توفير الغذاء واحد من الملفات الساخنة في الشأن الدولي من أجل بحث فرص إيجاد سوق استثمارية جديدة في هذا المجال وإمدادها بالتكنولوجيا الحديثة التي تخلق بدورها الآلاف من فرص العمل الجذابة للشباب من جهة، وتعمل علي ربط النشاط الزراعي بالتجارة والتنمية الاقتصادية من جهة أخري. هذه هي التحديات التي ألقت بظلالها علي اجتماع الحاصلين علي جائزة الغذاء العالمية لعامي 2017 و2018 الذي عقد أخيرا بنيوزيلندا بحضور عدد من المهتمين بشأن الغذاء والزراعة في القطاعين الحكومي والأهلي، لبحث تعزيز جهود إنهاء الجوع. ومع وجود أكثر من 800 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من الجوع وأكثر من مليارين من المتضررين من سوء التغذية، لا يزال انعدام الأمن الغذائي يمثل تهديدا حقيقيا للتنمية العالمية. وكما يبدو من المشهد الحالي، فإن القارة الشابة أو «سلة الغذاء العالمي» كما يطلق عليها، لم تعد قادرة علي تلبية الاحتياج المتزايد عالميا أو إقليميا، فمن المتوقع بحلول عام 2050، وجود 38 مليون أفريقي يعانون الجوع. هذا التناقض في الثروات المباركة للقارة، يقابله فقر في جهود التكيف مع تغيرات المناخ الحادة كالجفاف والتصحر والسيول الجارفة، أيضا فإن الطبيعة السكانية التي يغلب عليها سن الشباب تظل مكبلة بمستويات بطالة مرتفعة تقارب الثلث من إجمالي420 شابا في المرحلة العمرية من 15-35 عاما، وهو ما يجعل الحاجة لرؤية متجددة وتحالفات استراتيجية دولية أهمية قصوي. وكما يري أكينومي أديسينا رئيس البنك الإفريقي للتنمية، فإن القارة الشابة لا تريد مساعدات بقدر ما تريد استثمارات حقيقية، مشيرا إلي أن مستقبل قضية الغذاء مرهون بالخطوات التي تتخذها إفريقيا، ويملك القطاع الخاص مفتاح التنمية في إفريقيا وبصفة خاصة في قطاعي الطاقة والزراعة. ولا يمكن أن يستمر الوضع الحالي طويلا، فنجد إفريقيا مكبلة باستيراد ما يجب أن تنتجه، حيث يبلغ المدفوع للواردات الغذائية 35 مليار دولار سنويا، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلي 110 مليارات دولار في 2025. ويدلل أديسينا علي ذلك بإحدي المفارقات الصادمة، قائلا إنه «علي الرغم من أن ثلثي إنتاج العالم من الكاكاو مصدره إفريقيا، فإنها لا تتلقي سوي 2% من العائدات السنوية البالغة 100 مليار دولار من الشيكولاتة علي مستوي العالم»، مشيرا إلي أن القيمة المضافة لما تنتجه الدول هي سر ثرواتها. الجهود الهادفة لإثارة حالة من العمل الجماعي العاجل من جانب الدول والجهات غير الحكومية في العالم من أجل تسريع وتيرة النمو والتحول الزراعي في إفريقيا، عززتها خلفية رئيس البنك الأفريقي للتنمية كوزير أسبق للزراعة والتنمية الريفية في نيجيريا من عام 2011 إلي عام 2015، وخلال هذه الفترة نفذ إصلاحات سياسة جريئة في قطاع الأسمدة وسعي إلي تنفيذ برامج استثمارية زراعية مبتكرة لتوسيع الفرص أمام القطاع الخاص، وكذلك كونه حاصلا علي جائزة الغذاء العالمية عام 2017. ووفقا لبيتر ميرلو، الرئيس التنفيذي لصندوق تنمية المشاريع الريادية الهولندي، يكمن مستقبل إفريقيا في نشر تكنولوجيات جديدة مثل الذكاء الصناعي والروبوتات في الزراعة، وهو الأمر الذي يلزمه تغييرات إيجابية للحوكمة والبيئات التنظيمية للأعمال، وكذلك دعم مبادرات إمداد القارة بالطاقة بوصفها أكبر عائق أمام الاستثمار في إفريقيا. ومن المتوقع أن تكون مبادرة «الصحراء من أجل الطاقة» الجديدة والطموحة من البنك الدولي والتي تهدف إلي توليد 10 آلاف ميجاوات من الطاقة عبر منطقة الساحل الأفريقي، عاملاً حاسماً في زيادة فرص الاستثمار والحد من الهجرة غير المشروعة للشباب.