انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    بركات: هذا ما يريده الأهلي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    المشاعر متغيرة .. نهى عابدين تكشف حقيقة رفضها للارتباط    عيار 21 بعد الانخفاض.. سعر الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة في الصاغة    أسعار اللحوم اليوم 3-5-2024 للمستهلكين في المنافذ ومحلات الجزارة    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    فصائل عراقية تعلن استهداف موقعين حيويين في تل أبيب بصواريخ كروز    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    «دفاع الشيوخ»: اتحاد القبائل العربية توحيد للصف خلف الرئيس السيسي    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    خالد الغندور: محمد صلاح «مش فوق النقد» ويؤدي مع ليفربول أفضل من منتخب مصر    إبراهيم سعيد: مصطفى شوبير لا بد أن يكون أساسي فى تشكيل الأهلي علي حساب الشناوي وإذا حدث عكس ذلك سيكون " ظلم "    «تغير مفاجئ في الحرارة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر والظواهر الجوية المتوقعة    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    في جناح ضيف بمعرض أبو ظبي للكتاب.. الدماطي يستعرض التواصل الحضاري الحي لمصرف    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    تحذير شديد اللهجة حول علامات اختراق الواتساب    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    ماما دهب ل ياسمين الخطيب: قولي لي ماما.. انتِ محتاجة تقوليها أكتر ما أنا محتاجة أسمعها    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بسعر 829 جنيها، فاكسيرا توفر تطعيم مرض الجديري المائي    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    سفير الكويت بالقاهرة: ننتظر نجاح المفاوضات المصرية بشأن غزة وسنرد بموقف عربي موحد    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب جديد..
«الخوف» يفضح الحروب الداخلية والحياة المروعة فى البيت الأبيض «1»
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 09 - 2018


► ترامب كاذب محترف .. يهين طاقمه ويسىء معاملتهم
► مستشار الرئيس سرق خطابا من على مكتب ترامب وقال : «يجب أن نحمى أمريكا»
أمريكا مقيدة بكلمات وأفعال رئيس زئبقى دائم التحول لا يمكن التنبؤ بأفعاله
► فريق الرئيس استخدم الإخفاء والتأجيل والمماطلة لمنعه من اتخاذ قرارات متسرعة
► ترامب «خطر محتمل» على الأمن القومى الأمريكى فى نظر وزير دفاعه وكبار مساعديه
فى أوائل شهر سبتمبر 2017، أى فى الشهر الثامن من رئاسة دونالد ترامب لأمريكا، توجه جارى كوهين، الرئيس السابق لشركة «جولدمان ساكس» المالية والمستشار الاقتصادى للرئيس، بحذر إلى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض حيث أوراق الرئيس وملفاته.
خلال السنوات ال27 التى قضاها فى «جولدمان ساكس»، جلب كوهين، وهو رجل طويل أصلع مليء بالثقة، مليارات الدولارات لموكليه وعملائه، كما جلب لنفسه ملايين الدولارات.
وعندما تم تعيينه فى منصب المستشار الاقتصادى للرئيس، منح كوهين نفسه امتياز الدخول إلى المكتب البيضاوى، وقد وافق ترامب على ذلك الترتيب ومنحه ذلك الامتياز.
على مكتب ترامب كانت هناك مسودة رسالة من صفحة واحدة من الرئيس الأمريكى موجهة إلى رئيس كوريا الجنوبية، لإنهاء اتفاقية التجارة الحرة بين واشنطن وسول.
كان كوهين مفزوعاً.
فعلى مدى أشهر، هدد ترامب بالانسحاب من الاتفاق التجارى مع كوريا الجنوبية، الذى هو أحد أسس العلاقات الاقتصادية، والتحالف العسكرى ، والأهم من ذلك، تنسيق العمليات والقدرات المخابراتية بين الطرفين.
وبموجب معاهدة يعود تاريخها إلى الخمسينيات من القرن الماضي، أرسلت الولايات المتحدة 28500 جندى أمريكى إلى كوريا الجنوبية وقامت بتشغيل أكثر برامج التنسيق الأمنى والمخابراتى حساسية بين أمريكا وكوريا الجنوبية التى تجاورها كوريا الشمالية التى باتت لديها صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، مع تقديرات أن صاروخا من كوريا الشمالية يستغرق 38 دقيقة فقط للوصول إلى مدينة لوس أنجلوس فى ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

هذا التعاون الأمنى والمخابراتى الوثيق بين واشنطن وسول مكن الولايات المتحدة من اكتشاف إطلاق كوريا الشمالية ذلك النوع من الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية فى غضون سبع ثوان من إطلاقه، بينما لو اعتمدت أمريكا على برنامج مماثل لديها مقره ولاية ألاسكا الأمريكية، فإنها ستستغرق 15 دقيقة لاكتشاف اطلاق كوريا الشمالية تلك الصواريخ.
هذا ليس فقط فارقا كبيرا فى الوقت، بل فارق كبير فى الاستعدادات الأمنية. فالقدرة على اكتشاف إطلاق تلك الصواريخ فى سبع ثوان من شأنها أن تمنح الجيش الأمريكى الوقت الكافى لإسقاط صاروخ كوريا الشمالية.
هذا البرنامج للتعاون العسكرى والأمنى والمخابراتى هو الأكثر سرية وتكاملاً وأهمية. وبهذا المعنى يمثل الوجود الأمريكى فى كوريا الجنوبية جوهر الأمن القومي.
والانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأمريكا، التى تعتبرها كوريا الجنوبية ضرورية لاقتصادها، يمكن أن يؤدى إلى تفكك العلاقات الاستراتيجية برمتها بين الطرفين.
التسلل لمكتب الرئيس
وفى كتابه «الخوف: ترامب فى البيت الأبيض»، يكشف الصحفى الأمريكى الكبير بوب وودورد، أحد مفجرى فضيحة «ووترجيت» التى أطاحت بالرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون، عن «الحياة المروعة» داخل بيت ترامب الأبيض، حيث يقف طاقم الرئيس على أهبة الاستعداد فى كل لحظة للتدخل ل«إنقاذ» أمريكا من قرارات متسرعة غير عقلانية وغير مدروسة من الرئيس.
ويقول وودورد، فى كتابه الذى صدر أمس ،إن كوهين لم يصدق أن الرئيس ترامب قد يخاطر بفقدان أصول مخابراتية حيوية ومهمة بتلك الدرجة للأمن القومى للولايات المتحدة.
وقد تبلور غضب ترامب حول اتفاقية التجارة الحرة بين واشنطن وسول من أن الولايات المتحدة لديها عجز تجارى سنوى يبلغ 18 مليار دولار مع كوريا الجنوبية، كما تنفق أمريكا 3,5 مليار دولار سنوياً لإبقاء القوات الأمريكية هناك.
وعلى الرغم من التقارير شبه اليومية عن الفوضى والنزاع فى البيت الأبيض، من المستبعد أن يكون الناخب الأمريكي، أو المراقب الخارجي، على دراية بمدى سوء الوضع الداخلي.
فوفقاً لعشرات الروايات والقصص التى يرويها وودورد نقلاً عن مسئولين كبار فى الإدارة وشهود عيان على تواصل يومى مع ترامب، فإن مواقف الرئيس تتغير على الدوام، ونادراً ما يكون ثابتاً على رأي، وهو متقلب المزاج. وأى شيء صغيرا أو كبيرا يمكن أن يثير غضبه.
ويوضح كوهين أنه فى مثل تلك الحالات كان ترامب يردد على الفور «نحن سننسحب اليوم» من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية.
وكان خطاب الانسحاب من الاتفاقية، المؤرخ فى 5 سبتمبر 2017، على مكتب ترامب جاهزا للتوقيع عليه، ليشكل تهديدا كارثيا للأمن القومى الأمريكى.
شعر كوهين بالقلق من أن ترامب سيوقع الرسالة إذا رآها.
فأخذها من مكتبه سراً ووضعها فى مجلد أزرق يحمل علامة «يُحفظ».
«لقد سرقت الخطاب من مكتبه»، قال كوهين لاحقاً لموظف فى البيت الأبيض، موضحاً: «لن أسمح له برؤيته. لن يرى هذه الوثيقة أبدأ. يجب أن نحمى البلد».
وفى ظل حالة الاضطراب فى البيت الأبيض، والفوضى فى عقل ترامب، لم يلاحظ الرئيس الرسالة المفقودة.
العيش على حافة الهاوية
وعادة ما كان روب بورتر، سكرتير الموظفين فى البيت الأبيض ومنظم الأوراق الرئاسية، مسئولاً عن ترتيب مثل هذه الرسائل إلى رئيس كوريا الجنوبية. لكن هذه المرة، وبشكل مثير للجزع، وصلت مسودة الرسالة إلى ترامب عبر قناة غير معروفة، ولم يكن بورتر على دراية بمصدرها.
سكرتير الموظفين، هو طبعاً أحد الأدوار التى لا يلقى عليها الضوء كثيراً، لكنه من أكثر المهام أهمية وحساسية فى البيت الأبيض. وعلى مدى أشهر، كان بورتر يطلع ترامب على مذكرات القرارات والوثائق الرئاسية الأخري، بما فى ذلك أكثر تصاريح الأمن القومى حساسية للأنشطة العسكرية والسرية لوكالة المخابرات المركزية.
كان بورتر، البالغ من العمر 40 عاماً، واحداً من «الرجال الرّماديين»، الذين يقومون بالمهام التنظيمية والإدارية ولا تلقى عليهم الأضواء. وقد درس فى كلية هارفارد للقانون.
وقد اكتشف بورتر لاحقاً وجود نسخ متعددة من مسودة رسالة انسحاب أمريكا من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، لكنه مع كوهين حرص على إزالة أى مسودة من على مكتب الرئيس.
كان كوهين وبورتر يتعاونان ويعملان معاً لوقف وتعطيل أكثر قرارات ترامب اندفاعاً وخطورة. وقد اختفت تلك الوثيقة وغيرها من الوثائق المماثلة. وبعدما تختفى ينسى ترامب أمرها تماماً.
«المسألة ليست ماذا فعلنا للبلاد. المسألة ماذا أنقذنا ترامب من فعله بالبلاد»، قال كوهين فى جلسة خاصة.
هذه الحادثة وغيرها، كما يوضح بوب وودورد، لاتقل عن كونها «إنقلاباً إدارياً» على الرئيس، وتقويضا لإرادة رئيس الولايات المتحدة وسلطته الدستورية بسبب المخاوف من قراراته على الأمن القومى الأمريكي.
وبالإضافة إلى تنسيق القرارات والسياسات المتعلقة بالسياسة العامة وإدارة ملفات وجدول أعمال الرئيس، قال بورتر لأحد زملائه فى البيت الأبيض: «ثلث مهمتى كان محاولة التصدى لبعض أكثر أفكار الرئيس خطورة، ومحاولة إقناعه وإعطائه أسبابا للاعتقاد أن هذه الأفكار ليست جيدة». كانت هناك «إستراتيجية كاملة»، إلى جانب إخفاء الأوراق الخطيرة عن الرئيس، تشمل أيضاً التأجيل والمماطلة والتحجج بالقيود القانونية.
وينقل وودورد فى كتابه عن بورتر: «كنا نأخذ الأمور ببطء أو لا نأخذ الأمور إليه أصلاً، أو نقول له، وعن حق وليس فقط كذريعة، إن هذا الأمر يحتاج إلى فحص، أو أننا نحتاج إلى المزيد من الإجراءات فى هذا الشأن، أو أننا لم نحصل على الضوء الأخضر من الناحية القانونية، كل هذه الطرق استخدمت 10 مرات أكثر من أخذ الأوراق وإخفائها من على مكتبه. كنا نشعر وكأننا نسير على حافة الهاوية طوال الوقت». كانت هناك أيام أو أسابيع تكون فيها الأمور تحت السيطرة أو على بعد بضع خطوات من الحافة. وفى أوقات أخري، كنا على وشك السقوط من حافة الهاوية، ولابد من اتخاذ إجراء». وعلى الرغم من أن ترامب لم يأت على ذكر الرسالة المفقودة فى 5 سبتمبر، إلا أنه لم ينس ما أراد فعله بشأن الاتفاقية التجارية.
وينقل بوب وودورد أن بورتر قال لزميل له فى البيت الأبيض: «كان هناك العديد من الأشكال المختلفة لتلك الرسالة»، المتعلقة بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية.
وفى وقت لاحق وفى اجتماع فى المكتب البيضاوى كان الاتفاق التجارى مع كوريا الجنوبية يُناقش بشكل ساخن.
وخلال النقاشات قال ترامب: «لا يهمني. لقد تعبت من هذه الحجج. لا أريد أن أسمع عن ذلك بعد الآن. نحن سنخرج من الاتفاقية».
وبدأ فى إملاء رسالة جديدة يريد إرسالها. أخذ جاريد كوشنر، صهر الرئيس، كلمات ترامب على محمل الجد، وبدأ يكتب ما كان يقوله ترامب. وبعد الانتهاء من الإملاء، قال ترامب لكوشنر: «أنهى الرسالة وأحضرها لى حتى أتمكن من التوقيع عليها».
ويوضح وودورد أن كوشنر كان بصدد الانتهاء من الرسالة عندما قال له بورتر: «أرسل لى المسودة...إذا كنا سنقوم بذلك (الانسحاب من الاتفاق التجاري) لا يمكننا القيام به على ظهر منديل. علينا أن نكتبها بطريقة لا تحرجنا»، وذلك فى انتقاد لاذع للطريقة التى كتبت بها رسالة بهذا القدر من الخطورة الاستراتيجية.
أرسل كوشنر نسخة من مسودته. ولم تكن ذات فائدة كبيرة. وكان بورتر وكوهين قد كتبا نسخة أخرى ليبرهنا على أنهما يقومان بما طلبه الرئيس. كان ترامب يتوقع استجابة فورية لطلبه. وقرر كوهين وبورتر أنهما لن يسيرا إليه خاليا الوفاض.لكن المسودة كانت جزءاً من الحيلة.
ففى اجتماع رسمى حول الموضوع، أثار معارضو الانسحاب من الاتفاقية جميع أنواع الحجج ومن بينها أن أمريكا لم تنسحب من اتفاقية تجارة حرة من قبل؛ وأن هناك إشكاليات قانونية، وقضايا جيوسياسية، وقضايا الأمن القومى والمخابرات الحيوية؛ وأن الرسالة لم تكن جاهزة.وبحسب ما ينقل وودورد «لقد خنقوا الرئيس بالحقائق والمنطق»،ما دعا ترامب إلى الرد: «حسنا ، دعونا نواصل العمل على الرسالة... أريد أن أرى المسودة الثانية».لكن كوهين وبورتر لم يكتبا مسودة ثانية. واختفت القضية لبعض الوقت فى ضبابية القرارات الرئاسية الكثيرة، وانشغال ترامب بأشياء أخري.
«انهيار عصبي» للسلطة التنفيذية
لكن قضية الاتفاقية التجارية بين أمريكا وكوريا الجنوبية، لم تختف من على جدول أعمال ترامب نهائياً.
وتحدث كوهين إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس، والذى ربما كان الصوت الأكثر نفوذاً فى إدارة ترامب، وقال له: «نحن نتأرجح على الحافة. وقد نحتاج إلى مساعدتك هذه المرة».
ويقول وودورد إن ماتيس حاول دوماً تقليل زيارته للبيت الأبيض، والتركيز على مهام منصبه من مقر وزارة الدفاع الأمريكية قدر المستطاع ، لكنه أدرك الحاجة الملحة إلى تدخله. وفى لقاء مع ترامب فى المكتب البيضاوى، قال ماتيس له: «سيدى الرئيس إن كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية يشكل التهديد الأكثر إلحاحاً لأمننا القومي. نحن بحاجة إلى كوريا الجنوبية كحليف. قد لا يبدو أن التجارة مرتبطة بكل هذا، ولكنها محورية».
وتابع: «أن الأصول العسكرية والمخابراتية الأمريكية فى كوريا الجنوبية هى العمود الفقرى لقدرتنا على الدفاع عن أنفسنا ضد كوريا الشمالية. من فضلك لا تنسحب من الاتفاقية».
فرد ترامب متسائلاً:»لماذا تدفع الولايات المتحدة مليار دولار سنوياً لنظام صاروخى مضاد للصواريخ الباليستية فى كوريا الجنوبية؟».
كان ترامب غاضباً من نظام الدفاع الصاروخى من نوع أرض - جو «ثاد»، وهدد بسحبه من كوريا الجنوبية ونقله إلى مدينة بورتلاند بولاية أوريجون الأمريكية. فرد ماتيس: «نحن لا نفعل هذا من أجل كوريا الجنوبية. نحن نساعد كوريا الجنوبية لأن ذلك يساعدنا». ويبدو أن ترامب اقتنع، لكن لوهلة فقط.
وبالنسبة إلى ماتيس كان مجرد النقاش مع الرئيس حول أهمية الحفاظ على العلاقات الاسترايجية والأمنية والمخابراتية مع كوريا الجنوبية مصدرا للصدمة والهلع.
ففى عام 2016، أعطى المرشح الرئاسى آنذاك ترامب تعريفه لمهمة الرئيس، قائلاً «أكثر من أى شيء آخر إنه أمن أمتنا. . .هذه هى المهمة رقم واحد وإثنان وثلاثة».
لكن بوب وودورد يقول فى كتابه «الخوف»إن الحقيقة هى أن الولايات المتحدة فى عام 2017 وخلال أزمة اتفاقية كوريا الجنوبية كانت «مقيدة» بكلمات وأفعال رئيس «زئبقي، دائم التحول، لا يمكن التنبؤ بأفعاله، يجد أفراد الطاقم العامل معه أنفسهم مضطرين لعرقلة قراراته بسبب ضررها على الأمن القومى الأمريكي». ويخلص وودورد إلى أن هذا «كان انهياراً عصبياً للقوة التنفيذية لأقوى دولة فى العالم».
يقول وودورد، 75 عاماً، إن الشهادات التى حصل عليها خلال العمل على الكتاب يجب أن تقلق أمريكا والعالم، موضحاً: «لم أر فى حياتى شيئا مماثلا».
مدينة المجانين
كتاب «الخوف» هو عودة لتقليد معروف عن وودورد وهو الكتابة عن «رئيس فى السلطة»،كما أنه قضى عمره فى دهاليز الصحافة الأمريكية، ويعرف خباياها أكثر من أى صحفى آخر، واشتهر بأعماله الاستقصائية حيث نال جائزتى بوليتزر العريقة. الأولى لتغطية «واشنطن بوست» لفضيحة «ووترجيت» مع كارل بيرنشتاين والتى تمحورت حول المخالفات القانونية الصادمة لإدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون فى سبعينات القرن الماضى والتى أدت فى النهاية إلى استقالة نيكسون، والثانية حصل عليها فى عام 2003 كمراسل رئيسى لتغطية هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.
وبالنسبة لوود وورد يعتبر ترامب مرشحا مثاليا للكتابة عنه. ولا شك هناك تشابهات كبيرة بين ترامب والرئيس الأمريكى الراحل ريتشارد نيكسون فكلاهما عانى علاقة متوترة جداً مع الصحافة. وكلاهما عمل وسط دائرة ضيقة من المستشارين المثيرين للجدل. وفى البيت الأبيض لكليهما، كانت السلطة التنفيذية تحاول تقييد وتجاوز السلطة القضائية. وقصة إخفاء الملفات والرسائل الحساسة عن ترامب لمنعه من الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، هى قصة ضمن عشرات القصص فى كتاب وودورد، وهى تعكس صعوبة العمل فى إدارة ترامب وتعقيدات العلاقة معه.
ووفقا للمصادر التى تحدثت إلى وودورد، يريد ترامب «الولاء الشخصى له» أولاً وقبل أى شىء آخر. (وهى شهادة لا تختلف عن شهادة جيمس كومى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية فى كتابه الدامغ ضد ترامب «ولاء أعلي» الذى صدر قبل أشهر).
فمثلاً عندما استقال مستشاره الاقتصادى جارى كوهين بعد حادثة مواجهات شارلوتسفيل بين ناشطين ديمقراطيين ومجموعات يمينية متطرفة مؤيدة لترامب احتجاجاً على إدارة البيت الأبيض للأزمة، وصف ترامب استقالة كوهين ب»»الخيانة».
ويسرد «الخوف» أزمة ثقة بين الرئيس وأركان إدارته يعززها ما نقلته مصادر وودورد من إساءة معاملة ترامب للمحيطين به وتعمد التحقير من شأن بعض وزرائه الكبار، إضافة إلى كذبه الدائم وعلاقته المضطربة بالحقيقة.
وينقل وودورد عن مصدر قوله إن ترامب على سبيل المثال وصف النائب العام الأمريكى جيف سيشنز ب»رجل متخلف عقلياً. غبى من الجنوب .. كيف أقنعت باختياره لمنصب النائب العام؟ ... لم يستطع حتى أن يكون محامياً فى ألاباما. ما الذى قام به ليكون النائب العام؟».
كل هذا جعل عمل رئيس هيئة موظفى البيت الأبيض جون كيلى بمثابة «تجربة من الجحيم». وينقل الكتاب عن كيلى قوله عن ترامب: «إنه أحمق. من العبث محاولة إقناعه بأى شيء. لقد خرج عن القضبان. نحن فى مدينة المجانين».
واستمد وودورد عنوان الكتاب «الخوف» من ملاحظة لترامب خلال مقابلة أجراها معه وودورد نفسه والمحرر السياسى فى «واشنطن بوست» روبرت كوستا فى أبريل 2016 عندما كان ترامب مرشحاً رئاسياً. فقد سأل كوستا ترامب عما إذا كان يوافق على تصريح أدلى به آنذاك الرئيس باراك أوباما، خلال مقابلة مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية حول «أن القوة الحقيقية تعنى أنه يمكنك الحصول على ما تريد دون الاضطرار إلى ممارسة العنف». بوغت ترامب بالسؤال وظهر كأنه موافق على ما قاله أوباما، موضحاً: «حسناً أعتقد أن هناك شيئا من الحقيقة فى هذا. فالقوة الحقيقية تأتى من خلال الاحترام». لكنه استطرد بعد ذلك قائلاً: «القوة الحقيقية هي، وأنا حتى لا أريد استخدام التعبير، هى الخوف».
ولاحقاً وصف وودورد تعبير ترامب بأن له «جانبا شكسبيريا». وبسبب الإقبال الكبير على شراء الكتاب، أعلنت دار نشر «سايمون آند شوستر» أنها طبعت مليون نسخة منه ما جعله حتى قبل أن يصدر رسمياً أمس الكتاب الأكثر مبيعاً فى أمريكا والعالم.
واستمد كتاب وودورد الجديد سماته من «بصمته» الشخصية كصحفى وطريقته المعهودة فى العمل، ونهجه فى إعداد التقارير الاستقصائية، وجمع التفاصيل عبر مئات الساعات من المقابلات مع المصادر المباشرة، ومذكرات الاجتماعات، والملفات السرية، والمستندات، واليوميات الشخصية. فإدارة ترامب، على عكس الإدارات الأمريكية السابقة من جورج بوش الابن مروراً ببيل كلينتون وانتهاء بباراك أوباما، لم تمنح وودورد إذناً بإجراء مقابلات وجمع معلومات من العاملين فى البيت الأبيض من أجل الكتاب.
وعلى سبيل المثال، عندما طلب وودورد من المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومى مايكل أنطون، ترتيب مقابلة مع مستشار الأمن القومى السابق، إتش إم ماكماستر، تم رفض طلبه رسمياً.
وبالتالى لم يجد وودورد بديلاً عن العودة إلى جذوره التى قادته إلى كشف فضيحة «ووترجيت».
ففى أوقات متأخرة من الليل، كان وودورد يتوجه إلى منازل كبار المسئولين فى إدارة ترامب دون سابق إنذار أو طلب ميعاد، ثم يخبرهم عن الكتاب الذى يعده ويطلب منهم المشاركة بشهادات أو ملفات أو وثائق أو مذكرات أو ملاحظات بخط اليد.
والنتيجة هى ما يحدث عادة فى عالم ترامب. كبار المسئولين فى إدارته الذين لديهم تحفظات على طريقة عمله ويريدون الحفاظ على سمعتهم الشخصية وإعطاء شهادتهم للتاريخ، تحدثوا إلى وودورد من تلقاء أنفسهم وأعطوه ملفات ويوميات ووثائق ومذكرات وملاحظات بخط اليد، بعضها بخط يد ترامب نفسه.
والمحصلة كانت تسجيل مئات الساعات من الشهادات والحصول على اقتباسات مباشرة منقولة على لسان ترامب سجلها مساعدوه خلال اجتماعات حول قضايا الأمن القومي. كما يقدم الكتاب تفاصيل دقيقة غير مسبوقة وسردا محكما عن كيف يتخذ ترامب قراراته بشأن السياسات الخارجية والداخلية الرئيسية، وتوجهاته نحو مجموعة واسعة من القضايا، بما فى ذلك قضية التواطؤ المحتمل بين حملته الانتخابية وبين روسيا، وتحقيقات رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بى آي» روبرت مولر.
غداً: غرفة نوم ترامب... ورشة عمل الشيطان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.