تحتل قضية تجديد الخطاب الدينى الأولوية فى معالجة الحالة الدينية فى الأمة فى عصرها الحاضر حتى تعود إلى سيرتها الأولي، انطلاقا من سنة الله تعالى الجارية حيث قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (سنن أبى داود/ 291). وتحرص دار الإفتاء المصرية على المساهمة الجادة فى مسيرة التجديد والإحياء للخطاب الدينى ومن ذاك: مؤتمرها العالمى الرابع بعنوان التجديد فى الفتوى بين النظرية والتَّطبيق تحت رعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية، حيث يكشف هذا المؤتمر الجامع عن سمات ورسائل الجهود التى تبذلها مؤسسة دار الإفتاء المصرية فى إطار تجديد الخطاب الدينى على المستوى المحلى والعالمي، مشاركة مع المؤسسات والهيئات الإفتائية فى العالم. وهى تشكل تكتلًا إفتائيًّا رصينًا، يعمل على ضبط صناعة الفتوى وتجديدها من حيثياتها المختلفة سواء كان ذلك فى المناهج أو الآليات أو التطبيق؛ فضلا عن تحقيق التكامل فيما يخص نشر الوعى الإفتائى الصحيح بين أفراد المجتمعات المسلمة، بما يسهم بشكل فعال فى تنمية هذه المجتمعات ورقيها وتحصينها أمام التحديات التى تواجهها. ويأتى هذا المؤتمر كمبادرة جادة لمواجهة قضايا الأمة المزمنة المتعلقة بالشأن الدينى والتى تمس الأمة واستقرارها وتعوق مجالات التنمية والبناء فى بلادها، حيث تضمنت محاوره معالجة قضايا التجديد فى الفتوى فى المستجدات الفقهية المختلفة، وما طرأ على واقع الفتوى فى العالم المعاصر، فضلا عما اشتمل عليه من فعاليات شرعية وعلمية واجتماعية مثمرة. ونظرًا لما يثار حول الأسرة وقضاياها من لغط شديد فى الآونة الأخيرة، حرصت دار الإفتاء من خلال هذا المؤتمر على المشاركة فى الجهود المبذولة من أجهزة الدولة المختلفة فى التصدى لهذه الظاهرة الخطيرة التى أفرزت تحولات اجتماعية كبيرة تهدد كيان المجتمعات وقيم الأسرة المتوارثة عبر التاريخ. وذلك من خلال ورشة عمل متخصصة بعنوان دور الفتوى فى معالجة المشكلات الأسرية والحد من ارتفاع نسب الطلاق، من أجل وضع تصور صحيح لظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق فى المجتمع ومظاهرها وأسبابها وطرق حلها، وعرض تجربة دار الإفتاء فى التعامل مع هذه الموضوعات. كما بادرت دار الإفتاء بوضع عدة خطوات عملية كإنشاء دليل إرشادى للمفتين للاستعانة به فى التعامل مع ما قبل وما بعد الطلاق، بالإضافة إلى طرح عدة مبادرات للتعامل مع المشكلات الأسرية الجديدة، والتى بلورت الإجراءات الوقائية والعلاجية التى من شأنها حماية الأسرة كتثقيف المجتمع وزيادة وعيه، وضرورة وجود ثقافة قضائية لدى المتقاضين من أطراف الأسرة عند حدوث نزاع قضائي. وينبغى أن يصاحب ذلك التصدى لقضايا الأسرة ومشكلاتها خاصة ظاهرة الطلاق وبقية فُرَق الزواج بالاجتهاد الشرعى والقضائى والتشريعى بحيث لا يتم التفريق إلا بعد استنفاد كل المخارج الفقهية والقانونية المعتبرة لذلك، خاصة أن واقع الحالات المعروضة علينا فى دار الإفتاء يؤكد أن عامة الناس اتخذت الطلاق يمينا مرتجلة يستعمل كثيرًا فى توافه الأمور، فضلا عن استعماله فى تأكيد صدق الأقوال أو جدية المطالب أو أمارة على إنفاذ الوعد. وبهذه الجولة الإجمالية فى رسالة وأعمال هذا المؤتمر العالمى الرابع تظهر بعض سمات مساهمة دار الإفتاء المصرية فى معالجة قضايا الأمة الراهنة، على الوجه الذى يراعى فيه مقتضيات العصر حتى يتحقق استقرار المجتمعات ويواكب المسلمون تطورات المعرفة ومكتشفاتها وإنجازاتها، وتتلاشى الظواهر السلبية التى تعوق مسيرة الفتوى عن طريق الاستقرار والبناء والعمران.