فى القدس كل شبر من هذه المدينة له قيمة وله تاريخ، إنها المدينة المقدسة صاحبة التاريخ الروحى لليهودية والمسيحية والإسلام. هى مدينة الحرب والسلام، مدينة الحب والخيانة، مدينة الأديان وصراع الأوطان. ومع الصراع العربى الإسرائيلى على تهويد القدس بدأت تظهر مخططات للاستيلاء على المدينة، ولكن كيف يحدث هذا والمبانى والحجارة والآثار تقف عائقا لكى يكون كل ما فى المدينة تحت السيطرة اليهودية، وتكون الكنائس والجوامع مجرد آثار سياحية تدر دخلاً للدولة اليهودية. فبدأت حملة لشراء البيوت والأراضى من الطوائف المسيحية والعائلات القديمة التى تسكن القدس. وقد حدث بالفعل أن باعت بعض الطوائف الغربية كثيرا من أملاكها فى السنوات الخمس الماضية. ووضعت إسرائيل يديها على هذه الممتلكات، وفرضت العام الماضى ضرائب باهظة على الكنائس والممتلكات المسيحية حتى تضطر باقى الطوائف للبيع، وتمتلك الكنيسة القبطية فى القدس: دير السلطان وبه كنيستا الملاك والأربعة كائنات، دير مارأنطونيوس شمال شرق كنيسة القيامة، دير مارجرجس فى حارة الموارنة، كنيسة السيدة العذراء بجبل الزيتون، هيكل على جبل الزيتون وكنيسة ماريوحنا، وكنيسة صغيرة باسم الملاك ميخائيل ملاصقة للقبر المقدس من الغرب. ودير السلطان يقع داخل أسوار البلدة القديمة فى حارة النصارى بجوار كنيسة القديسة هيلانة، وهو الممر بين مقر البطريركية القبطية وكنيسة القيامة، وهو يقع فوق سطح مغارة الصليب. والدير على مساحة 1800متر مربع ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 684م حين بنى الخليفة عبد الملك بن مروان مسجد الصخرة وقد بُنى من الخراج المتجمع من مصر لمدة سبع سنوات. وقد طلب بعض الأقباط الذين كانوا بالقدس بناء دير لهم فسمح لهم بهذا الدير. وفى أثناء الحروب الصليبية حاولوا احتلال مصر ولكنهم فشلوا من استمالة الأقباط نحوهم وتصدوا لهم مع أخوتهم المسلمين ولشدة غيظهم أصدروا قانونا بمنع الأقباط من زيارة القدس. وبعد انتصار صلاح الدين فى معركة حطين عام 1187م وتحرير القدس أعاد صلاح الدين الدير للأقباط عرفاناً بمساعدته فى الحروب ولذلك سمى بدير السلطان. وأصبح الدير عامراً بالرهبان الأقباط يمارسون فيه العبادة بجوار القبر المقدس وكنيسة القيامة. وفى عام 1624م فقد الأحباش أملاكهم فى القدس بسبب قلة عددهم وعدم إمكانهم من دفع الضرائب عن الدير الذى كانوا به وهو دير مارإبراهيم الملاصق لكنيسة القيامة وقد حل محلهم الأرمن. فذهب الرهبان الأحباش ملتمسين الكنيسة القبطية التى كانت فى ذلك الحين ترعى الأحباش وكانت كنيستهم تحت قيادة الكنيسة القبطية قبل انفصالها عام 1974م بعد قيام الحكم الشيوعى بقيادة منجستو. فاحتضنتهم الكنيسة القبطية واستضافتهم فى دير السلطان كضيوف لديها من رعاياها وكان عددهم ثمانية رهبان فقط. وبعد ثلاثين عاماً أى 1684م أحتاج الدير إلى ترميم فخرجوا من الدير ولكنهم عادوا مرة أخرى بعد الترميم. وفى عام 1782م كان إبراهيم الجوهرى فى منصب رئيس وزراء مصر قد اشترى وقفاً لدير السلطان أرض بها مبان وأشجار من الحاج عبد الله أفندى بمقتضى حجة شرعية. وفى عام 1818م تم ترميم الدير وكان به راهبان من الأحباش فقط، فطلب منهم مغادرة الدير لعمل الترميم فرفضوا فلجأت السلطة بإخراجهم بالقوة وتسليمهم أمتعتهم بمحضر رسمى بتاريخ 17 أكتوبر عام 1820م. ولكن بعد الترميم سمحت إدارة الدير برجوع الراهبين لاستضافتهم مرة أخرى. ولكنهم بعد فترة أثاروا الخلافات مع رئاسة الدير وأدعوا ملكيتهم للدير. واتصل ملك الحبشة بالإنجليز لاستصدار وثيقة تثبت ملكيتهم ولكنهم لم يستطيعوا ذلك نظراً للوثائق التى تمتلكها الكنيسة القبطية. فاقترح الإنجليز بإعطاء مفتاح الدير لطرف ثالث وهو الحاكم المحلى للقدس. وحين عرف الأرمن بذلك وقفوا بجانب الأقباط وقدموا مذكرة تثبت حقوق الأقباط وطلبوا إعادة مفاتيح الدير إليهم. وفعلاً عام 1850م صدر قرار عن السلطة المحلية برجوع مفاتيح الدير إلى الأقباط. فقام الأحباش بخطف المفاتيح من الحاكم المحلى، فقام المجلس المحلى للقدس بالنظر فى الموضوع كله، وبعد تقديم الأقباط للوثائق والحجج أثبت المجلس بأحقية الأقباط فى امتلاك الدير وأعاد لهم المفاتيح وهذا فى 9 مارس عام 1863م. ولكن رفض الأحباش هذا وكسروا الأبواب، وبدأ الأتراك يتدخلون فى الأمر لأن القدس كانت تحت سلطانهم فاقترحوا فتح باب خاص للأحباش فى الدير مع احتفاظ الأقباط بالمفاتيح الأصلية لأبواب الدير اعترافاً بأحقية الأقباط فى ملكية الدير. وتطور الصراع مرة أخرى عام 1964م وقامت الأردن بصفتها المشرف على الآثار المسيحية والإسلامية بالقدس بدراسة الوضع والوثائق وأكدت أن الدير ملك الاقباط وسلمت المفاتيح للأنبا باسيليوس مطران القدس القبطى. وبعد هزيمة 67 أثار الأحباش مشكلة الدير لدى السلطات الإسرائيلية، وفى عام 1970م فى ليلة الاحتفال بعيد القيامة أحاط رجال البوليس بالدير وغيروا أقفال الأبواب ووضعوا حواجز لمنع الأقباط من المرور إلى الدير. فقام الأقباط برفع قضية أمام المحاكم الإسرائيلية التى حكمت لمصلحة الأقباط فى 16 مارس 1971م وطلبت السلطة بإرجاع الدير إلى الكنيسة القبطية، ولكن سلطات الاحتلال لم تستجب للمحكمة وأصدرت قراراً بتشكيل لجنة وزارية لدراسة الأمر، والحقيقة أن اللجنة حتى الآن لم تنته من الدراسة المعنية. ومع محاولات التهويد الجديدة وجدت الحكومة الإسرائيلية تحريك الوضع استعداداً لاغتصاب الأماكن المقدسة التى تمتلكها الكنيسة القبطية. ولكنهم لم يضعوا فى الحسبان أن لكنيستنا رجالاً لا يخافون ولا يهابون الموت وهم رجال الكنيسة نيافة الأنبا أنطونيوس ورهبان الدير الذين وقفوا أمام أبواب الدير مستهينين بقوة الاحتلال ورجاله وقالوا لهم: مستعدون للموت ولا نفرط فى شبر من أراضينا المقدسة. وظن رجال الاحتلال أنهم يمكنهم إرهابهم فاعتدوا بالضرب والسحل وقبضوا على أحد الآباء الرهبان بعد إهانته وسحله أمام كل العالم. وهنا تدخلت السلطات المصرية رافضة المساس بأبنائها، وحسب أحد الصحف الإسرائيلية أنه تمت محادثات شديدة اللهجة أسفرت عن الإفراج عن الراهب المحبوس والتفاوض لإيجاد حل لقضية دير السلطان. لمزيد من مقالات القمص. أنجيلوس جرجس