ليس يكفي أن نبدي انزعاجا من حرب المصطلحات السياسية والفكرية والجغرافية التي تشن علي أمتنا العربية والإسلامية منذ سنوات ويسهم البعض منا- بقصد أو بدون قصد- في الاستسلام لهذه الهجمة الشرسة تحت دعوي استحقاقات عصر العولمة وضرورة ركوب قطارها السريع. إننا بحاجة إلي مجاراة العصر, ولكن ذلك ينبغي أن يكون في إطار منهج يدعو إلي توفيق بين مبادئنا التي نعتز بها وبين الجوانب الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية المميزة في الحضارة الحديثة دون إغفال أن لكل من الإسلام والحضارة الغربية أرضيته الخاصة ونمطه الحضاري المتميز. ولعل من البديهيات الثابتة في علم الاجتماع أن المجتمعات البشرية متنوعة في أنماطها الحضارية التي تشكل خلفيتها التاريخية وتؤثر في حياتها حاضرا ومستقبلا.. وهذه الأنماط الحضارية يرسم تفاصيلها التطور التاريخي للأمم في عقائدها وثقافتها وآدابها وفنونها وأعرافها وتقاليدها التي تشكل منظومتها الحيوية ووحدتها الداخلية. وإذن فإن أية دعوة جادة للمحافظة علي حضارة أي أمة بملامحها المميزة ووحدتها المتماسكة وشخصيتها المستقلة لابد أن تنطلق من فهم لضرورة الحفاظ علي المكونات الثقافية الذاتية وفي المقدمة منها المصطلحات التاريخية لكي لا تنقطع الأمة عن ماضيها وخصائصها وتذوب في حضارات أمم أخري. إن مجتمعنا العربي والإسلامي صاغه الإسلام منذ أربعة عشر قرنا صياغة حضارية انطلقت من رؤية متقدمة استشرفت آفاق الكون والحياة ومن ثم فإن أي تخطيط للتغيير الاجتماعي لابد أن يستند إلي الركيزة الحضارية والتاريخية للأمة حتي يمكن الحفاظ علي هذه الحضارة العربية الإسلامية بأسسها وخصائصها وضمان حمايتها من الانحراف أو السقوط أمام الحضارات الأخري! وعلينا أن ندرك أن المصطلحات التي نواجهها اليوم تختلف اختلافا كبيرا عن المصطلحات التي واجهها أسلافنا لأن المصطلحات في عصرنا الراهن ليست مجرد ألفاظ لغوية, وإنما هي مصطلحات تكمن وراءها منظومة حضارية تختلف في معطياتها ونتائجها عن منظومتنا الحضارية ونمطنا الاجتماعي. وأهم من ذلك كله أن الاستسلام لمنهج توسيع استعارة واستخدام المصطلحات الحضارية الأجنبية بدعوي أنها أصبحت لغة عالمية ربما يشكل مدخلا خطيرا لتهديد لغتنا العربية لغة القرآن التي تشكل الرابط الأساسي لوحدة العرب والمسلمين. خير الكلام: من يبلل يديه بالدم سوف يغسلها بالدموع! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله