«لكل حكاية بداية» وبداية حرب أكتوبر المجيدة بدأت قبلها بسنوات عقب نكسة 1967 مباشرة، حيث تواصلت الاستعدادات المصرية من خلال حرب الاستنزاف. ويؤكد اللواء أركان حرب على حفظى، رئيس جهاز الاستطلاع خلال حرب أكتوبر المجيدة، أنه عقب هزيمة يونيو بدأت ملحمة حرب الاستنزاف التى استمرت ما يقرب من ألف يوم، تم خلالها تنفيذ قتال فعلى لمدة 500 يوم، بواقع أكثر من 4 آلاف عملية على مستوى القوات المسلحة المصرية ككل، وفيها نجح المقاتل المصرى فى نقل حاجز الخوف إلى الضفة الغربية لقناة السويس، حيث تكبد الجانب الإسرائيلى سواء على خط الجبهة أو العمق كثيرًا من الخسائر، مما جعل القيادة الإسرائيلية تستنجد بالولايات المتحدةالأمريكية التى دعت بدورها إلى «مبادرة روجرز» للدعوة إلى وقف العمليات المصرية. ويشير اللواء حفظى إلى اعتراف «عزرا وايزمان» الذى كان مدير العمليات فى رئاسة الأركان الإسرائيلية وقتها، بأن حرب الاستنزاف هى أول الحروب التى انهزم فيها الجيش الإسرائيلى، لافتًا إلى أنها أبرزت الإعداد والاستعداد وخبرة القتال لدى الجيش المصرى، مما يجعلها مرحلة مهمة من المراحل التى أهلتنا للنجاح فى حرب 73 بحكم الخبرات القتالية التى نالها الجيش المصرى منها. ويتفق اللواء عادل سليمان «قائد اللواء 12 مشاة خلال حرب أكتوبر»، مع ما سبق، مشيرا إلى أن حرب الاستنزاف مرحلة مهمة جدًا على الصعيدين المعنوى والمادى، لاستعادة الثقة بالنفس للمقاتل المصرى والشعب، بعد أن أثرت حرب 1967 على معنويات الشعب والجيش، مضيفا أنها كانت أول قتال متلاحم بين مصر وإسرائيل على مختلف الأصعدة الحربية التى تضم القطاعات الجوية والبحرية والبرية، وهو ما أدى لاكتساب الخبرة لدى المقاتل المصرى، والتى تؤكد أن المقاتل الإسرائيلى مقاتل ضعيف، وعلى عكس ما روّجه اليهود بأنه لا يقهر، ما كبد العدو الإسرائيلى خسائر فادحة، مشيرا إلى أن أهم درس خلال حرب الاستنزاف هو التعرف على القدرات ومواجهة العدو الإسرائيلى، وكانت مجالًا خصبًا للاستعداد للمعركة والتدريب على الحرب بالحرب، وهى من أهم الدروس المستفادة. ويشير اللواء يسرى قنديل، رئيس جهاز الاستطلاع باستخبارات القوات البحرية فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، إلى أنه عقب هزيمة يونيو 67 كانت المهمة الرئيسية للقوات البحرية إعادة بنائها، ورفع كفاءتها القتالية، ورفع استعدادها القتالى والروح المعنوية بعد هزيمة يونيو، وذلك عبر الخوض فى الأعمال القتالية النشطة لإلحاق أكبر خسائر به للحصول على التفوق البحرى، مضيفا أن إسرائيل حينما احتلت شبه جزيرة سيناء، زادت مساحة السواحل التى تسيطر عليها إلى 6 أضعاف سواحلها، حيث احتلت سواحل شمال سيناء حتى بورفؤاد، والضفة الشرقية لخليج السويس وخليج العقبة وميناء شرم الشيخ، وتحققت لها حرية الملاحة فى البحر الأحمر، وهو ما دعا البحرية المصرية فى حرب الاستنزاف إلى استغلال عمق المسرح البحرى العربى، فتمركزت بعض وحداتها بميناء طرابلس بليبيا، والبعض الآخر مثل المدمرات والغواصات وسفن الإبرار البحرى فى «بورسودان، الحديدة، وعدن» لبعدها عن خطر الطيران الإسرائيلى، ومن هذه الأماكن كان يتم تدريب هذه الوحدات على مهام العمليات. ويضيف قائلا: «القوات البحرية المصرية قامت ب9 عمليات بحرية جريئة ضد بحرية إسرائيل، وفى نفس الوقت قامت البحرية والطيران الإسرائيلى بالرد عليها عبر العديد من العمليات، حيث قامت البحرية المصرية يوم 21 أكتوبر 1967 بإغراق المدمرة إيلات، وردت إسرائيل بقصف معامل تكرير البترول الزيتية بخليج السويس فى 24 أكتوبر 1967، متابعًا أنه فى شهر يناير عام 1968 أغرقت البحرية الغواصة الإسرائيلية داكار أمام ميناء الإسكندرية، وفى سبتمبر 1969 قامت إسرائيل بإنزال 7 مجنزرات بشمال خليج السويس بحرًا، ودمرت بعض المنشآت ثم انسحبت، لافتا إلى أن القوات المصرية استمرت فى العمليات ضد إسرائيل، ففى نوفمبر 1969 قصفت المدمرات المصرية مخازن ومستودعات البترول والذخيرة الإسرائيلية بمنطقة رمانة بصواريخ هوك، كما قصفت كذلك منطقة بالوظة شرق بورسعيد بعمق 40 كيلومترًا، وتسببت فيها بخسائر كبيرة لإسرائيل». ويؤكد قنديل أنه بعد ذلك بدأت الإغارة الأولى للضفادع البشرية على ميناء إيلات شمال خليج العقبة، وأغرقت الضفادع البشرية السفينة «هيدروما ودهاليلا» فى فبراير عام 1970، وكانت الإغارة الثانية على ميناء إيلات بالضفادع البشرية، وأغرقت السفينة «بات يام»، وأصابت ناقلة الجنود «بيت شيفع»، وبعد ذلك فى شهر مارس عام 1970 أغارت الضفادع البشرية على الحفار الإسرائيلى «كينتنج» فى ميناء أبيدجان بساحل العاج وأغرقته، وفى مايو سنة عام 1970 أغارت الضفادع على ميناء إيلات، ودمرت الرصيف الحربى لميناء إيلات، مشيرا إلى أن إسرائيل قامت بالرد على الأعمال بعملية إنزال جوى بجزر شدوان، دمرت بها نقطة مراقبة مصرية على الجزيرة، وفى مايو سنة 1970 أغرقت اللنشات البحرية المصرية سفينة الأبحاث الإسرائيلية أمام بحيرة البردويل، وهى سفينة تقوم بدراسات لتقليص الثورة السمكية المصرية، مختتما أنه عقب ذلك جاءت مبادرة روجر لوقف إطلاق النار، وتوقفت الأعمال القتالية لحين بدء حرب أكتوبر.