بدأت حكومة الدكتور هشام قنديل حوارا مهما مع صندوق النقد الدولي, وزارت مصر للمرة الأولي السيدة كريستين لاجارد مدير عام الصندوق في زيارة خاطفة الأسبوع الماضي إلتقت خلالها بالرئيس محمد مرسي, كما أجرت مباحثات مهمة مع الدكتور هشام قنديل والدكتور فاروق العقدة والدكتور ممتاز السعيد حضرها وشارك فيها الدكتور عبد الشكور شعلان عضو مجلس إدارة الصندوق وممثل مجموعة الدول العربية. وخلال الزيارة أعلن رئيس الوزراء أن جميع شروط الصندوق مقبولة ولكنه لم يفصح عن هذه الشروط, في الوقت الذي بادرت فيه وسائل الإعلام بالترويج لمجموعة من السياسات مؤكدة أنها جزء من الإتفاق أو مطالب للصندوق منها علي سبيل المثال ما يتعلق بسعر الصرف, ومعدل عجز الموازنة, والدين المحلي ونسبته من الناتج المحلي, وغيرها من الأمور, وكل هذا لم يكن شروطا من الصندوق الذي إقتصر دوره علي الإستماع للمسئولين المصريين. كانت زيارة لاجارد سياسية في المقام الأول حيث توجهت لأكبر دولة في المنطقة, وجددت إلتزام الصندوق بدعم الإقتصاد المصري خاصة بعد الثورة, ولكنها أيضا أشارت إلي أن إستعادة حيوية الإقتصاد كسابق عهده مهمة ليست باليسيرة. الزيارة كانت للإستماع من الجانب المصري, والصندوق لا يضع برامج للدول ولكن الدول هي التي تقوم بإعداد برامجها الإصلاحية, وهناك بعثة ستصل إلي مصر أول سبتمبر المقبل لا لوضع شروط من الصندوق ولكن لمناقشة البرنامج المصري والتعرف علي الأليات التي ستستخدمها الحكومة لتنفيذ البرنامج مثل كيفية معالجة عجز الموازنة, والموارد التي يمكن إستقطابها لتخفيض هذا العجز, وحجم التمويل الخارجي المطلوب, وسياسات الحكومة لمكافحة التضخم, والتثبيت المالي, وغيرها من الأمور التي تتعلق بقدرة الدولة علي الوفاء بتعهداتها ومدفوعاتها الخارجية, وقدرتها علي خدمة الدين الخارجي, وسداد اقساط الدين. ولحسن الطالع أن الدين الخارجي المصري محدود, ويتم سداد الاقساط حتي الآن قبل موعدها, ولا تزيد خدمة الدين وأقساطه علي1.5 مليار دولار سنويا. المشكلة تكمن في الدين المحلي الذي زاد حجمه بما يماثل الناتج المحلي الإجمالي, والنسبة المقبولة عالميا تتراوح بين60 إلي65% من الناتج المحلي, كما ان خدمة هذا الدين في تزايد مستمر. ومن هنا فإن الصندوق لا يضع سياسات أو يفرض شروطا او برامج ولكنه يراجع البرنامج فنيا ويتأكد من سلامته ومطابقته للواقع من حيث البيانات والعلاقات المالية والتوقعات, ولا يتعدي دوره النصح, فيما يقرر في نهاية المطاف من واقع ما قدمته له حكومة الدولة العضو, وخبراته وخبرائه إمكانية الموافقة علي البرنامج من عدمه, علما بأن الإقتراض من الصندوق ليس هدفا في حد ذاته, ولكن الهدف هو الإتفاق والتوقيع معه علي سلامة البرنامج وقابليته للتطبيق, وبالتالي فإن هذا يعني للمقرض والمستثمر العالمي سواء كان دولة مانحة أو مؤسسة أن إقتصاد هذه الدولة يسير في الطريق الصحيح, وأنه لا خوف من إقراضها, وأن الإقتصاد قادر علي سداد إلتزاماته. مطلوب الشفافية الكاملة من الحكومة فيما يتعلق بمفاوضاتها مع الصندوق خاصة مع غياب البرلمان وتحول السلطات التشريعية للرئيس حيث ان البرلمان كان يناقش البرامج مناقشات تفصيلية ورأيه فيها كان يمثل الرأي الشعبي ومعبرا عن إرادة الجماهير التي إنتخبت ممثليها, اليوم مطلوب الشفافية والواقعية والمصداقية في إعلان تفاصبل البرنامج, وكافة المناقشات حوله مع الصندوق, والتعبير عن ذلك إعلاميا حتي يكون المواطن المصري مشاركا لحكومته في تقدير حجم المطلوب تنفيذه من سياسات علي أرض الواقع. من غير المقبول بعد الآن أن تظل الجماهير غائبة تطالب بتحسين أوضاعها وتنتظر الدعم في كل شئ, بينما تقوم الحكومة بتنفيذ سياسات تحتاج لتضافر جهود الشعب وربما تحتاج إلي مزيد من التضحيات من أجل مستقبل أفضل. الشفافية الكاملة مطلوبة, ولايجب أن تخطئ الحكومة وتتصور أن المواطن يمكن تغييبه عن المشاكل, ففي النهاية عدم مشاركة المواطنين في تحمل الأعباء يؤدي لزيادة المطالب والثورة في نهاية المطاف. المزيد من مقالات نجلاء ذكري