المقدمة: قضية اليوم هي قضية الترتيبات الدستورية والمؤسسية لتنظيم علاقة المؤسسة العسكرية بمؤسسات الدولة الأخرى في عدد من دول العالم التي سبقتنا في طريق التحول الديمقراطي. وقد اخترنا اليوم عددا من النماذج التي تغطي مساحة واسعة من البدائل بدءا بالدول الراسخة في الديمقراطية، وهي الدول التي تحولت ديمقراطيا في فترات سابقة وظلت على احترام قيمها والالتزام بإجراءاتها وعملياتها حتى تصبح القيم الديمقراطية جزءا أصيلا من الثقافة السياسية للمجتمع، وقد اخترنا لهذا الغرض نماذج الولاياتالمتحدةالامريكية والهند وفرنسا للتعرف على وضع المؤسسة العسكرية فيهما. ومع الموجة الثالثة للديمقراطية والتي بدأت في سبعينيات القرن الماضي، خرجت عدة دول من عباءة الاستبداد تحت حكم عسكري مباشر إلى ساحة الديمقراطية وكان على هذه الدول أن تعالج قضية العلاقة الشائقة بين المؤسسة العسكرية التي كانت في السلطة مع القوى المدنية التي قادت عملية التحول الديمقراطي. ولهذا سنعرض لنماذج دول الجمهورية الفدرالية البرازيلية والجمهورية التشيلية وجمهورية البرتغال. ومع مقدمات انهيار الاتحاد السوفيتي ثم انهياره الفعلي، خرجت الدول الاشتراكية من عباءة نظم كانت تجمع بين الحزب الواحد المسيطر والمؤسسة العسكرية التابعة له. ومن هنا قدمت هذه الدول نموذجا ثالثا للترتيبات المؤسسية التي تجمع بين التحول عن الشمولية مع ضعف مؤسسات المجتمع المدني وبين السيطرة التامة على المؤسسات العسكرية. وفي هذا الصدد سنلقي الضوء على تجربتي جنوب افريقيا وأندونيسيا. كما شهدت دول العالم حالة من الديمقراطية تحت الوصاية العسكرية أو ما وصفته بعض الدراسات بالديمقراطية العسكرتارية. ورغما عن التناقض الكامن في تركيب المصطلح إلا أن عددا من الدول أفردت وضعا خاصا للقوات المسلحة كي كي تقوم بمهام الوصاية السياسية على القوى السياسية المتنافسة التي كان يخشى من عدم التزامها بقيم الديمقراطية. ومن هنا أصبحت المؤسسة العسكرية ليست كيانا سياسيا محايدا، وإنما هي طرف أصيل في العملية السياسية إلا أن ينجح تحالف الأحزاب في خلق فضائها السياسي الطارد للعسكر من الحياة السياسية بما يتطلبه ذلك من تعديلات تشريعية ودستورية. ويعد نموذجا تركيا وباكستان الأولى بالدراسة في هذا الصدد. الولاياتالمتحدةالأمريكية كتب- أحمد أبوبكر محمود: في الولاياتالمتحدةالأمريكية لا توجد أية وضعية خاصة للمؤسسة العسكرية فى الدستور، ويتقاسم الرئيس والكونجرس سلطة التحكم بالجيش وما يتعلق به من قرارات. فينص الدستور الأمريكي على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى لجيش وبحرية الولاياتالمتحدة. ويعين وزير الدفاع والقادة العسكريين. ولا يحتوى الدستور الأمريكي نصوصا تقضى بتشكيل مجلس للأمن القومي، ولكنه مجلس استشاري تابع لرئيس الجمهورية لتقديم المشورة في مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية. يترأس هذا المجلس رئيس الجمهورية ويضم فى عضويته بصفة قانونية نائب الرئيس ووزيري الدفاع والخارجية ويحضره رئيس الأركان ومدير المخابرات بصفتهم مستشارين بالإضافة للعديد من الشخصيات الأخرى كمستشار الرئيس للأمن القومي. أما فيما يتعلق بصلاحيات الكونجرس فقد أعطى الدستور الأمريكي للكونجرس حق إعلان الحرب أو تفويض استخدام القوة ضد دولة بعينها أو جماعة ما، كما أنه مخول دستورياً بتجهيز الجيش الأمريكي ومساندته من خلال سلطة الإشراف على أموال الدولة ويقوم الكونجرس أيضا بوضع قواعد إدارة وتنظيم القوات البرية والبحرية. ويعتمد ويناقش ميزانية الدفاع، حيث تختص لجنة القوات المسلحة في الكونجرس بمناقشة (السياسة الدفاعية بشكل عام، والعمليات العسكرية الجارية، وتنظيم وإصلاح وزارة الدفاع، وممارسة الرقابة التشريعية ). وفيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الرئيس والكونجرس بخصوص قرار الحرب، فإن قانون سلطات الحرب الذى شُرع في سنة 1973 يمهل رئيس الجمهورية 60 يوما إذا لم يحصل على التفويض من الكونجرس بشن الحرب، وفى حالة فشل الرئيس في الحصول على ذلك التفويض خلال تلك المهلة يتعين عليه تنفيذ قرار الكونجرس والبدء في سحب القوات الأمريكية من مسرح العمليات. جمهورية الهند يعتبر دارسو العلاقات المدنية العسكرية الجيش الهندي المثال الأبرز للجيش المهني غير المسيس رغم حجمه الكبير كونه ثاني أكبر جيش في العالم. ورغم كونه أكبر دستور في العالم والأكثر تفصيلا، لم يشر إلى المؤسسة العسكرية في الدستور، إلا في بعض المواد التي تشير بشكل أو بآخر إلى وجود رقابة مدنية على دور القوات المسلحة لمنع أي محاولة تدخل لهم في الشئون السياسية. فتنص المادة 53 أن: (رئيس الدولة هو القائد الأعلى لقوات الدفاع الخاصة بالاتحاد، وتنظم بموجب القانون ممارسة تلك السلطة)، وهو المسئول عن إعلان حالة الطوارئ لمواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي، وذلك وفقا للمادة 352 والتي تنص على ( إذا اقتنع رئيس الدولة بوجود حالة طوارئ خطيرة تعرض أمن الهند أو أمن أي جزء من أراضي الهند للخطر، سواء بواسطة حرب أو اعتداء خارجي أو عصيان مسلح، يجوز له أن يصدر إعلانا بهذا الشأن)، وذلك بناءً على موافقة مجلس الوزراء والبرلمان معاً. وفي محاولة لتنظيم العلاقات المدنية العسكرية، تم إنشاء(( مجلس الأمن القومي )) لتقديم المشورة في قضايا الأمن القومي، وجدير بالذكر عدم إشارة الدستور لهذا المجلس، حيث تم إنشائه بموجب قانون في عام 1998. ويضم المجلس في عضويته كل من مستشار الأمن القومي، ووزراء الدفاع والشؤون الخارجية، والداخلية، والمالية، ونائب رئيس لجنة التخطيط. ويمكن دعوة أعضاء آخرين لحضور اجتماعاته الشهرية عند الحاجة، ويجتمع الأعضاء بصورة شهرية. الجمهورية الفدرالية البرازيلية \أفرد الدستور البرازيلي فصلاً كاملاً عن المؤسسة العسكرية، ووضع مجموعة من الضوابط التي تحكم مهامها الرئيسية، فوفقاً للمادة 84 (رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو من يقوم بتعيين قادة سلاح الجيش، والبحرية والسلاح الجوي، وهو المسئول عن إصدار مرسوم بإعلان حالة الدفاع، أو حالة الحصار، أو حالة الحرب وذلك بعد موافقة الكونجرس الوطني). وتحدد المادة 142 المهام الرئيسية للمؤسسة العسكرية، فتنص على أن ((القوات المسلحة المكونة من سلاح البحرية وسلاح الجيش والسلاح الجوي، هي مؤسسات وطنية دائمة ونظامية، تحت السلطة العليا لرئيس الجمهورية، تقوم بالدفاع عن البلد، وضمان السلطات الدستورية، وكفالة القانون والنظام، بناء على مبادرة من أي من هذه السلطات))، ويتضح مما سبق خضوع المؤسسة العسكرية لسلطة رئاسة الجمهورية، كنوع من السيطرة المدنية، ولكن أوكل إليها مهمة ضمان و حماية السلطات الدستورية بشرط طلب أي من سلطات الدولة، حتي لا تكون هذه المهمة ذريعة للعسكريين للتدخل في الشؤون السياسية، وإن كان التخوف من تعسف أي من سلطات الدولة في استخدام هذا الحق. وفي نفس السياق، تنص المادة 142 على حظر انضمام العسكريين إلى النقابات وممارسة الإضراب؛ وكذلك حظر انتماء العسكريين إلى الأحزاب السياسية أثناء خدمتهم تجنبا لتدخل العسكريين في الحياة السياسية. كما تنص المادة "91" على إنشاء مجلس الدفاع الوطني وهو )هيئة يستشيرها رئيس الجمهورية بشأن المسائل المتعلقة بالسيادة الوطنية والدفاع عن الدولة الديمقراطية، بعضوية نائب رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الشيوخ الاتحادي، وزير العدل، وزير الدفاع، وزير العلاقات الخارجية، وزير التخطيط، قادة سلاح البحرية والسلاح الجوي)، ويعد غلبة الطابع المدني على تكوين المجلس (6 مدنيين في مقابل 3 عسكريين) تعزيزاً لمبدا السيطرة المدنية. وتتحدد مهام المجلس في إبداء الرأي في حالة إعلان حرب أو عقد صلح، وكذلك بشأن إصدار مرسوم بإعلان حالة دفاع، أو حالة حصار أو حالة تدخل اتحادي. كما تجيز المادة 136 لرئيس الجمهورية بعد استماعه إلى مجلس الدفاع القومي أن يصدر مرسوما بإعلان حالة دفاع، أو حالة حصار أو حالة الحرب بشرط موافقة الكونجرس الوطني. وجدير بالذكر أن معظم النصوص الدستورية التي تخص المؤسسة العسكرية تشير بشكل أو آخر إلى السيطرة المدنية على العسكريين كنوع من الرقابة وضمان عدم تدخلهم في الحياه السياسية والقيام بدورهم الأساسي وهو حماية البلاد. الجمهورية التشيلية حددت المادة 90 من الدستور مهام القوات المسلحة (بالدفاع عن البلاد وضمان الأمن القومي والنظام المؤسسي للجمهورية)، وكنوع من ضبط العلاقة بين المدنيين والعسكريين، بينت المادة 32 سلطات رئيس الجمهورية، حيث يحق للرئيس( تعيين وعزل قادة القوات البرية والبحرية والجوية، كذلك مدير جهاز الشرطة. كما أن الرئيس يتولي منصب القائد العام للقوات المسلحة في وقت الحرب، وهو الذي يعلن حالة الحرب أو الطوارئ بعد الموافقة عليها من قبل البرلمان، والعرض على مجلس الأمن القومي). ومثل ما حدث في البرازيل وفي محاولة لضبط العلاقة بين المدنيين والعسكريين تم إنشاء (مجلس الأمن القومي)، الذي يتكون من (رئيس الجمهورية ورؤساء مجلس الشيوخ والمحكمة العليا، والقائد العام للقوات المسلحة ومدير الشرطة ويكون رئيس هيئة الأركان العامة للدفاع الوطني أمينا عاما للمجلس )، بالإضافة إلى عضوية كل من وزير الخارجية، ووزير الدفاع الوطني،ووزير الاقتصاد والمال، ولكن دون حق التصويت داخل المجلس. وحددت المادة 96 مهام المجلس إذ تقتصر على تقديم المشورة إلى رئيس الجمهورية بشأن قضايا الأمن القومي بناء علي طلبه. وللمجلس إبداء الرأى للسلطات الدستورية بشأن أي فعل من شأنه إحداث خلل في النظام المؤسسي أو تهديد للأمن العام كما أن للمجلس الحق في طلب أية معلومات متعلقة بالأمن الداخلي والخارجي عن طريق أجهزة الدولة والتي تكون ملزمة بتقديمها له بقوة القانون، وتعاقب في حالة رفضها. يتضح مما سبق أنه عدم وجود وضعية خاصة أو مواد حصرية تتمتع بها المؤسسة العسكرية هناك، ولكنه مثله مثل الدستور البرازيلي هناك محاولة من قبل المدنيين للسيطرة والرقابة على العسكريين لضمان عدم تدخلهم في الشئون السياسية. جمهورية جنوب افريقيا ((يخضع الأمن القومي لسلطة البرلمان والسلطة التنفيذية الوطنية)) مادة 198 أفرد دستور جنوب إفريقيا فصلاً بعنوان "الأجهزة الأمنية"، مشتملاً على النصوص الدستورية الخاصة بالأمن القومي في الجمهورية، الذي يتكون من (قوة الدفاع، الشرطة، وأجهزة الاستخبارات)، كما أشار بشكل صريح إلى عدة مبادئ حاكمة تخضع لها أجهزة الأمن القومي تؤكد في مجملها على أهمية السلم والأمن الاجتماعي، في ظل أجهزة أمنية تخضع لسلطة القانون ومؤسسات الدولة المدنية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى تضمين الدستور فقرات تمنع الأجهزة الأمنية على أنواعها من التدخل في العمل السياسي، فتنص المادة 199 على أنه ((لا يجوز للأجهزة الأمنية ولا لأي من أفرادها في سياق ممارستهم لمهامهم، الإخلال بمصلحة تكون مشروعة -بموجب الدستور- لصالح أي حزب سياسي، ، أو دعم أي حزب سياسي، بطريق الانحياز له)). وقد أكد الدستور على ضرورة وضع مبادئ الشفافية والمساءلة موضع التنفيذ عن طريق لجان برلمانية تشرف على جميع الأجهزة الأمنية في الدولة. ((الهدف الأساسي لقوة الدفاع هو الدفاع عن الجمهورية والحفاظ على سلامة أراضيها وشعبها وحمايته وفقاً للدستور ومبادئ القانون الدولي المنظمة لاستخدام القوة)) مادة 200 ووفقا للمادة 202 فإن رئيس الجمهورية هو القائد العام لقوة الدفاع، ويحتكر قرار استخدام القوة حسب ما جاء بالمادة 201. ويفصّل الدستور في ذلك عدة حالات، وهي التعاون مع جهاز الشرطة في حفظ الأمن الداخلي في حالات الضرورة، والدفاع عن الجمهورية من الأخطار الخارجية، وكذلك الوفاء بالالتزامات الدولية (مثل المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية). كما تضيف المادة 203 حق رئيس الجمهورية في إعلان حالة الدفاع الوطني. وفي كل الحالات السابقة، فإن الرئيس عليه إبلاغ البرلمان بأسباب استخدام قوات الدفاع، وتسقط حالة الدفاع الوطني مالم يقرها البرلمان خلال سبعة أيام من إعلانها. كما تعد إشارة الدستور لإنشاء (أمانة مدنية للدفاع) وفقا للمادة 204 تحت توجيه الوزير المسئول عن الدفاع، دعماً لفكرة السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية والتي تعد سمة أصيلة للنظام الديمقراطي. يذكر أن دستور جمهورية جنوب إفريقيا كثيراً ما يشار إليه كواحد من أكثر دساتير العالم تقدمية، خاصة وأنه يعد نتاجاً لعملية تفاوضية بالغة التفصيل والشمول (1994 - 1996)، تم الحرص خلالها على عدم إقصاء أية شريحة من شرائح المجتمع، مما أفرز دستوراً يولي أهمية كبرى لحقوق الإنسان وحرياته، متيحاً بناء نظام ديمقراطي حقيقي قائم على احترام المؤسسات والقانون. الجمهورية الاندونيسية لا يحتوي الدستور الإندونيسي على وضع خاص للمؤسسة العسكرية في الدولة. فقد اختص الفصل الثاني عشر في الدستور بدفاع وأمن الدولة، لينص على أن مهمة الجيش الوطني الإندونيسي تتلخص في (الدفاع عن الدولة وحمايتها والمحافظة على وحدتها وسيادتها). كما أكد الدستور على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وإن لم يوضح الدستور شكل الرقابة على المؤسسات العسكرية والأمنية إن وجدت، كما لم يذكر وضع ميزانية الجيش وكيفية التعامل معها. ومن الجدير بالذكر أن المؤسسة العسكرية في إندونيسيا طالما احتفظت بوضعية خاصة ومحددة قانوناً في الدولة على المستويين الدفاعي والسياسي، وبخاصة في عصري سوكارنو (1945-1965) وسوهارتو (1966-1998). حيث أسس سوهارتو العقيدة المزدوجة للقوات المسلحة الإندونيسية لتضم الحفاظ على سيادة الدولة وفرض الأمن داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى الإشراف على سياسات الحكومة، هذا إلى جانب ضم الشرطة وأجهزة المخابرات لتكون تحت لواء القوات المسلحة، مفسحاً المجال لتغلل أفراد القوات المسلحة في مؤسسات الدولة بما فيها الحكومة والبرلمان، الذي تم تخصيص مقاعد فيه لأفراد القوات المسلحة والشرطة، إلى جانب تغلغلهم في الاقتصاد والاستثمار لتصبح المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة. ومع سقوط نظام سوهارتو، دفعت الضغوط الشعبية باتجاه مراجعة الوضع السياسي والاقتصادي للمؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد وهو ما تم بالفعل من خلال إلغاء العقيدة المزدوجة للقوات المسلحة وإلغاء المقاعد المخصصة لهم في البرلمان بشكل نهائي عام2004 . ولكن لا يزال للمؤسسة العسكرية نفوذها القوي على المستوى الشعبي، ولا يزال نفوذها الاقتصادي قائماً بشكل قوي. الجمهورية التركية يعتبر رئيس الجمهورية وفقاً للمادة 117 من الدستور التركي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، في حين يعد مجلس الوزراء مسؤولاً أمام البرلمان بخصوص الأمن القومي وجاهزية القوات المسلحة للدفاع عن البلاد. ويعين رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة بناءً على ترشيح مجلس الوزراء، يكون مسؤولاً أمام رئيس الوزراء، وفي أوقات الحرب يمارس القائد العام مهام القائد الأعلى فيما يتعلق بالقوات المسلحة. كما ينص الدستور في مادته 87، المعدلة في 2004، على أن مناقشة إقرار الميزانية وإعلان الحرب يعد حقاً للبرلمان، إلا أنه وفي حالات الضرورة، أو كان البرلمان في عطلة أو منحلاً، فيحق لرئيس الجمهورية إعلان حالة الحرب ويقوم بإجراءات نشر القوات وفق المادة 92. وفي خطوة للحد من نفوذ المؤسسة العسكرية وتدخلها في الحياة السياسية، تم في 2001 تعديل المادة 118 من الدستور لتنص علي زيادة عدد المدنيين في ((مجلس الأمن القومي)) (من 4 مدنيين إلى 9 في مقابل 5 عسكريين) علاوة على أن قرارات المجلس لم تعد ملزمة للحكومات كما كانت في السابق، وجدير بالذكر أن المجلس يرأسه رئيس الجمهورية، ويحل محله رئيس الوزراء في حال تغيبه، وهو ما يعكس قدراً من السيطرة المدنية. وقد وضعت تعديلات المادة 125 في 2010، حداً لحصانة قرارت المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث سمحت بالطعن على قرارته أمام القضاء، علاوة على تعديل المادة 145 التي حصرت اختصاص القضاء العسكري بالفصل في القضايا الخاصة بالعسكريين فقط دون المدنيين إلا في وقت الحرب. ومن الملاحظ أن التعديلات المستمرة التي أدخلت على الدستور التركي، تستهدف تعظيم الجوانب الديمقراطية في تركيا، خاصة في شأن العلاقات المدنية – العسكرية، وهو ما ظهر في تقليص سلطات واختصاصات العسكر بهدف الحد من تدخلاتهم في الحياة السياسية، خاصة وأن لتركيا ميراثاً من التدخل العسكري (4 انقلابات 1960، 1971، 1980، 1997). فضلاً عن سعي تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي يعزز من هذا التوجه، لأجل ملائمة المعايير الديمقراطية التي تقتضي حتماً وجود سيطرة مدنية فعالة.