هناك فرق كبير بين الإسلام كدين وحضارة, وبين الإسلام كسياسة ونظام حكم, والسبب أن الإسلام المجرد كدين وحضارة يعني مباديء ثابتة غير قابلة للتحريف, بينما تسييس الإسلام هو الذي يفتح الباب أمام من يريدون تشويه صورته اعتمادا علي ما وفرته لهم بعض الجماعات المتطرفة والمتشددة من ممارسات فجة لا تمت لجوهر الإسلام بصلة! وأغلب المعادين للإسلام والكارهين لحضارته- خصوصا في أوروبا وأمريكا- ينطلقون في حملتهم الظالمة ضد الإسلام من أرضية التعميم والشمولية وبإصرار غريب علي قراءة التاريخ بمنهج خاطئ, حتي يمكن لهم تغييب الدور الحضاري للإسلام وفضله علي العالم أجمع وفي المقدمة تلك الحضارة الأوروبية الغربية المزدهرة الآن والتي تنهل في الأساس من معطيات الفكر المتقدم والثقافة المستنيرة للوجود الإسلامي في أوروبا, عندما كانت الأندلس تحت الحكم الإسلامي تسبق في تقدمها و حضارتها سائر الدول الأوروبية جميعا! ورغم أن الإسلام كان هو الدين الأسبق في إقرار مبدأ الشوري كنموذج لديمقراطية الحكم قبل أن يعرف الناس ديمقراطية حقيقية يستوي فيها الغني والفقير والحاكم والمحكوم, فإن من المؤسف له أن بعض ما يقال الآن في معرض التحريض علي الإسلام والرغبة في افتعال صدام للحضارات يتمحور حول الادعاء بأن الإسلام معناه ديكتاتورية الحزب الإسلامي الواحد وأن الدليل علي ذلك قائم وموجود في أنظمة حكم إسلامية عديدة مثل إيران والسودان وأفغانستان, وأن ذلك يمثل مقدمة لانتشار توسع قادم ومحتمل في بقية دول العالم الإسلامي باسم حاكمية الله. والأغرب من ذلك أن يجري التعامل مع حرص الدول الإسلامية علي حماية خصوصياتها الثقافية ورفضها لمجاراة بعض أنماط التحرر الزائد الذي يقترب من الفسق والفجور ومخاصمة أبسط ما تحض عليه الأديان كافة- وليس الإسلام وحده- علي أن ذلك دليل علي وجود خطر يهدد الحضارة الغربية. والحقيقة أن الذين يقولون بذلك في أوروبا وأمريكا- رغم أنهم قلة محدودة- هم الذين التقطوا الخيط من التحليل المغرض للمفكر وليام هنتنجتون الذي طرح فكرة صدام الحضارات وحاول الترويج لعدم وجود أي إمكانية لتعايش الثقافات! وغدا نواصل الحديث..
خير الكلام: الجبان من يري الحق ولا يفعل سوي الباطل! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله