كل جرائم الإرهاب خسيسة، ومخيفة، وتسبب ألما إنسانيا، لا حد له وإذا وضعنا أنفسنا مكان الضحايا والشهداء وأسرهم، فإن الألم يتضاعف، والقدرة على المقاومة تتزايد، وتحدى الإرهاب يتحول إلى طوفان، يجعلنا نتكاتف، ونتحمل المسئوليات، حتى نجتث هذه الجريمة من مجتمعاتنا إلى الأبد! وقد جاءت جريمة اعتداء الإرهابيين على المصلين، والزوار الأبرياء، لدير الأنبا صموئيل للمرة الثانية، بصحراء المنيا، لتفجر الغضب والتحدى فى نفوس جميع المصريين. إن هذه الجريمة الآثمة ليست جديدة، ولن تكون الأخيرة، وهى محاولة بائسة، لصناعة فتنة، لن تحدث، بين أبناء الشعب الواحد، فهى لم تكن أول جرائم تتعقب المصلين، والزوار الأبرياء إلى دور العبادة، مسلمين أو مسيحيين، ولم تكن أول جريمة، لا تفرق بين رجل أو امرأة أو بين طفل أو شيخ كبير، ولم تكن أول جريمة تقتل نفوسا بريئة بغير ذنب اقترفوه. فقد كانوا فى زيارة إلى دير، ملبين رغبة دينية، وإنسانية طبيعية وجميلة، بأن يكونوا قريبين من الخالق، وأسوياء النفس والنية والبال، ولكن ماذا نقول؟ إن كل جرائم الإرهاب المتطرف خسيسة، وتبتعد بمرتكبيها عن كل الأديان، وتخرجهم من زمرة الإنسان إلى صفات أخرى، ولا أريد أن ألصقها حتى بالحيوان. فهؤلاء الإرهابيون، وصلوا إلى درجة لم نعرفها من قبل، ولا نريد، لكننا نبحث عن استئصالها، وبترها من حياتنا، مهما يكلفنا ذلك من أموال، ووقت، وجهد، فحياتنا لن تستقيم أو تنتظم، ونحن نسمح لمثل هذه الكائنات أن تعيش وتنمو بيننا، أو لهذا الفكر المستتر بالأديان أن ينمو ويستمر، بل إننا يجب أن نجرم، ونقاتل كل من يبرر لهؤلاء القتلة والإرهابيين والمتطرفين، بأن يكونوا جزءا من مجتمعاتنا. هذه الجرائم، رغم مرارتها وقسوتها، ليس لها هدف إلا أن تذكرنا، يوميا، بأننا مقصرون فى مقاومتها، وبترها فى مهدها، من كل ثقافتنا. إن جرائم الإرهاب تكشف عن تقصير مستمر، أدى إلى تجذر هذه الآفة المخيفة فى تربة البلاد. لم أستطع، عندما شاهدت فيلما صغيرا عن الضحايا، أن أبعد الصورة من ذهنى، أو أن أفكر فى شيء آخر، وذكرتنى بجريمة بشعة أخرى، وقعت فى مسجد الروضة بسيناء، وبجريمة كنيسة القديسين فى نهاية 2010، وذكرتنى بجرائم الإرهاب والفوضى التى ألمت بمصر فى الحقبة الأخيرة، خاصة جرائم حرق الكنائس، بعد أن أزاح المصريون حكما دينيا مخيفا فى 30يونيو 2013، وكأن الإرهابيين لا يريدون أن يسمعوا شيئا عما يحدث فى مصر، وفى المنطقة العربية، عن نهايتهم الطبيعية، ورفض وجودهم من كل المصريين، على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم! ولكن الجريمة الأخيرة تسلطت عليّ، وجعلتنى لا أفكر فى شيء آخر، وأوحت إليّ بأنه يجب علينا ألا نفكر فى شيء آخر، إلا أن نزيح عن وجه الوطن كل الإرهابيين، وأفكارهم الخبيثة والمريضة، وقد عششت فى الضمير الوطنى، والدينى، سنوات طويلة، حتى جعلتنا نخاف من أنفسنا، ونخاف أن يكون هناك شيء قد ترسب فى عقولنا من أفكار هؤلاء، فهى أفكار تحرمنا من إنسانيتنا، وتنزع منا أى ضمير حى، ولا يستطيع أى عاقل أن يعيش، ويعبد الخالق بحرية، ويؤدى واجباته الإنسانية تجاه أسرته، وبنى وطنه، وهو يرى أن بعض المؤسسات تقصر فى بتر هذا الفكر، واستئصاله من جميع الكتب، ولا تجعله فكرا محرما مرذولا، ومعاقبا عليه. إن أى تأخير من أى أحد، أو من أى مؤسسة، فى مواجهة التطرف، والتمييز الدينى، وفى عدم إعطاء الحريات الدينية لأصحابها، بلا وصاية، لهو تمهيد لهذا الفكر المتطرف والإرهابى المخيف، بل هو الطريق إلى هذه الجرائم البشعة. فلتنتبه كل المؤسسات، وليحذر كل إنسان، يفكر فى أنه ظل الله فى الأرض، أو أنه ممثل للأصول الدينية، أو أنه يمنح صكوكا لهؤلاء الإرهابيين لكى يعبثوا بالمجتمع، ويدافع عن عقولهم المريضة، ويتصور أنه يقدم حقائق دينية، فنحن نعرف الله بالعقل، ونعرف أن الأديان أصل الإنسانية، والحب، والتسامح بين الناس، وليس منا من يملك الحقيقة كاملة، حتى يفرضها على أحد!! يجب أن يفهم كل أصولى، وكل متعصب، بوضوح، أن لا مكان له فى العالم المعاصر وبين البشر، وليس لأى متطرف أى حق، أن يفرض على الإنسان المعاصر، ما يفكر فيه بالسلاح، كما أن الصراعات على أى سلطة، ليس لأحد حق فى أن يستخدم السلاح لفرضها على المجتمعات الحديثة، وقد نظمت نفسها فى مؤسسات تتحرر وتفكر، وأعطت لكل مواطن الحق فى الحياة، والعمل، بلا خوف، أو تمييز. حقائق يعرفها العالم المعاصر، لكننا قصرنا فى تجذيرها فى عقول ونفوس أبنائنا، فظهر بيننا من تصور أنه صاحب حق ليقتل، أو يحكمنا بأفكاره الجاهلة المتطرفة العنصرية، فى عصور تعرف الحريات، وحقوق الإنسان، وحق اختيار حرية الفكر و العقيدة. إن الرسالة البسيطة من رد الفعل على حادث مقتل الأبرياء، وهم عائدون من دير الأنبا صموئيل، تؤكد أن مصر واحدة، فقد عرف الجميع أن الأقباط المصريين هم أغلى ما نملك، وأننا جميعا نحافظ عليهم، ونفديهم إذا وجب الفداء، فالمصريون، كانوا ومازالوا، من نسيج واحد، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى إعادة تأكيد. ولكن هذا الحاث الإجرامى كان إشارة إلينا، لنواجه الإرهاب فى منابعه، ونعمل على تحديث المؤسسة الأمنية، وجعلها أكثر يقظة، وتدريبا وتحديثا، لأن الأمن هو أغلى ما نملك، فنحن نريد اهتماما مضاعفا بالأمن، ثم سرعة التقاضى، وبتحديث هاتين المؤسستين إلى أقصى درجة ممكنة، نصل إلى الانتصار. فكل جريمة إرهابية، تذكرنا بأننا مازلنا فى حاجة إلى ثورة ثقافية، تقتلع الفكر المتطرف، وتضع كل جماعة دينية، تفرض فكرها بالسلاح والإرهاب خارج الوطن، وخارج الحياة، حتى تستقيم أمورنا، بثقة ويقين بأن إنسانيتنا انتصرت على تلك الآفة الخطيرة، فهى لا تهدد مجتمعاتنا فقط، بل تهدد كل ما نعيش من أجله فى هذه الحياة. لمزيد من مقالات أسامة سرايا