"حماة الوطن" يحشد لدعم مرشحيه في "الشيوخ" بسوهاج (فيديو وصور)    وزير التعليم: مناهج اللغة العربية الجديدة تدمج القيم الأخلاقية وتراعي الفروق الفردية    "لو عايز تغير مسارك المهني".. تفاصيل دراسة التمريض المكثف بتنسيق الجامعات 2025    محافظة الجيزة تعلن الانتهاء من إصلاح كابل منطقة ساقية مكى.. وتعتذر للمواطنين    أقل من 4000 جنيه رسميًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الكبير    كوريا الشمالية: لا نهتم بمبادرات السلام مع سول    منها السيارات والأدوية.. الاتحاد الأوروبي يوافق على رسوم 15% على واردات أمريكية    فرنسا: إسرائيل تسعى لاستعادة الأسرى لكن حماس تقتل مزيدًا من جنودها    العراق.. القبض على 14 من عناصر الحشد الشعبى بتهمة اقتحام دائرة زراعية فى بغداد    "10 براميل زيت وأتوبيس".. السيطرة على حريق داخل مصنع كريازي بالعبور- صور    استمرار الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين 28 يوليو    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    بالصور.. اصطدام قطار بجرار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالبحيرة    بالصور.. إيهاب توفيق يتألق في حفل افتتاح المهرجان الصيفي للموسيقى والغناء بالإسكندرية    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    4 انفجارات متتالية تهز العاصمة السورية دمشق    الخارجية السودانية تدين إعلان قوات الدعم السريع «حكومة وهمية» وتطلب عدم الاعتراف بها    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 28 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 28 يوليو    وائل جسار ل فضل شاكر: سلم نفسك للقضاء وهتاخد براءة    رسمياً تنسيق الجامعات 2025 القائمة الكاملة لكليات علمي علوم «الأماكن المتاحة من الطب للعلوم الصحية»    منها «الاتجار في المخدرات».. ما هي اتهامات «أيمن صبري» بعد وفاته داخل محبسه ب بلقاس في الدقهلية؟    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار كرتونة البيض في الأسواق اليوم الاثنين 28 يوليو 2025    تتخطى 2000 جنيه.. قائمة أسعار باقات الإنترنت الأرضي وكروت الشحن الفكة في مصر    تنسيق الثانوية العامة 2025 بالقاهرة.. درجة القبول والشروط لطلاب الانتظام والخدمات    «مكنتش بتاعتها».. بسمة بوسيل تفجر مفاجأة بشأن أغنية «مشاعر» ل شيرين عبدالوهاب.. ما القصة؟    مدرب بيراميدز يهاجم تحديد موعد المباراة تحت درجات حرارة قاتلة: "الأمر يتعلق بصحة اللاعبين وليس بالمنافسة"    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    كريم رمزي: جلسة مرتقبة بين محمد يوسف ونجم الأهلي لمناقشة تجديد عقده    العام الدراسي الجديد.. الخريطة الزمنية الرسمية للعام الدراسي 2025–2026    السيطرة على حريق أعلى سطح منزل في البلينا دون إصابات    حسين الشحات: لن أرحل عن الأهلي إلا في هذه الحالة، والتتويج أمام الزمالك أسعد لحظاتي    تنسيق الكليات 2025، الحدود الدنيا لجميع الشعب بالدرجات والنسب المئوية لطلبة الثانوية بنظاميها    بعد 26 ساعة من العمل.. بدء اختبار الكابلات لإعادة التيار الكهربائي للجيزة    ردا على الأهلي، ماذا فعل الزمالك مع زيزو قبل لقاء القمة؟    الغندور يعلن رحيل نجم الزمالك.. ويكشف وجهته المقبلة    مقتل 4 على الأقل إثر خروج قطار يحمل نحو 100 راكب عن مساره جنوب ألمانيا    القبض على عاطلين متهمين بهتك عرض زميلهم بشبين القناطر    إسرائيل تفرض رقابة عسكرية مُشددة على المُراسلين الأجانب الراغبين في دخول غزة    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بمدينة الخانكة    عبد الكريم مصطفى ينتظم في تدريبات الإسماعيلي بعد تعافيه من الإصابة    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    أحمد نبيل: تعليم الأطفال فن البانتومايم غيّر نظرتهم للتعبير عن المشاعر    وزير السياحة: ترخيص 56 وحدة فندقية جديدة و60 طلبًا قيد الدراسة    متخليش الصيف ينسيك.. فواكه ممنوعة لمرضى السكر    معاناة حارس وادي دجلة محمد بونجا.. أعراض وأسباب الإصابة ب الغيبوبة الكبدية    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    المعهد القومي للكبد: مصر حققت إنجازًا عالميًا في القضاء على فيروس "سي"    سعر الدولار فى التعاملات الصباحية اليوم الاثنين 28-7-2025 فى البنوك    الفندرى: الصفاقسى أتم تعاقده مع على معلول 3 مواسم.. ونرحب بعودة المثلوثى    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    رغم ارتفاع درجات الحرارة.. قوافل "100 يوم صحة" تواصل عملها بالوادى الجديد    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلان الدستوري المكمل بين الدولة المدنية والدولة العسكرية

النفوذ العسكري في المجال السياسي ليس مسألة قاصرة على المجتمعات التسلطية، ولكنها ظاهرة من الشيوع لدرجة أن الدراسات المتخصصة التي اهتمت بهذه القضية في المجتمعات الديمقراطية تفوق نظيرتها في المجتمعات التسلطية. وتكون القضية أكثر إلحاحا في حالة الدول التي تتحول ديمقراطيا من حكم العسكر إلى الحكم المدني.
وهو ما يقتضي بالضرورة أن نفرق بين نوعين من النظم السياسية في العالم: نظم تسلطية ونظم ديمقراطية. بل إن الكثير من الباحثين اعتبروا "السيطرة المدنية" (Civilian Supremacy) بمعنى الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية شرطا من شروط تحول الدول من التسلط إلى الحكم الديمقراطي وهو ما جعل روبرت دال، كأحد أهم منظري الديمقراطية، يعتبر أن مجرد وجود انتخابات حرة ونزيهة ودورية في دولة ما، ليس دليلا على رسوخ ديمقراطيتها، وإنما المعيار الأسمى هو "ألا توجد جهة أو مؤسسة غير منتخبة تمارس حق الرقابة والنقض على قرارات مؤسسة منتخبة." وهو يقصد بذلك تحديدا ألا توجد مؤسسة أعلى من المؤسسات المدنية المنتخبة سواء كانت تلك المؤسسات دينية (مثلما هو الحال بالنسبة للمرشد الأعلى في إيران) أو عسكرية (مثلما هو الحال في باكستان). لذا كان النظر إلى ظاهرة "عسكرة" مؤسسات الدولة كخطر ضخم على رسوخ الديمقراطية واستدامتها.
فالخطر في النظم التسلطية يكمن في رفض العسكر للرقابة المدنية على نحو يكون له تأثير سلبي على الفعالية العسكرية، حيث تلعب القوات المسلحة في هذه النظم دوراً مزدوجاً، فهي تقوم بدور المدافع عن الدولة وسيادتها ضد الأعداء الخارجيين من جهة، كما تقوم في الوقت نفسه بالدفاع عن النظام وحمايته من خصومه ومتحديه في الداخل بما يفضي إلى "تسييس المؤسسة العسكرية" ما يؤدي إلى قدر كبير من النفوذ السياسي، وتصبح محاولة تغيير هذا النمط من العلاقات – كجزء أصيل من عملية التحول الديمقراطي - أصعب كلما زادت الامتيازات التي تمتعت بها المؤسسة العسكرية.
وبعد إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإعلان دستوري مكمل يحدد صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب، وما تضمنه ذلك الإعلان من إعادة ترسيم للعلاقة بين الرئيس وبين المؤسسة العسكرية، تلك العلاقة الجديدة تعد استمرارا ً للوضع الاستثنائي وتعقيداته وتعطى المجلس الأعلى سلطة سياسية في مواجهة الرئيس المنتخب. وتثيرا تساؤلاً حول السلطة الأعلى في البلاد وعن تبعية المؤسسة العسكرية لرأس السلطة التنفيذية المنتخب. الأمر الذى يتطلب إلقاء الضوء على الوضع الأمثل للعلاقات المدنية العسكرية في الدول الديمقراطية، وكذلك التعرض لتاريخ العلاقات المدنية العسكرية في مصر واستعراض الميراث الدستوري المصري فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية.
العلاقات المدنية العسكرية .. ما ينبغي أن يكون
تقوم على مبدأ "السمو المدني" .. وتميز بين الاستقلال المؤسسي والاستقلال السياسي
يقصد بالعلاقات المدنية العسكرية (أنماط علاقات الانصياع والضبط والتأثير فيما بين القوات المسلحة والقيادة المدنية السياسية للدولة)، وبناءً عليه تتحدد درجة عسكرة الدولة والمجتمع وفقاً لغلبة تأثير كل من القوات المسلحة والقيادة المدنية على الآخر.
(بينما يمكن أن تكون هناك سيطرة مدنية بدون ديمقراطية فإن الديمقراطية لا يمكن أن توجد بدون سيطرة مدنية) هكذا عبر "ريتشارد كون" عن مبدأ "السمو المدني" أو "السيطرة المدنية" بمعنى أن تحتكم كل الجماعات المختلفة داخل الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية إلى القواعد الديمقراطية، وأن يتقبلوا المؤسسات (السلطات) الرئيسية في الدولة كإطار شرعي ووحيد للتفاعل السياسي، بحيث يرسم القانون والدستور حدود هذه العلاقة وطبيعتها لتكون جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المؤسسة العسكرية.
الانتقال والتحول:
تجدر الإشارة إلى أن الدول تمر عادة في أعقاب الثورات بمرحلتين، الأولى هي (الانتقال الديمقراطي) وتكون مهمتها الأساسية إخراج الجيش من السياسة وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي (التحول الديمقراطي) كعملية ممتدة وأكثر عمقاً، تؤدي في حال نجاحها (لترسيخ) النظام الديمقراطي عن طريق معالجة قضايا العلاقات المدنية العسكرية وهو ما قد يتطلب وقتاً يمتد لعدة سنوات.
مخاطر الهيمنة العسكرية:
تتمثل معضلة العلاقات المدنية العسكرية في التوفيق بين بعدين رئيسيين، الأول هو أن تكون القوات المسلحة قوية وقادرة على مواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي، والثاني أن ما تملكه القوات المسلحة من قوة وأدوات قهر لا يجب أن يستخدم ضد النظام السياسي الذي أوجدها عن طريق القيام بانقلابات عسكرية، أو زيادة النفقات والامتيازات العسكرية بشكل يستنزف موارد المجتمع.
وترتبط هيمنة العسكريين على سلطة الدولة بعدة مخاطر تتعلق بطبيعة المؤسسة العسكرية، تتمثل أولى هذه المخاطر في "التعدي على الحريات العامة" حيث أن المؤسسة العسكرية لا تعرف سوى الأوامر والانصياع لها دون نقاش في حين أن الحريات تعد جوهر الفكرة الديمقراطية وهو ما ينذر "بعسكرة المجتمع" والتعامل معه بمنطق (الثكنة) وأن (المواطنين) هم (جنود) عليهم تنفيذ الأوامر، يضاف إلى ذلك القيود على "حرية تداول المعلومات والشفافية" حيث تعتمد المؤسسة العسكرية على السرية، وفي مسعى المؤسسة العسكرية لإحكام سيطرتها على جوانب الحياة المدنية تلجأ إلى "عسكرة المناصب المدنية" عن طريق تولى أشخاص ذوي خلفية عسكرية وظائف عامة مثل الوزراء والمحافظين والمناصب التنفيذية الكبرى في الدولة.
الاستقلال المؤسسي والاستقلال السياسي:
كثيراً ما يساء فهم عبارة "الرقابة المدنية على الجيش" بدعوى عدم جواز التدخل في الشئون العسكرية، لذا فمن الضروري التفرقة بين (الاستقلال المؤسسي) و(الاستقلال السياسي)، إذ أن الأول يتعلق بالاستقلال المهني للجيش لطبيعة عمله المحترفة، في حين أن الاستقلال السياسي يعني رفض الجيش أو مقاومته للرقابة المدنية ليصبح سلطة موازية أو أعلى من المؤسسات السياسية، ولذلك نجد أنه كلما تراكمت السلطات في يد المؤسسة العسكرية وتغولت مصالحها، تكون أكثر تمسكاً بمكاسبها ورفضاً للرقابة عليها مما قد يهدد بفشل التحول الديمقراطي.
السبيل لتحقيق سيطرة مدنية:
تشير الدراسات إلى مدخلين رئيسيين في سبيل تحقيق السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية وهما توافر دعائم الحكم الديمقراطي، وإعادة تعريف أدوار ومهام القوات المسلحة.
فيما يتعلق "بتعزيز الحكم الديمقراطي" فلابد من "خضوع" المؤسسة العسكرية للسلطات الثلاث في الدولة، فالمؤسسة التشريعية تلعب دوراً في الرقابة على أعمال المؤسسة العسكرية وإقرار ميزانيتها بينما السلطة القضائية تلعب دوراً هاماً في جعل العسكريين مسئولين أمام القانون، إضافة إلى اتباع الحوار البناء كآلية ل "بناء الثقة" بين العسكريين والمدنيين، وهو ما يتطلب "دعم" كافة القوى في المجتمع لعملية السيطرة المدنية (مثل: الإعلام، الجامعات، الأحزاب .. وغيرها).
لم تعد القوات المسلحة وسيلة فقط لمواجهة العدو، في ظل النظام العالمي بحيث أصبح للقوات المسلحة "أدوار جديدة" في التنمية والتعاون مع الدول الأخرى، مثل امتداد دورهم للمهام التي لا تستطيع السلطات المدنية إنجازها كمواجهة الكوارث البيئية وغيرها، إضافة للمشاركة في جهود حفظ السلم والأمن الدوليين والذي من شأنه أن يستوعب الطموح السياسي للعسكريين في النظم حديثة التحول نحو الديمقراطية مما يعمل على دعم عملية التحول الديمقراطي.
العلاقات المدنية العسكرية المصرية
بين 1952 و2011
قامت المؤسسة العسكرية على مدار التاريخ المصري القديم والحديث بدور محوري في تنظيم المجتمع وفي تشكيل الحياة السياسية المصرية. فقد مرت العلاقات المدنية العسكرية في العصر الحديث بعدة محطات هامة أولها بناء الجيش المصري الحديث في عهد محمد علي باشا منذ عام 1820، مروراً بثورة عرابي عام 1881، ووصولاً إلى ثورة 1952 والتي أعادت تشكيل دور المؤسسة العسكرية في مصر على الصعيدين المجتمعي والسياسي. ولعل تلك العلاقة الوطيدة بين العسكر والمجتمع سببها أن الشعب يرى أن ولاء المؤسسة العسكرية للشعب والوطن وليس للنخبة الحاكمة، فالشعب هو عماد الجيش وبالتالي يكون له الولاء الأعلى.
وقد أعادت ثورة 23 يوليو 1952 صياغة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والشعب، حيث تحولت المؤسسة العسكرية من حامي الوطن إلى حاكم الوطن. واعتمدت شرعية النظام الجمهوري الذي استمر ستة عقود على وضعية شديدة الخصوصية للمؤسسة العسكرية في المجتمع المصري، مما سمح بسيطرة شبه مطلقة للمؤسسات الأمنية الممثلة في الجيش والشرطة وأمن الدولة والمخابرات وغيرها على كافة أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية سواء كانت سياسية أو اقتصادية، رسمية أو غير رسمية، عامة أو خاصة. ولعل ذلك التوغل الأمني في المؤسسات المدنية يعود إلى منطق "الأمن القومي" الحاكم للعلاقات المدنية العسكرية منذ قيام ثورة 1952 التي ترى تهديداً لأمن الدولة القومي في كل تحرك بعيد عن نمط النظام الحاكم. وهو ما يفسر سبب سيطرة الأجهزة الأمنية والسيادية حتى الآن على ملفات سياسية ومجتمعية بالأساس مثل ملفات سيناء والنوبة والمسيحيين إلى جانب بعض ملفات السياسة الخارجية ليكون للجيش إسهامه في إدارتها وتحديد أولوياتها. وبذلك تكون المؤسسة العسكرية قد شاركت في تكريس الطابع البوليسي للنظام، وخلقت حكماً شبه عسكري بعيداً عن أحد أهم مبادئ ثورة 1952 وهي (إقامة حياة ديمقراطية سليمة).
وعند تقييم العلاقات المدنية العسكرية في تلك العقود الست، نجد أن أكبر دليل على عسكرة الدولة المصرية هو تولي أربعة رؤساء عسكريين متتاليين لرئاسة الجمهورية. كما لم تتغير عقيدة تمثيل القيادات الأمنية في مؤسسات الدولة المختلفة خلال تلك العقود. فقد ظلت القيادات الأمنية من الجيش والشرطة تتولى مناصب المحافظين، والوزراء، ومناصب رفيعة في المجالس المتخصصة، ومؤسسات الرئاسة، وعضوية البرلمان بمجلسيه، إلى جانب رئاسة شركات القطاع العام.
وبشكل عام، فعلى مدار الستين عاماً الماضية، مرت المؤسسة العسكرية بعدة منحنيات، فبعد أن كانت هي السلطة الحاكمة فعلياً على رأس كافة المؤسسات في عهد عبد الناصر إتباعاً لمبدأ الاعتماد على أهل الثقة وليس أهل الخبرة، تناقصت تلك الهيمنة العسكرية المباشرة على مؤسسات الدولة في عصر السادات، ليعلوا نجم المؤسسة العسكرية ثانية على المستوى الشعبي بعد انتصار 1973. واستمر ذلك إلى أن تم اغتيال السادات على يد أحد جنوده وتولى مبارك الحكم. وبدأ مبارك في العمل على إقصاء كافة القيادات العسكرية الأكثر شعبية، لتتوارى المؤسسة العسكرية عن الأعين وينفرد بالحكم المطلق، وإن احتفظت الدولة بطابعها البوليسي والأمني في أسوأ صوره اعتماداً على أجهزة وزارة الداخلية وليس الجيش. وبذلك احتفظت المؤسسة العسكرية بهيبتها ورونقها التاريخي لدى الشعب مما ساعدها على الظهور بمظهر "المُخَلِص" في نظر الكثيرين مع توليها إدارة المرحلة الانتقالية.
وعند تقييم العلاقات المدنية العسكرية في ظل المرحلة الانتقالية حتى الآن، نجد أن الوضع التاريخي والاستثنائي للمؤسسة العسكرية المصرية الذي جعلها فوق مستوى المحاسبة والرقابة المدنية طوال ستة عقود منذ قيام ثورة 1952هو ما يدفعها إلى محاولة تجنب الصدام المباشر مع القوى المدنية قدر الإمكان حفاظاً على تاريخها ومستقبلها وعلاقاتها الدولية، كما أن النخبة السياسية المدنية لن تقبل بالخضوع للمؤسسة العسكرية لما فيه من تهديد شخصي لوجودها خاصة بعد ما عانته سابقاً تحت القيادات العسكرية والأمنية المتعاقبة. ولكن على الرغم من ذلك حدثت العديد من الأزمات والصدامات بين الإرادة المدنية والإرادة العسكرية خلال الفترة الانتقالية منذ أزمة تعديل دستور 1971 وإيقاف العمل به والاستفتاء عليه، إلى أزمة قوانين مجلسي الشعب والشورى وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وأزمة الجمعية التأسيسية للدستور، بالإضافة إلى أزمات تشكيل الوزارات وبطء استجابة المجلس العسكري للمطالب الشعبية، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وتجاوزات الشرطة العسكرية والجيش ضد المدنيين في أكثر من واقعة إما بالتدخل أو بالامتناع عن التدخل مثل حادثة بورسعيد وانتهاءاً بإصدار الإعلان الدستوري المكمل الذي انتقص من صلاحيات الرئيس القادم لصالح المجلس العسكري وجعل من المؤسسة العسكرية كيان فوق الدولة، خاصة بعد تشكيل مجلس الدفاع الوطني بأغلبية عسكرية.
ففي خطوة تخالف القواعد الديمقراطية وتزيد من تغلغل المؤسسة العسكرية في السياسة، قام المجلس العسكري بتشكيل مجلس الدفاع الوطني، ليضم 11 عسكري و6 مدنيين. يخالف هذا القرار القواعد الديمقراطية فهو من جهة تعدى على سلطة الرئيس القادم الذي أوشك أن يتسلم السلطة من المجلس العسكري، ومن المفترض أن يكون هو المسئول عن تشكيل هذا المجلس، ومن ناحية أخرى نجد تغليب للعسكريين على المدنيين في تشكيل المجلس، والأصل في تشكيل هذه المجالس في الدول الديمقراطية أو تلك التي تمر بمرحلة التحول الديمقراطي، أن تكون الغلبة للمدنيين على العسكريين كنوع من الرقابة المدنية على العسكريين ومن ثم توسيع سلطاتهم في بناء نظام ديمقراطي. كذلك طريقة التصويت بالأغلبية المطلقة) 50%+1)، وهو ما يعني وفقا لهذا التشكيل عدم تمرير أي قرار إلا بموافقة العسكريين. ويزيد تشكيل هذا المجلس من الغموض حول طبيعة العلاقات المدنية العسكرية في الفترة القادمة بعد انتخاب الرئيس، ومدى قدرة هذا الرئيس على خلق نوع من الرقابة المدنية على تدخل العسكريين في السياسة حتى نستطيع بناء نظام ديمقراطي سليم نتخلص فيه من عيوب ال 60 عاماً الماضيين.
رئيس الجمهورية في دساتير مصر من 54 إلى 71
تمر مصر الثورة بأدق لحظات الفترة الانتقالية، فهي تواجه تحديين كبيرين، التحدي الأول هو تسليم السلطة لرئيس منتخب بصلاحيات واضحة وكاملة. أما التحدي الثاني فهو كتابة الدستور المصري، وإعادة رسم خريطة العلاقات وتوازنات القوى داخل الحياة السياسية المصرية بوجه عام. وبعد الإعلان الدستوري المكمل أصبح تحقيق التحدي الأول محل شك، خاصة بعد تماهي صلاحيات الرئيس مع المجلس العسكري. وفيما يلى قراءة سريعة لصلاحيات رئيس الجمهورية في الدساتير المختلفة (1954، 1964، 1971).
البداية مع دستور 54 الذى لم يتم العمل به قط، حيث استهدف استبعاد ثوار يوليو عن الحكم فأهملوه. وقد تبنى دستور 54 صيغة الدولة البرلمانية، ومن أهم خصائص هذا الدستور أن رئيس الجمهورية لا يملك سلطة منفردة قط، وهو يتولى جميع سلطاته بواسطة وزرائه، وتوقيعاته لا تَنفُذ إلى أن يوقع معه رئيس الوزراء والوزير المختص، وهو لا يستقل بأمر إلا تعيين رئيس الوزراء، وهذا الأمر محكوم بثقة مجلس النواب. أما دستور 64، فقد صدر عقب الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961، وقد استمر العمل به حتى عام 1971. وفى عام 1971 دعا الرئيس السادات إلى وضع دستور جديد للبلاد، وشكلت لجان من أجل ذلك ثم عرض الدستور لاستفتاء شعبي وتم إقراره. ويمكن تلخيص أهم ملامح تلك الدساتير في الآتي:
مدة الرئاسة: حدد دستور 54 فترة الرئاسة بخمس سنوات قيدت بمدتين كحد أقصى، بينما دستورا 64 و71 حددا فترة التولي بست سنوات دون وضع حد أقصى.
دورة القوانين: في دستوري 64 و71، للرئيس حق الاعتراض على القوانين، وترد مرة أخرى للبرلمان. ويستلزم أغلبية خاصة "أغلبية الثلثين" للتغلب على الاعتراض، وهو ما يعطى قوة أكبر لرئيس الجمهورية ويمكنه من تعطيل القوانين ويعطيه سيطرة سياسية على البرلمان، وذلك بخلاف دستور 54 الذى لا يشترط أغلبية خاصة من البرلمان لتمرير القانون مما يعطى للبرلمان استقلالية في مواجهة رئيس الجمهورية.
قرار الحرب: تلزم الدساتير الثلاثة حصول رئيس الجمهورية على موافقة البرلمان "فقط" لإعلان قرار الحرب، وتتضح هنا أهمية استقلاليته البرلمان كقوة مرشِّدة لقرارات رئيس وعامل توازن غاية في الأهمية.
الطوارئ: لم تذكر حالة الطوارئ فى دستور 54 ولكن بناء على طلب من رئيس الجمهورية وموافقة البرلمان، يمكن نقل بعض السلطات للحكومة لمواجهة الاضطرابات أو أية أخطار جسيمة تهدد الدولة، على أن تكون تلك السلطات الممنوحة مؤقتة وللبرلمان أن يسحب بعض تلك السلطات أو كلها في أي وقت. بينما يعطى دستور 71 للرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ ويشترط موافقة البرلمان عليها، على أن تكون مؤقتة بمدة. وقد كان من مكتسبات ثورة 25 يناير التي انتزعها الشعب بنفسه ما تم تعديله في استفتاء مارس 2011 بخصوص إعلان حالة الطوارئ فيما يعد نقلة نوعية سياسياً ودستورياً، حيث يتم حصر المدة في ستة شهور فقط، ثم يصبح الاستفتاء المباشر من الشعب هو المحدد الوحيد لاستمرار حالة الطوارئ من عدمها، بعيدا عن تعسف رأس السلطة.
سابقاً هيمن الرئيس بسلطاته على المؤسسات الدستورية الأخرى، فهو من يمثل الدولة في الخارج والداخل، ويعين 10 أعضاء من مجلس الشعب، ويعين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، ويصدر اللوائح، ويمكنه عبر تفويض برلماني إصدار القوانين، ويصدر القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق العامة، ويحل البرلمان، وعبر سيطرته على الحزب يمكنه تمرير القوانين والمعاهدات. لكن المعضلة لم تكن دستورية فقط، فرغم تغول سلطات الرئيس الدستورية، إلا أن الاستبداد كان قائماً على ركيزتين أساسيتين، الأولى هي تحكمه في المؤسسة البرلمانية عن طريق التزوير والتضييق على المنافسين. والثانية كانت حالة الطوارئ التي كانت تمرر دورياً عبر البرلمان مما أتاح للنظام القديم وأجهزته القمعية التحكم في المجتمع المصري بصورة تامة.
كما أن العلاقات الدستورية ليست المحدد الوحيد، فهناك واقع القوة على الأرض، فالعلاقات الدستورية في مصر أقرب ما تكون إلى غطاء قانوني بدلاً من كونها الإطار الذى يرسم الحدود الفاصلة بين كل سلطة وأخرى. على سبيل المثال الدور الذى قام به المجلس العسكري في تشكيل الجمعية التأسيسية في ظل الأزمات السابقة رغم عدم وجود سلطات دستورية تخول له ذلك، الأمر الذي وصل إلى حد إصدار إعلان دستوري مكمل يعطى للمجلس العسكري حق تشكيل تلك الجمعية في حالة فشل الحالية.
كما يعطي الإعلان المكمل للمؤسسة العسكرية دوراً سياسياً مهيمناً على رئيس الجمهورية وبالأخص فيما يتعلق بتبعية المؤسسة العسكرية للرئيس المنتخب، يأتي هذا في ظل مرحلة انتقالية شديدة الالتباس وهو ما يعطى مؤشراً واضحاً على حقيقة الحياة الدستورية المضطربة في البلاد، فالنصوص الدستورية وحدها لا تكفى للحماية من الاستبداد أو قيام حياة سياسية صحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.