إن الذين مازالوا يحلمون بعودة الماضي ظالما كما كان, مظلما كما كان, مستبدا كما كان, رهيبا كما كان, يائسا كما كان. بائسا كما كان, هؤلاء نقول لهم: إن الماضي لن يعود فطبيعة الأشياء ومسيرة التاريخ لاتسمح بعودة ماكان عزائي لهم أنهم سوف يجدون في الحاضر المتطور بعد مضي عام من ثورة 25 يناير عوضا عنها. ومن واجبهم علي أنفسهم ألا يقطعوا أنفسهم عن التطور, وعليهم أن يعيشوا في الحاضر بعظة الماضي وبآمال المستقبل. والذين تستهويهم روح المغامرة ويحلمون بمجتمع ينكر مقدسات وقيم وظروف التحول الثوري, بمجتمع يفرض ديكتاتورية الفكر الواحد, هؤلاء نقول لهم: إنهم يحاولون زرعا غريبا لاينبت في أرض مصر بعد اليوم. إن مصر أمة وسط ترفض التطرف الفكري, كذلك كانت وكذلك ستكون, مصر تنكر القهر الإجتماعي والديني الأحمر والصراع الاقتصادي والسياسي الأسود. فلتكن مصر دائما أرض السلام الاجتماعي الأخضر تنشر قوي التحالف فوق الأرض الطيبة مهد الحضارة والتاريخ, دعوتنا لهؤلاء ولأولئك أن يعيشوا في الحاضر الواعي لحقيقة الثورة. الحاضر هو الذي يدرك أنه حلقة في سلسلة الزمن, سبقتها حلقات وتتلوها حلقات أخري, هو الذي يعي حقيقة ماكان وحقيقة ماهو كائن وحقيقة ماسيكون. هو الذي يدخل في حسابه عظة الأمس وظروف اليوم وآمال الغد التي ينتظرها شعب مصر كله من بعد الثورة, هو أيضا الذي لاينسي مامضي من ظلم اجتماعي وصراع طبقي وفساد واستبداد واستغلال للسلطة وقتل للأبرياء, هو الذي لايغمض العين عما هو قائم من معارك شرسة ومؤامرات داخلية وخارجية لم تتوقف قبل وبعد الثورة, والذي لايقعد بآماله عما ينتظره الشعب من نظام مستقر وممارسة ديمقراطية سليمة تضمن انتقال السلطة عن طريق جموع الشعب لا الأكثرية المنتخبة فقط (أعني هذه الأغلبية العددية لا الأغلبية التمثيلية) من يد الي يد دون إراقة نقطة دم واحدة ذكية من أبناء هذا الوطن. هو الحاضر الواعي الذي لايحجب عن الأجيال المعاصرة والأجيال القادمة رأيا ولايغلق دونها بابا. فتطوير التنظيم السياسي من خلال مجلس شعب ومجلس شوري ورئيس جمهورية جديد للبلاد يجب أن يتم إذن في الإطار العام للتطور الذي بدأته ثورة يناير في مختلف جوانب الحياة المصرية, وهو مايعني أن يلتزم هذا التنظيم الجديد بمنطق التطور العام وبأسلوبه. وعلي ذلك لايصح الحكم, وهذا مايفعله البعض وله بعض العذر, علي هذا المولود الجديد في ضوء ظروف ماقبل الثورة, وإلا فإن ذلك يعتبر تجاهلا لنتائج طبيعية تترتب علي تطور عميق قد بدأته الثورة. كما لايصح الحكم أيضا, وهو مايفعله البعض وله بعض العذر أيضا علي هذا المولود الجديد بمنطق ماقبل الانتخابات, وإلا فإن ذلك يعتبر تجاهلا آخر بالتغيرات الاجتماعية والسياسية التي أحدثتها الممارسة الديمقراطية من أجل قوي الشعب كاملة. أقول قولي هذا وأذكر بأن هناك شيئين كبيرين مرغوبين مرجوون عاشا معا علي أرض مصر, النيل والسلطة, ولقد استطاع شعب مصر أن يروض النيل وبقي عليه أن يروض السلطة. فبناء السد العالي استطاع شعب مصر أن يروض النيل لمصلحة خير هذا البلد, وإذا كانت الثورة قد ضمنت الحرية السياسية, فبقي علينا نحن الشعب أن نضمن الممارسة الديمقراطية السليمة لهما من خلال مؤسسات الدولة الشرعية, حتي نستطيع أن نروض السلطة لمصلحة آمال شعب مصر كله والتي قامت الثورة من أجلها وليس لمصلحة طائفة بعينها. المزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب