة.. صحيح أن النظام العربي, يعيش أزمة خانقة ويعاني من تعثر وفشل متكرر في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية, لكن عنف الأزمة لا يعني التسليم بالفشل أو القعود عن العمل بل المحاولة والمحاولة والتوقف عن الكلام وإطلاق مبادرات وأفكار لن تزيد علي كونها كلاما أو عناوين براقة سرعان ماينساها الجميع لأنها أصلا تفتقر لمقومات الجدية وعناصر البقاء والاستمرار.