«الانتحار» مأساة إنسانية دقت ابواب أسر سكندرية. فعلى مدى40 يوماً من بداية شهر سبتمبر الماضى استيقظت المدينة الهادئة على صراخ أهالى شهدوا تسع محاولات للانتحار حصدت أرواح مصابين بالاكتئاب النفسى وبعدم القدرة على مواجهة مشكلات الحياة، ولم تختلف كثيرا اقوال الأهالي فى تحقيقات النيابة و دفاتر احوال اقسام الشرطة حول الملابسات و اختلاف طريقة الانتحار بين الشنق أو ابتلاع مواد مخدرة أو القفز من الشرفة أومن أعلى كوبرى ستانلى، و لم يشكل العمر او الطبقة الاجتماعية او طبيعة العمل اوالجنس اختلافا فتساووا فى نفس المصير. «صفحة ترام إسكندرية» تلقى الضوء على تلك الوقائع وتقدم الروشتة النفسية للمواجهة قبل ان تتحول الى ظاهرة. المنتحرون منهم الرجل الكهل فى محرم بك، والشاب الثلاثينى فى المنتزه، وفتاة فى العشرينيات فى المنتزه، والعامل الحرفى القادم من كفر الدوار ليلقى بنفسه الى البحر، والطالب الذى لم يتجاوز العشرين فى منطقة النخيل. ست حالات انتحار فارق مرتكبوها الحياة بينما انقذت العناية الالهية حالتين لطالبة لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها بمنطقة المنتزه ثانى عقب قفزها من شرفة المنزل لتعانى من كسور، و زوجة قررت الانتحار بالعامرية تعانى من ارتجاج و كسر فى الساق اليمنى. كل هؤلاء لم يجدوا حلا لمشاكلهم التى تنوعت بين فقدان الام و الخلاف مع شريك الحياة والرغبة فى الزواج و غياب العمل و تعاطى المخدرات ، هى قضايا ومشاكل انسانية يمر بها الملايين و يتغلبون عليها الا ان سيطرة الاكئتاب وفقدان الامل فى الحياة يحول الانسان الى مريض نفسى قد يقتل نفسه فى لحظة دون ادراك حقيقى. مرض نفسى الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية يوضح ان 90% من المنتحرين لديهم رغبة حقيقية فى الخلاص من حياتهم حيث يعانون من مرض عقلى يسمى ذهان الهوس الاكتئابى و يمثل درجة عالية من التوتر و الضغط العصبى الذى يؤدى الى خلل فى كيمياء المخ تؤدى الى خلق سوداوية فى الافكار و تسيطر عليه الافكار الضبابية و مشاعر اليأس و الاحباط و يتحول الى شخص مسلوب الارادة ، و النوع الثانى من المقدمين على الانتحار هو عملية انتحار لجذب انتباه الاسرة المحيطة بالانسان و غالبا ما تنتشر بين الفئات العمرية الشابة و تتعلق بمشاكل عاطفية او فى محيط الاسرة و قد تنجح المحاولة للظروف المحيطة بعملية الانتحار. طبقا للاحصائيات فانه فى كل 3 محاولات انتحار تنجح محاولة واحدة و ينصح بضروة وضع الحالات التى يتم انقاذها من محاولات الانتحار فى المستشفيات لتكون تحت الملاحظة لمدة يومين و يتم مراجعة المقدم على الانتحار من خلال اخصائى نفسى لتحديد طريقة التعامل معه . و عرض الدكتور وليد هندى مظاهر المقدم على الانتحار و التى تتمثل فى العزلة و غياب المشاركات الاجتماعية و اليأس من الحياة والاحباط وافكار ضبابية خاصة بالمستقبل واهمال فى النظافة الشخصية و تقلب فى مواعيد النوم وان تلك العلامات لابد من التعامل معها بشكل متخصص لتقديم المساندة النفسية و العلاجية لعدم وصول المريض الى مرحلة الانتحار. العلاج و قدم هندى حلولا علمية لمواجهة المشكلات و المصاعب وتقليل الضغوط و التوتر موضحا ان المشكلات اليومية والضغوط النفسية التى يتعرض لها الانسان لن تنتهى، وان أى مشكلة سواء كانت انسانية او مادية هى ليست الاولى او الاخيرة و لكن الانسان يخوض دائما سلسلة من المشكلات و ان ترسيخ هذا المفهوم فى عقل الانسان هو اساس استمرار الحياة و ان ثراء الشخصية بالخبرات الحياتية يتيح له قدرة اكبر على مواجهتها والتغلب عليها، مشيرا إلى اهمية ان يسعى صاحب المشكلة للحصول على الدعم الاجتماعى و النفسى، ومحذرا من التعامل مع المشكلات الحياتية من خلال اغلاقها فى عقل صاحبها لان تلك الخطوة هى بداية لمرض الاكئتاب، ناصحا بضروة خلق مساحة اجتماعية تحقق الدعم الاجتماعى من خلال مناقشتها مع الزوج او الاصدقاء او الاقارب لتحقيق ازاحة اولية للمشكلة او القضية التى تشغل تفكير الانسان مما يتيح مساحة من اعادة قراءة المواقف والتفكير فى بدائل و حلول و فتح ابواب الامل للاستمرار و التغلب على المشاكل. و اشار هندى الى ضرورة التعامل بواقعية مع الاحداث اليومية فى الحياة المحيطة بالانسان بكل تفاصيلها و توقع سلوكيات الآخرين من خلال معرفة الانماط السلوكية للشخصيات و كيفية التعامل معها، موضحا ان توقع سلوك الآخرين يتيح مساحة نفسية للانسان للعيش بضغوط نفسية اقل لانه سيقلل من تعرضه لصدمات حقيقية قد تؤدى الى الاكتئاب الذى يتطور الى الانتحار، مشيرا الى ضرورة التقليل من الانفعالات وتدريب الانسان لنفسه للانفصال نفسيا عن القضايا التى تؤرقه والتعامل من خلال قسمات وجه بلا انفعال حقيقى داخلى فى المواقف التى تحتاج الى حزم او الى انفعالات من خلال تلك المهارة السلوكية التى تنمى بالتدريب ويستطيع الانسان القيام بها فى مواقف التعامل مع الابناء او فى اطار العمل.