تصدرت صحف الأحد الماضى بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى لمحو الأمية الرقمية، خبرا مهما، بأن معدل الأمية فى مصر بلغ 25.8%، وقد انخفض خلال عشر سنوات بنسبة 4% إذ وصلت عام 2006 إلى 29.7%، كما انخفض خلال السنوات العشر السابقة عليها إلى 29.4% أى أقل من 1%، وكان الاحتفال العالمى بمكافحة الأمية يخص الأمية الرقمية، بينما الإحصاء عندنا كان يخص الأمية الهجائية أى القراءة والكتابة!. وحسنا أن يتصدر الخبر جميع الصحف ولو كان يوحى بأن إنجازا هائلا قد تحقق، وأن المعدل قد انخفض عن المعدلات السابقة وبالأرقام! وحسنا بأن يأتى تعليق كبار الكتاب بأن القضية يجب أن تكون هدفا قوميا، وأنها لم تلق الاهتمام الكافي، أو أننا نربأ بأنفسنا أن يكون بيننا 18 مليونا يجهلون القراءة والكتابة، وأن هذه الإحصاءات ينبغى ألا تمر مرور الكرام. والحقائق التى يكشف عنها الخبر صادمة، لأن انخفاض معدل محو الأمية خلال السنوات العشر السابقة بنسبة 4% فقط! رغم أنها قضية تعالجها الحكومات بالتشريعات منذ عام 1944، منذ القانون رقم 110 الصادر فى 17 أغسطس من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بقصد مكافحة الأمية ونشر ثقافة الشعب، وقد عهد تنفيذ القانون الصادر عام 1944 الى الوزارات والمحافظات والمديريات، وتوقيع غرامة على المخالفين سواء كان المواطن أو القائمين بالتدريس والمسئولين، وبأنه لا يجوز لمن لم يتم محو أميته الالتحاق بخدمة الحكومة أو المصالح التابعة لها أو المؤسسات والمصانع والمحال التجارية أو مزاولة الحرف أو إصدار الرخص أو قبول العطاءات. ولأن التشريعات وحدها لا تكفى لمعالجة القضايا، فلقد ظلت الأمية تطل علينا وواجهتها الحكومة بتشريع آخر بعد أكثر من ربع قرن بالقانون رقم 67/1970، واعتبرتها مسئولية قومية وسياسية وتلتزم بالقضاء عليها من خلال الاتحاد الاشتراكى العربى مع وزارة التعليم والوزارات الأخري، وتشكيل المجلس الأعلى لتعليم الكبار ومحو الأمية. واستمرت حال الأمية بيننا حتى صدر تشريع ثالث بالقانون رقم 8 لسنة 1991 أى بعد واحد وعشرين عاما، بإلغاء المجلس الأعلى لتعليم الكبار، وإنشاء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، وقد أعلنت الحكومة والهيئة توقيتات زمنية لاختفاء الأمية، وإنشاء إدارة مركزية بالوزارة ولها فروع بالمديريات والمحافظات لتولى التنسيق مع الهيئة والمحافظين لمحو الأمية، وأن تلتزم الوزارة بإعلان نتائج التنفيذ ضمن تقرير سنوى على أن يتم عرضه على مجلس النواب، ومع ذلك بقيت الأمية حتى واجهتها الحكومة بتشريع رابع برقم 131 لسنة 2009، اعتبرت محو الأمية واجبا وطنيا ومسئولية قومية وسياسية تلتزم بتنفيذها الوزارات والوحدات المختلفة والهيئة العامة والاتحاد العام للعمال والنقابات.. والأحزاب السياسية وغيرها، ويتمتع وزير التعليم بمسئوليته عن تنفيذ خطط وبرامج الدولة والتنسيق بين الجهات المختلفة لمحو الأمية وتكون للهيئة العامة فروع فى المحافظات وفرض عقوبات على المخالفين. ويأتى القانون الأخير بعد نحو خمسة وخمسين عاما بتعديل هيكل الهيئة وبإنشاء إدارة مركزية لمحو الأمية وإلغاء فروع المحافظات، والتنسيق مع وزارة التضامن والمحافظات والهيئة العامة لمحو الأمية ووضع الخطط العامة لمحو الأمية وتحديد مراحل تنفيذها، وأن تتولى الهيئة القومية لمحو الأمية المسئولية التنظيمية والفنية والرقابية.. ومع كل ذلك مازالت التشريعات قائمة والأمية باقية!. فبالله عليكم بعد هذا التاريخ الطويل ماذا نقول لأبناء الوطن عما آلت اليه هذه القضية، بوجود نحو 18 مليونا يجهلون القراءة والكتابة، رغم صدور التشريعات منذ عام 1944 ليظل معدلها بنسبة 25.8%، ونعلن عن انخفاض معدلها خلال عشر سنوات بنسبة 4%.. أى أننا بهذا المعدل نحتاج إلى سبعين سنة لمواجهة محو الأمية، وهو ما يكشف عن مسئولية الحكومات على مدى التاريخ منذ عام 1944 وحتى الآن. علينا ياحضرات أن نشدد على المسئولية والمساءلة، والأخذ بنتائج الأعمال وتنفيذ الخطط فالتشريعات وحدها لا تكفى فى ظل دساتير متعاقبة منذ دستور 1923 نصت على أن التعليم إلزامى وبالمجان، كما أكد دستور 71 أن محو الأمية واجب وطني، وفى ظل دستورنا الحالى نص بالمادة 25 على التزام الدولة بالقضاء على الأمية الهجائية، وكذلك الأمية الرقمية وفق خطة زمنية محددة! فماذا نحن فاعلون أيها السادة! لمزيد من مقالات ◀ د. شوقى السيد