45 عاما مضت على حرب التحرير. تحرير الارض وبسط السيادة وتأريخ حديث لأمة أزاحت عن كاهلها آثار هزيمة بفعل جيل من أبنائها البررة. جيل من العسكريين النبلاء والأكفاء قادوا المعركة وانتصروا. انتصروا لليابس والبشر. بثوا الكبرياء والسمو وأعادوا للشعب الثقة فى نفسه وفى جيشه وفى جدارة قادته الحقيقيين. جيل من العسكريين تجاوزوا التلسن والتشفى من نخب معطوبة بخطابها الانهزامى المخوخ الباعث على الخمول والسخط والانسحاق وجلد الذات. جيل من العسكريين تعالوا على خطابات نخب اعتادت على التكسير والتحطيم والتشكيك من أجل حفنة مصالح ضيقة عبر باقاتها التى تلوثت وبات الابيض منها أكثر دنسا. جيل من العسكريين أنصتوا لضمائرهم وارتكزوا على صلابة تاريخ وطنهم ولبوا نداء شعب أراد محو الهزيمة واستعادة الكرامة. وأبدا لم تنجح. فقد صاح السلاح واستيقظ وكتب اشرف المعارك على أنغام خلى السلاح صاحى. إنه يوم السادس من اكتوبر 1973 «عيد النصر يا رجال» نصر اعاد الجيش به وطنه وشعبه. واستقبل الشعب به جيشه فصار الحب واصلا وأمسى الكبرياء صفة لشعب وجيش جمعتهما ارض سوداء بطينها ذى التاريخ الطويل والذى جسده الرئيس الراحل محمد انور السادات عندما خرجت من فمه طلقاته فى خطاب النصر فى السادس عشر من اكتوبر 1973 عندما قال لقد كنت اعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثى عنها رجما بالغيب ولا تكهنا. لقد خرجت من صفوفها وعشت بنفس تقاليدها وتشرفت بالخدمة فى صفوفها. هذه المقدمة وإن بدا منها أنها تتحدث عن جيل مر عليه ما يزيد على الاربعة عقود، الا ان المؤسسة التى افرزت هذا الجيل كانت ومازالت وستظل تفى بوعودها كدرع حامية للوطن بأرضه وشعبه. ونظرا للتلسنات والاشارات والايماءات التى تذكر هنا وهناك فى العديد من وسائل الاعلام فى الفترة الاخيرة عن دور العسكريين ومدى تدخلاتهم فى الشأن السياسى العام. فإنه كان لزاما التذكير بدور هذه المؤسسة. إذن فهذا الجيش ومؤسسته منذ اكتوبر 1973 كان حاسما ومساهما لمقومات دولة عصرية ناشدت النهضة وارتكنت لتاريخ طويل من الدفاع عن السيادة الوطنية. ولكن فى الفترة الاخيرة ثارت تساؤلات كثيرة عن مشاركة العسكريين فى السياسة كيف تنشأ هذه المشاركة السياسية. ولماذا وتحت اى ظروف يحتمل إلى حد كبير أن يشتغل العسكريون بالنشاط التشريعى والسياسى المقبول دستوريا. ان مشاركة العسكريين فى الحياة السياسية ليست ظاهرة عابرة، ففى ظل التسليم بوجود دور سياسى مباشر وغير مباشر للعسكريين يطرح تساؤل مفاده: ما هى حدود هذا الدور؟ وللاجابة على التساؤل يمكن القول إن الاطار الموضوعى للدور السياسى للعسكريين فى دولة كمصر، يفترض التطرق الى عدد من النقاط، اولها تلك الخاصة بالتاريخ الوطنى الثابت للجيش المصرى من مرحلة مبكرة، واهم معالمها الثورة العرابية التى قادها عسكريون مثل عرابى والبارودى ومحمد عبيد، ثم حرب فلسطين التى ابرزت احمد عبدالعزيز وعبد القادر طه، واستشهاد الفريق عبد المنعم رياض فى حرب الاستنزاف، إضافة الى ثورة يوليو 1952 التى جسدت الدور الوطنى للعسكريين المصريين. ثانيها هى المتعلقة بكون الحركة السياسية المباشرة للجيش المصرى قد اتخذت فى الغالب صف الحركة الوطنية المدنية، لم تتخذ شكل قمع هذه الحركة او الاستيلاء على السلطة السياسية فى سلسلة من الانقلابات العسكرية على نحو ما يحدث فى بلدان اخرى، مثل دول امريكا اللاتينية وبعض دول القارة السمراء. ومن هنا فالميراث العسكرى المصرى فى التاريخ الحديث والمعاصر يؤكد ان العسكريين ينشغلون بالنشاط السياسى فى حالات فراغ السلطة او فى المراحل الانتقالية او اذا كانوا يمثلون ضلعا من اضلاع ثورة شعبية، كما حدث فى عامى 1952 و2013، عندما استدعيت المؤسسة العسكرية للحفاظ على امن البلاد وايقاف العبث بمقدراتها، ووضعت خارطة للطريق وافق عليها الشعب فى استفتاء عام على الدستور، حتى وصل الامر إلى اختيار احد ابناء المؤسسة رئيسا منتخبا عبر صناديق الاقتراع. قد يكون هناك عدم قدرة للحكومة على توفير مصادر منظومة العدالة الاجتماعية. ومشكلات هائلة فى رفع هذه المنظومة وتعزيز مستوى معيشة المواطنين بتطوير الخدمات العامة. وقد تكون هناك فجوة جغرافية فى مؤشرات التنمية البشرية ونصيب الفرد وتوزيع الدخل والاستهلاك ومؤشر الثقة فى الحكومة بأكملها. ويضاف إلى ذلك افتقاد السياسات الاجتماعية المقترحة من الحكومة لآليات تمويلها وتوقيتات حصد نتائجها. وقد تكون هناك تكلفة هائلة لبرامج الاصلاح الاقتصادى والهيكلى وقد تضررت منه الطبقة الوسطى بأكملها وطبقة كبيرة من الفقراء. إلا أن هذا لا يعنى النيل من المؤسسة الحامية لتراب الوطن ومقدراته وتأمين المواطن ومستقبله. مؤسسة أفرزت وتفرز وتصنع رجالا يدركون معنى كلمة وطن. لمزيد من مقالات صبرى سعيد