حمل شوقى لواء الأدب وبلغ بالشعر العربى ذروة البلاغة، ولم يكن فى أعماقه إلا وطنيا مخلصا، فقد أحب مصر فأحبته، وأكرمها فأكرمته. التحق شوقى فى البداية بكُتَّاب الشيخ صالح وهو فى الرابعة من عمره، بعدها درس بمدرسة المبتديان ثم التجهيزية، وفيها تمت مكافأته بالتعلم مجاناً لتفوقه، ليلتحق عام 1885م بمدرسة الحقوق ويدرس فيها مدة سنتين، ثم درس الترجمة مدة سنتين أخريين، ليحصل بعدها على الشهادة النهائية. شوقى كفلته ورعته جدته لأمه التى كانت تعمل وصيفة بقصر الخديو إسماعيل، وبذلك نشأ نشأة أرستقراطية، أهلته ليعيش حياة ترف ونعيم، حيث عينه الخديو توفيق موظفاً بقسم الترجمة فى ديوان قصره، ثم أوفده للدراسة فى فرنسا، وفى عاصمتها باريس شهد شوقى فنونها وأدبها، فحضر المسرحيات الكلاسيكية الشعرية وأعجب كذلك بالشعر والحكايات الفرنسية. عاد إلى مصر فى أكتوبر 1893م، وقد تولى الخديو عباس الثانى الحكم بعد وفاة والده، فعينه رئيساً لقلم الترجمة الإفرنجية بديوان القصر، وبعدها توثقت العلاقة بين شوقى والخديو الجديد الذى قربه إليه ووثق به. أقدمت بريطانيا فى 19 ديسمبر 1914، على عزل الخديو عباس حلمى عن عرشه لمقاومته الاحتلال البريطاني، فنال أحمد شوقى ما ناله المقربون والداعمون للخديو، فنفى خارج مصر عام 1915م ليختار إسبانيا ليعيش فيها مع أسرته مجبراً، وفيها يستغل وقته ويتعلم اللغة الإسبانية، ويعكف على قراءة كتب التاريخ والأدب العربي، ويجول فى مدنها ومناطقها بما فيها الأندلس، ومنها أشبيلية التى استوحى منها روايته «أميرة الأندلس»، وفيها أيضاً نظم كثيراً من القصائد متأثراً بالغربة والحنين للوطن ومنها قصيدة «الرحلة إلى الأندلس» قال فيها: وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسي عاد شوقى للوطن بعد ثورة 1919م، والتى ندم على عدم المشاركة فيها، وعزل صديقه الخديو عباس الثاني، فابتعد عن القصر واقترب أكثر من الشعب وأسهم معهم فى مقاومة المستعمر والتطلع نحو الاستقلال، وذلك بالتغنى بشعره الذى يثيرهم ويدفعهم للتحرر، فعبر عن أمجاد الوطن، ونظم قصائده فى الأهرامات والنيل والآثار الفرعونية، جاء ذلك حسب المادة الموثقة بكتاب «البحرين وتكريم أمير الشعراء أحمد شوقى» للكاتب صقر عبد الله المعاودة. نشرت لشوقى أول قصيدة فى جريدة «الوقائع المصرية» بتاريخ 7 أبريل 1888م، وهو طالب بالمدرسة، وقدمتها الجريدة بالقول: جاءتنا هذه القصيدة بقلم حضرة الشاب النجيب أحمد أفندى شوقى من قسم الترجمة بمدرسة الحقوق الخديوية فى رثاء المغفور له البرنس حسن باشا، وهو أخو الخديو توفيق، يقول فيها: وكم قاد جيشاً ليس يحصى عديده فطاف به داعى الحمام وقاده ثم نشر قصائده فى جريدة «الأهرام» و«المؤيد» حتى أصدر ديوانه الأول الذى سماه «الشوقيات» عام 1898م. ومن قصائده الرائعة فى المدائح النبوية قصيدة «ذكرى المولد» التى يقول فى مطلعها: سلو قلبى غداة سلا وثابا لعل على الجمال له عتابا غنت له أم كلثوم العديد من القصائد: ولد الهدى، قصيدة النيل، وقصيدة إلى عرفات الله، وغنى له أيضا محمد عبد الوهاب، وعبده الحامولى ويوسف المنيلاوي. وقد لقب شوقى بالكثير من الألقاب كان أبرزها «أمير الشعراء»، ويعود الفضل فى ذلك إلى الكاتب داوود بركات الذى أشهره على صفحات جريدة الأهرام عام 1898م، وهو حديث العهد بتحريرها. وفى مساء 14 أكتوبر عام 1932م رحل أمير الشعراء أحمد شوقى وودعت مصر جثمانه فى موكب تقدمه مندوب جلاله الملك فؤاد الأول وأسرة الفقيد وكبار رجال الدولة وجمهور غفير من محبيه. وتحول منزله كرمة ابن هانئ إلى متحف ومركز للإشعاع الثقافى عام 1977م ويحتوى على حجرة نومه ومكتبه وحجرات الاستقبال والأوسمة والنياشين التى حصل عليها والملابس التشريفية والهدايا والوثائق الخاصة به، ليظل شوقى فى ذاكرة الوطن ومواطنيه علما من أعلام الأدب والفنون والوطنية، وتظل كرمته كما كانت دائما صرحا من صروح الإشعاع الفكرى والثقافى.