مر العملاق الصيني بمراحل عدة كل واحدة منها تقدم درسا يستحق الاهتمام, فكانت في مرحلة من مراحل تاريخها الحديث ضحية للموجة الاستعمارية الغربية, ذلك أن الغرب بعد ثورته الصناعية الأولي التي انطلقت من بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر, وقامت بريطانيا باستعمار الهند, اتجهت أنظارها وأنظار الغرب نحو الصين, وخضعت الصين لفترة من المهانة الاستعمارية وهي الدولة العريقة صاحبة الحضارة التي كانت تفرض الإتاوات علي من حولها وفرض عليها عدد من المعاهدات التي اشتهرت في التاريخ بالمعاهدات غير المتكافئة. كان للثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر1917 كبير الأثر علي الصين, باعتبار أنها تحقق نوعا مرغوبا فيه من الاشتراكية, وقامت عدة ثورات في الصين انتهت باستيلاء الشيوعيين الصينيين علي السلطة بعد انتظارهم علي ماسمي حينذاك بالصين الوطنية المدعومة أمريكيا, وهروب زعيمها تشانج كاي شيك ومن معه إلي تايوان. وما لبثت الصين أن أعلنت قيام جمهورية الصين الشعبية في سبتمبر1949 بزعامة ماو تسي تونج, وبادر الاتحاد السوفيتي بابرام معاهدة صداقة ودفاع متبادل مع جمهورية الصين الشعبية في فبراير.1950 ثم ما لبثت الصين أن دخلت في صراع مع السوفييت, حيث منعها كبرياؤها من أن تكون الطرف الأصغر في هذا التحالف. وبدأ الخلاف بالخطاب الشهير الذي ألقاه خرو90-,شوف في1956 والذي تضمن هجوما حادا علي الزعيم الروسي ستالين, وكان رأي الصينيين أنه كان ينبغي علي خروشوف استثارتهم مسبقا فيما جاء في هذا الخطاب, أو أن يفصح لهم حتي عن نيته قبل إلقائه لكن السوفييت لم يلقوا لذلك بالا. وتلا ذلك أنه بعد رحيل ستالين أن أيقين ماو تسي تونج أنه لابد من بناء قوة نووية صينية.. وتلكأ السوفييت في الاستجابة للطلب الصيني, غير أن الصين تمكنت من تفجير قنبلتها النووية الأولي في16 أكتوبر.1964 كانت الولاياتالمتحدة التي ناصبت الصين العداء علي مدي عشرين عاما لانحيازها إلي الجانب الشيوعي, وبسبب الحرب الكورية1950 ومساندة الصين لكوريا الشمالية الشيوعية علي وعي بما حدث بين الحليفين الشيوعيين, وبعد أن نجحت الصين في تفجير قنبلتها النووية الأولي, بعثت بمستشار الأمن القومي هنري كيسنجر إلي بكين لمد يد التصالح والصداقة مع الصين, وتبع ذلك زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلي الصين في.1972 بيد أن الفترة الفارقة التي تسببت في نهوض الصين في الوقت الراهن بدأت بالانفتاح الصيني بعد رحيل الزعيم ماو تسي تونج, وقدوم خلفه الرئيس نج شياو بنج1978, حيث طرحت الصين نفسها طرحا جديدا متخلية عن الأيديولوجيات لتتمكن من الاستفادة من عصر العولمة, الأمر الذي مكنها من دخول عدد من المنظمات الدولية تاركة ستار العزلة ظهريا. وأصبح اقتصادها يتقدم بصورة ملفتة منذ ذلك التاريخ, حتي أجمع فريق من خبراء الاقتصاد في الغرب علي أن الصين التي يبلغ عدد سكانها4 أضعاف سكان الولاياتالمتحدة, وخمس سكان العالم سوف يتعدي حجم اقتصاد الولاياتالمتحدة بحلول عام2027, بناء علي أن المتوسط السنوي لزيادة إجمالي الناتج القومي الصيني في الفترة1978 2012 كان ينمو بمعدل94%, أي ضعف نسبة نظيره الأمريكي وهو394% في الفترة نفسها. وفي ذلك يتندر كتاب الغرب بالقول: لقد شهد العالم عصرا بريطانيا, ثم تبعه عصر أمريكي, فهل نحن مقبلون علي عصر صيني؟ المزيد من مقالات د. فوزى درويش