منذ أن قامت المؤسسة العسكرية المصرية بتسليم سلطة البلاد فى 30 يونيو الماضى بعد انتخابات رئاسية بالاقتراع «شبه الحر» المباشر.. فوز تيار الإسلام السياسى – الإخوان المسلمون تحديداً – واعتلاء المرشح الاحتياطى عرش البلاد.. فقد انزوت هذه المؤسسة العسكرية – التى وعدت فأوفت بالتاريخ والإجراءات – وعادت الى ثكناتها لتمارس دورها الرئيسى الوطنى الذى تمارسه عبر تاريخها الطويل البطولى والمشرف والحامى لاستقرار البلاد واستقلالها. ولكن منذ نجاح جماعة الإخوان المسلمين ووصولها الى حكم مصر فى جمهوريتها الثانية.. وفى أقل من نصف عام من حلف الرئيس الذى ينتمى الى هذه الجماعة شكلاً ومضموناً وايديولوجياً، شهدت مصر وتشهد اختلالاً سياسياً وأزمات على كافة الأصعدة لم تمر بها طوال تاريخها، أهمها الانقسام الوطنى وتهديد تماسك البنيان الاجتماعى من خلال مجموعة الإجراءات والاختراعات التى قامت بها الجماعة والرئيس المنتمى لها.. حتى وصلنا للاستفتاء على دستور يتسم بالعوار والاعوجاج ولا يليق بأمة عرفت الدساتير المدنية الحديثة قبل ان توجد دول بأكملها على الخريطة.. بل الأكثر أن التصويت على هذا الدستور تم بإرشادات وتلميحات وسياسات من جماعات الإسلام السياسى على أنه يمثل الشرعية والشريعة، ولكنه كان فى حقيقة الأمر يمثل تهديداً لهوية مصر الحضارية المدنية والأخطر من ذلك – ونتيجة سياسات الجماعة وقرارات الرئيس – أدت الى دق إسفين الفرقة بين أبناء الوطن الواحد حتى وصل الأمر الى أن السيد مرشد الجماعة يخرج علينا بتصريحه الأخير الذى ينال به من شرف وكرامة وكبرياء المؤسسة العسكرية ابتداءً من «جنودها الطيعين وانتهاء بالقادة الفاسدين» ومرد وتفسير ذلك التصريح أن الظروف التى مرت بها البلاد خلال الشهور الخمسة الأخيرة والقرارات المتضاربة والاستحواذ على السلطة وأخونة البلاد من خلال سيطرة أو محاولة سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وخلق بيئة سياسية تهدد تماسك اللحمة الاجتماعية، ومع تزايد الحراكات الاجتماعية والسياسية من شارع ملتهب وقوى سياسية بكافة أطيافها وأيديولوجيتها استشعرت الخطر على الأمة المصرية جراء هذا التعنت السياسى وممارسة كافة أنواع الفاشية والمقاومة الشرسة من اطياف دينية مثلت متاريس أيديولوجية تحول دون نهوض وتعافى البلاد للوصول الى الدولة العصرية الحديثة، «دولة كل المواطنين والمجتمع المفتوح ودولة المؤسسات وسيادة القانون.. دولة مدنية حقاً شكلاً ومضموناً». كان من الطبيعى أن يفكر البعض فى اللجوء الى مؤسسته العسكرية الوطنية التى كانت منذ ثورة 1952م حامية للمدنية ودرعاً لها.. ولكن هل عقيدة المؤسسة العسكرية هى الانقلاب.. التاريخ يؤكد نفى هذا الاعتقاد جملة وتفصيلاً، إلا أن هذه المؤسسة هى ملك الشعب وحامية للشعب وليست ملكاً لنظام أو حاكم مهما كان.. مؤسسة تدرك حق الوطن واستقراره وتماسكه الاجتماعى.. مؤسسة تدرك طبيعة المرحلة وطبيعة الدور فى هذه اللحظات فستظل المؤسسة العسكرية صاحبة التاريخ الوطنى الثابت منذ مرحلة مبكرة أهم معالمها الثورة العرابية التى قادها عسكريون وطنيون مثل: عرابى والبارودى ومحمد عبيد وصولاً الى ثورة 1952 م التى جسدت الدور الوطنى للعسكريين المصريين رغم الاختلافات على تقييم المرحلة.. إلا أن المؤكد أن الحركة السياسية المباشرة المؤسسة العسكرية المصرية قد اتخذت صفة الحركة الوطنية المدنية دائماً.. وليفهم من تصوروا أنهم سوف يغيرون التاريخ والمستقبل.. وللحديث بقية.