حرب الاستنزاف أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليين. استمرت لنحو ثلاث سنوات وفى ثلاث مراحل.اولاها مرحلة الصمود، كان الهدف منها هو سرعة إعادة البناء، ووضع الهيكل الدفاعى عن الضفة الغربية لقناة السويس، والثانية مرحلة الدفاع النشط أو المواجهة، والثالثة ومع تصاعد القتال إلى مرحلة جديدة أطلقت عليها مرحلة التحدى والردع، وذلك من خلال عبور بعض القوات والاغارة على القوات الإسرائيلية. والذى جعلنى اكتب هذه المقالة هو عندما تلقيت دعوة من مدير متحف القوات الجويه منذ شهرين لزيارة المتحف، فقررت الذهاب بصحبة ابنائى واحفادى وبعضهم مقيم بانجلترا وكندا وموجودون بالقاهرة اثناء العطلة الصيفية وبعض اقاربى ليشاهدوا تاريخ القوات الجوية التى شرفت بالخدمة بها عشرين عاما اعتبارا من عام 1968. فكنت شاهدا على هذه الاحداث المصيرية فى تاريخ مصر، بالمشاركة فى حرب الاستنزاف ونصر اكتوبر العظيم. ذهبت الى المتحف فى الصباح الباكر بصحبة هذه المجموعة التى تمثل ثلاثة اجيال من ابناء مصر وفوجئنا بما يحتويه هذا المكان الرائع من نماذج لجميع الطائرات التى دخلت خدمة القوات الجوية منذ انشائها عام 1932 الى اليوم، مع شرح متميز عن كيفية اتمام عملية الطيران ويحتوى ايضا على قاعات كبيرة شاهدنا فى احداها فيلما عن نصر اكتوبر العظيم بعنوان درع وسيف وفيلم عن معركة المنصورة الجوية اطول معركة طيران فى العصر الحديث، وفى نهاية الزيارة تفقدنا قاعة الشهداء لابطال القوات الجوية الذين استشهدوا فى حرب الاستنزاف. بدأت أحداث حرب الاستنزاف فى اول يوليو وبعد انتهاء حرب يونيو 1967 بعدة ايام بمعركة رأس العش ، وتعتبر هذه المعركة هى الشرارة الأولى لهذه الحرب ، عندما حاولت المدرعات الإسرائيلية احتلال مدينة بور فؤاد، فصدتها عن المدينة قوة من الصاعقة المصرية. وخلال يومى 14 و 15 يوليو 1967، نفذت القوات الجوية المصرية طلعات هجومية جريئة ضد القوات الإسرائيلية فى سيناء، أحدثت فيها خسائر فادحة.وكذلك معارك المدفعية فى قطاع شرق الإسماعيلية يوم 20 سبتمبر1967. ثم الحدث الكبير وهو إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات فى يوم 21 أكتوبر 1967. وكانت خسارة فادحة للقوات البحرية الإسرائيلية، كما كانت خسائرها كبيرة فى الأرواح. وتوالت الانتصارات المصرية فى المرحلة الثانية بنشاط من القوات البحرية التى اكتشفت هدفًا مائيًا شمال الإسكندرية، فاشتبكت معه الدوريات البحرية وأغرقته، ثم اتضح أنها غواصة إسرائيلية اسمها داكار، وبها 69 بحارًا كانوا فى طريقهم من بريطانيا إلى إسرائيل1969 وفى المرحلة الثالثة قامت مصر بثلاث عمليات تحت إشراف الضفادع البشرية البحرية المصرية بداية من ميناء إيلات وتدمير بعض القطع البحرية، ثم تدمير الحفار فى أبيدجان بساحل العاج، الذى كان متوجهًا بواسطة الاسرائيليين إلى خليج السويس ليقوم بإنتاج بترول مصرى لصالح اسرائيل. ولقد قام أبطال «المجموعة 39 قتال» التى كان يقودها العميد إبراهيم الرفاعى الذى استشهد فيما بعد فى حرب أكتوبر بأعمال بطولية سجلها لهم التاريخ ,فقد أوكلت إليهم مهام خطيرة وتم تنفيذها بنجاح خلال حرب الاستنزاف ، وكانت تلك المجموعة تضم خيرة مقاتلى الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية والتى أذاقت جيش الاحتلال الإسرائيلى الويل والأهوال. وكان الرد الإسرائيلى على هذه الانتصارات هو ضرب اهداف مدنية فى العمق المصرى معتمدا على التفوق الجوي، وقد اختارت إسرائيل هدفها فى نجع حمادي، وفى محطة محولات كهرباء السد العالى بالتحديد، حتى يكون التأثير محسوساً لدى الشعب كله مما أحدث بعض الخسائر الاقتصادية والحيوية، و ضربت مصنع أبو زعبل ومخازن دهشور ومدرسة بحر البقر فى إبريل 1970. أدى تفوق الطيران الإسرائيلى إلى تفكير مصر فى إنشاء سلاح للدفاع الجوى كقوة مستقلة، وتبعه إنشاء حائط الصواريخ الشهير حتى حدث تغيير هائل بعد يوم الثلاثين من يونيو 1970، ليحسم الصراع الدائر بين بناة مواقع الصواريخ المصرية وبين ذراع إسرائيل الطويلة، حيث احتلت بعض كتائب الصواريخ مواقعها من خلال تنظيم صندوقى لعناصر الدفاع الجوي، ابتكرته العقول المصرية فى قيادة الدفاع الجوى المصري. وبدأ عقب ذلك تساقط الطائرات الإسرائيلية فيما عرف بأسبوع تساقط الفانتوم، ليصاب الطيران الإسرائيلى بأول نكسة فى تاريخه أثرت على أسس نظرية الأمن الإسرائيلى بالكامل. وفى هذه الحرب ايضا وفى 8 مارس 1969 أشرف الفريق عبد المنعم رياض على اكبر معركة تمت على خط بارليف، بدأت بأكبر حشد نيرانى مؤثر منذ توقفت نيران حرب يونيو1967. واستمر هذا القصف ساعات متواصلة، حتى وصل حجم الخسائر الاسرائيلية الى تدمير 29 دبابة، و30 دشمة فى خط بارليف، وإسكات 20 بطارية مدفعية، وحرائق شديدة فى ست مناطق إدارية، وغير ذلك من الخسائر. وتعد حرب الاستنزاف أطول الحروب بين العرب وإسرائيل, وهى أول صراع مسلح تضطر إسرائيل فيه إلى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة وهو ما ترك آثاره السلبية على معنويات الشعب الإسرائيلى واقتصاد الدولة. وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلى أن القوات الإسرائيلية فقدت خلال حرب الاستنزاف أربعين طيارا و827 فردا فى القوات البرية و 3141 ما بين جريح وأسير.. وفى المجال الاقتصادى زاد حجم الانفاق العسكرى بما مقداره 300 فى المائة تحملها أفراد الشعب الإسرائيلى حيث بلغ نصيب الفرد 417 دولارا فى عام بينما كان 168 دولارا فى عام 1970 - 1966. أما عن الجانب المصرى فلم يكن يهتم إلا بالتدريب الجاد الشاق للوصول إلى أعلى درجات الكفاءة القتالية، وكذلك وقوف شعب مصر العظيم بكل امكاناته المادية والمعنوية لدعم قواته المسلحة انتظارا للحظة الحسم, وهو ما جعل الخبراء يؤكدون أنه لولا حرب الاستنزاف لاستمرت الحال على ما هى عليه، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف على كل قدرات وإمكانات العدو وهو ما مكن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذى تملكه فكانت مفتاح النصر والمفاجأة الكبرى التى أذهلت العالم فى أكتوبر المجيد. أتلقى الرسائل من ابنائى واحفادى واقاربى عن مدى اعجابهم وتأثرهم بهذه الزيارة وماقامت به قواتنا المسلحة وشعب مصر العظيم للحفاظ على وطننا الحبيب مصر الخالدة اول حضارة فى تاريخ البشرية. لمزيد من مقالات لواء د. محمد رضا عوض