يجدر بالمواطنين جميعا مسلمين ومسيحيين عدم الاستخفاف بالبيان الذى أصدره أسقف عام المنيا الانبا ماكاريوس بشأن جرائم الاعتداء على قرية دمشاو هاشم التابعة لمركز المنيا. فبعد أن قام الأنبا ماكاريوس بسرد تفاصيل الاعتداء الذى قام به بعض المتطرفين على المصلين داخل منازلهم وحرق المنازل وسرقة الأموال، ذَكَرَ أنه كان قد سبق أن تواردت أنباء عن عزم المتطرفين الهجوم على القرية و تم إبلاغ الجهات الرسمية بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الاعتداء، لكن قوات الأمن لم تصل إلا بعد قيام المتطرفين بتعدياتهم بعدة ساعات. كما ذَكَرَ الأنبا ماكاريوس أن متطرفين فى قرية مجاورة تدعى عزبة سلطان قد ارتكبوا الجريمة نفسها منذ أسابيع، وذلك دون ردع أو ملاحقة للمعتدين، وردد المعتدون على المصلين بقرية دمشاو هاشم بأنهم يفعلون ذلك أسوة برجال قرية سلطان. وفضلا عن ذلك، فقد سبق أن قرية دمشاو هاشم تعرضت منذ عام 2005 لهجمات مماثلة ولم يُلاحق أى من المعتدين جنائيا. كذلك فإنه لا يتوقف التحريض على ارتكاب هذه الجرائم على صفحات التواصل الاجتماعي. إنَّ حرص الدولة فى عهدها الجديد على إعمال مبدأ المواطنة ومبدأ سيادة القانون من شأنه بلا شك أن يَحِّدَ من عدوان طائفة على أخرى بسبب الدين. غير أنَّه من العسير أن تؤدى الملاحقة القضائية وحدها للحيلولة دون ارتكاب جرائم المتطرفين باسم الدين. إذ إنَّ هذه الملاحقة لا تأتى إلا بعد تمام ارتكاب الجريمة وقناعة الفريق المرتكب لها بشرعية ذلك. ومن ثمَّ يلزم التصدى للجريمة عند المنبع، وذلك باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة وفرض رقابة أمنية لتكشف عن المخططين لهذه الجرائم والمحرضين عليها؛ فالعقاب لا يكفل وحده منع وقوع الفعل رغم ما يحمله من ردع ووعيد، إذ إنَّ المجرم ما كان ليرتكب جريمته إلا وهو يأمل عدم الوقوع تحت طائلة القانون والإفلات من العقاب. ولن يُخرجنا من مستنقع الكراهية ورفض الآخر المختلف دينًا وتكفيره، وهى التربة الخصبة لما نشهد من جرائم، إلا القضاء على الرواسب الدينية والفكرية المضلِّلة التى تغلغلت فى ذهن فريق لا يستهان به من الشعب، خاصة فى المدن والقرى التى أدى الفقر والجهل فيها إلى التقاتل لكسب الرزق فضلا عن التعصب الديني. لذلك فإنَّ مواجهة هذا الداء الوبيل يجب ان تشتمل على عدة نواح. فيتعين أولا العمل على تغيير الوعى الزائف الذى تسلل إلى المجتمع المصرى منذ عقود وذلك بنشر الفكر المستنير والفهم الصحيح للدين الذى يدعو لعدم التفرقة بين البشر وذلك بكل الوسائل من إعلامية وتعليمية ودينية، وتصحيح للخطاب الديني. ولما كان لا سبيل لتحقيق ما سبق فى المدى القصير، فإنَّه يتعين أن يقترن ذلك بالعقاب الرادع لكل من يقف فى وجه هذه الجهود ومواصلة نشر الأفكار المضلَّلِة، وكذلك النص على أنَّ الدعوة إلى الكراهية ورفض الآخر المختلف دينيًا تشكلُ جريمة حتى ولو لم يترتب عليها فعلٌ جنائي. كذلك يجدر تكريس كل الجهود من جانب الدولة والمجتمع المدنى للنهوض اقتصاديًا وتعليميًا بالأماكن العديدة الأكثر فقرًا وجهلاً خاصة فى ريف مصر وصعيدها لتحقيق النقلة الحضارية والاقتصادية اللازمة. ذلك أنَّ هذه الأماكن التى ترزح تحت خط الفقر تعانى دائمًا ندرة فى الموارد والمهارات مما يخلق تنافسًا عنيفًا يصل إلى حد الصدام، يُضاف إلى الجهل الذى يدعو للتعصب. ومن البديهى أن يسبق كل ذلك المبادرة الجريئة من جانب الدولة ذاتها على فتح المجال للآراء المستنيرة التى تقوم على المبادئ التى تهدف إلى التوفيق بين الدين ومقتضيات العصر، ولنا فى ذلك مثل يُحتذى فى آراء الشيخ الجليل محمد عبده وفتاواه التى حوربت مؤخرًا شر حرب من قبل المتشددين وجماعات الإسلام السياسي. ومما يُذكر فى هذا المقام دعم الشيخ محمد عبده إنشاء مدرسة للفنون الجميلة عام 1908، بينما أفتى بعض الشيوخ المحدثين فى الحقبة الأخيرة بتحريم فن النحت، كما أفتى كذلك بشرعية فوائد البنوك مما دفع إلى إنشاء أول بنك وطنى مصرى على يد طلعت حرب، وذلك بينما مازالت الفتاوى العقيمة تقرر عدم شرعية تلك الفوائد. يجدر فى ضوء ما سبق أن نعى ضرورة الاستجابة فى الوقت المناسب واللازم إزاء كل ما يُرتكب من جرائم جنائية وكذا كل تضليل فكرى واجتماعى يرجع بنا إلى عصور الظلام ويؤدى إلى إهدار مواردنا البشرية والانتكاسة فى عالم الفكر والإبداع الذى يباعد بيننا وبين العالم المتحضر. لمزيد من مقالات د. فؤاد عبد المنعم رياض