ارتبكت وأنا عائد مع الوفد المصاحب للرئيس السيسى من ألمانيا، عندما فكرت فيما يمكن أن أكتبه عن تلك الزيارة المشحونة باللقاءات والاتفاقيات، وتساءلت: هل يكون تقديم الشريحة الثانية من الدعم الألمانى لمصر بقيمة 500 مليون يورو خبرا سارا يمكن أن أبدأ به؟ لكنى وجدت أن هناك ما هو أهم، فالسياحة الألمانية لمصر تحقق قفزات سريعة، فقد زاد عدد السياح الألمان إلى مليون و234 ألف سائح فى العام الماضي، بزيادة 90% على العام السابق. ومن المتوقع أن يحقق رقما قياسيا هذا العام، يتجاوز أعلى الأرقام التى تحققت فى عام 2010، الذى يسمى عام الذروة، وكذلك حجم التعاون الصناعى والاستثمارى الذى يصعب أن أتحدث عن جميع بنوده الكثيرة جدا، لهذا سأكتفى بنموذج لتلك المشروعات التى أرى أنها نموذج لا يقل أهمية عن مشروعات توليد الكهرباء التى شيدتها شركة «سيمنز» الألمانية، وأنجزت ملحمة تطوير إنتاج الكهرباء خلال السنوات الأربع الماضية، وهو مشروع تصنيع قاطرات السكك الحديدية فى مصر، بالتعاون بين شركة «بومبارديه» الألمانية وشركات الإنتاج الحربى، الذى لا يلبى فقط احتياجات السكك الحديدية المصرية، وتطوير مركز الصيانة ليكون مركزا إقليميا لتصنيع وإصلاح القاطرات والمحركات لمصلحة الدول العربية والإفريقية، بل يلبى أيضا احتياجات عدد من الدول الأوروبية. وهذا النموذج من الاستثمار لا تتوقف أهميته على أنه من أهم المشروعات الإنتاجية، بل لأنه ينقل الخبرات الألمانية فى صناعة تتفرد ألمانيا بجودتها العالية، لتكون لدينا الخبرات والمصانع القادرة على إنتاج القاطرات وصيانتها. الاستثمارات الألمانية تتدفق إلى مصر بزيادة كبيرة، وأهم ما يميزها أنها تترافق مع تدريب وتأهيل العمالة المصرية للعمل فيها، وهو ما يرفع من خبرات عمالنا ومهندسينا وفنيينا فى مختلف المشروعات. وإن كان يشغلنى الجانب الاقتصادى، وتجذبنى الكتابة عنه لأن فيه الحل الأمثل لمشكلاتنا، ويتوقف عليه ارتفاع معدلات النمو، ومن ثمَّ مستوى المعيشة، فلا يمكن تجاهل النتائج المترتبة على الزيارة الثالثة للرئيس السيسى إلى ألمانيا ولقائه السادس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذى تناول التعاون وتبادل وجهات النظر لإيجاد حلول لمشكلات المنطقة، خاصة أزمات سوريا وليبيا واليمن والقضية الفلسطينية، وقد وضح الاتفاق على دعم الحلول السلمية، ووضع حد للعنف، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتعزيز مكافحة الإرهاب. وقد أشادت ألمانيا بنجاح مصر فى القضاء على الهجرة غير المشروعة، فلم تخرج من مصر قوارب مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا على مدى العامين الأخيرين، وتجنيب المهاجرين المخاطر التى تودى بحياة الكثيرين منهم فى رحلات القوارب الخطيرة، التى تتسبب فى غرق الكثيرين، وكذلك تجنيب أوروبا عبء استقبال المزيد من اللاجئين. وخلال مشاركة الرئيس السيسى فى أعمال القمة المصغرة للقادة الأفارقة مع ألمانيا، فى إطار مجموعة العشرين، سيكون لمصر دور رئيسى من خلال رئاستها دورة الاتحاد الإفريقى العام المقبل، لتنفيذ مشروعات التنمية الرامية إلى توفير فرص عمل للشباب فى بلدانهم، بما يحد من الهجرة غير المشروعة، ويحقق فائدة مزدوجة للدول الإفريقية والاتحاد الأوروبى. لكن أكثر ما أثار اهتمامى الشخصى ورأيت فيه أكبر الفوائد هو الاتفاقيات بين مصر وألمانيا فى مجال التعليم، وتتضمن اتفاقيات عديدة أرى فيها أملا كبيرا فى بناء مصر المستقبل، فقد وقع الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، اتفاقية إنشاء الجامعة الألمانية الدولية (GIU) فى العاصمة الإدارية الجديدة، وتنص الاتفاقية على إنشاء جامعة للعلوم التطبيقية تقوم على أساس البحث العلمى والتطبيق العملى للعلوم المتقدمة. يقول الدكتور خالد عبدالغفار إن توقيعه اتفاقية تحالف مع الجامعات التطبيقية الألمانية، ستنتج عنه انطلاقة كبيرة فى مجال التعليم العالى التطبيقى، ويأتى ذلك فى إطار تنفيذ تكليفات الرئيس بوجود جامعات عالمية فى مصر ترتقى بجودة التعليم، وإنشاء جامعات تضم كليات العلوم التطبيقية، التى تؤهل الخريجين للاندماج فى سوق العمل مباشرة، وستكون الجامعة الجديدة تحت إشراف ألمانى، وتمنح خريجيها شهادة ألمانية تؤهلهم للعمل فى كثير من دول العالم. كما جرى توقيع إعلان «نوايا» تعزيز التعاون فى مجالات التعليم العالى والبحث العلمى والتطور التكنولوجى، وتشمل إنشاء برامج دراسية مشتركة، بالتعاون مع الهيئات والمؤسسات الصناعية، بهدف إنشاء نموذج جامعى موجه للتطبيق لتوظيف شباب الخريجين المصريين، وتلبية احتياجات سوق العمل، فضلا عن إجراء مشروعات بحثية مشتركة وإنشاء مراكز وفروع لمؤسسات التعليم العالى الألمانية والمصرية، وتضمنت نصوص الإعلان الاستمرار فى تفعيل الدور الرائد الذى تقوم به الهيئة الألمانية للتبادل العلمى «DAAD» فى مجالات البحث العلمى والتعليم العالى، وتوفير المنح للدارسين المصريين، خاصة شباب الباحثين. كما وقع الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، اتفاقية إنشاء أكاديمية لتدريب معلمى التعليم الفنى على مستوى المدارس المصرية، وإنشاء هيئة لجودة التعليم الفني، واتفاقية أخرى مع شركة «سيمنز» للتوسع فى مجال تدريب طلاب التعليم الفنى، وكذلك فى التعليم المزدوج الذى يجمع بين الدراسة والتدريب فى المصانع، والتوسع فى عدد المدارس الألمانية فى مصر. هذه نماذج من مشروعات الأمل التى ستبنى مصر على أعمدة قوية من العلم والخبرة بأياد مصرية، اكتسبت المعارف من واحدة من أكثر الدول فى التقدم العلمى والتكنولوجى. شعرت بأننى كنت محظوظا بمرافقة الرئيس فى أربع زيارات متتالية خلال شهرين، شملت أربع دول عظمى هى: الصين والولايات المتحدة وروسيا وأخيرا ألمانيا، وجميعها يستهدف إقامة مشروعات تضع أقدام مصر على عتبة الدول المتقدمة. لمزيد من مقالات بقلم علاء ثابت