عندما زرت بغداد قبل 15 عاما أفزعتنى مشاهد دور الصحف العراقية الحكومية وهى محترقة. آثار دخان الحرائق على الحوائط، وصمت المطابع كصمت القبور. والسبب أنها كانت صحفا تكرر عناوينها المعبرة عن سياسات سلبية للحاكم تعمل ضد مصالح شعبه فى التنمية والحياة الكريمة التى تتيحها موارد البترول والمياه وقدرات البشر التى صنعت حضارات مزدهرة فى بلاد الرافدين. فعندما لم ترتفع الصحف إلى مستوى حلم قرائها فقدت وظيفتها ولم يأبه المتضررون من حرقها. وعندما تحدث معى أحد المطلعين على أسرار العلاقة بين وزارة الإعلام فى بلده وبين صحف عربية، قال لي: هذه الصحيفة تأخذ 50 ألف ليرة دعما شهريا، والثانية تتلقى كذا، وغيرها تحصل على مبلغ كذا.. لهذا تجدهم يدافعون عن سياسة الدولة الممولة. وتاريخ تلقى بعض الصحف أموالا خارجية أو أموالا من السلطة الرسمية طويل، والخطر فى ذلك أن هذه الأموال يمكن أن تتحول إلى إدمان. فالمدمن إذا توقف عن التعاطي، فإنه يشعر بآلام، وإذا لم يتوقف فإن آثار المخدر فى دمائه. ومع الحروب فى المنطقة، وما يرافقها من إهلاك الموارد، فإن بعض الصحف تعرضت للحرمان من أحد مصادر تمويلها. لهذا فإنه من الأفضل أن يكون ما حدث للصحافة العراقية، وحاليا اللبنانية درسا تتعلم منه الصحافة العربية. وبهذا الصدد يمكن تطوير المادة الصحفية بحيث تتسم بالانفراد وعدم التكرار النمطى بالعناوين نفسها، وأيضا تطوير الأسلوب بالكتابة الجاذبة للقارئ فى شكل قصص مبنى على الحقائق. لعل هذا يزيد التوزيع ويجذب المزيد من الإعلانات، ولا نجد صحفا أخرى تعلن وقف صدورها. لمزيد من مقالات عاطف صقر