كانت أهداف الثورة المعلنة هي العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولكنها لم تكن راضية بصفة أساسية عن أمرين كان لهما التأثير الأكبر علي حياة الناس كافة وهما فكرة التوريث واستشراء الفساد الذي أساء لسمعة البلاد والإنسان المصري عموما في الخارج وأدي إلي الحد من الاستثمارات الجادة. ومن هذه الأهداف ما أمكن تحقيقه بمجرد خلع الرئيس السابق ومحاكمته بأسلوب حضاري فتحررت مصر من التوريث وبدأ الشعب يشعر بكرامته وحصل علي حرية إبداء الرأي والحق في التعبير باختيار حر لرئيس البلاد فتحقق تأثيره علي الحياة علي كل من المستوي السياسي والوظيفي والمعيشي أيضا. تبقي ثلاثة أهداف, هي العيش بمعني الوفاء بمتطلبات الحياة (المسكن والتعليم الجاد وفرصة العمل) والعدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد بما يشمله من إعادة النظر في هيكلة الجهاز الإداري علي مستوي الدولة كلها بطريقة علمية وفنية لتزيد من قدراته وتمكنه من الارتقاء بها وإزالة ما يكبله من قيود وتخليصه من الفساد, لذلك كانت الدعوة لإعادة هيكلة الشرطة فقط من الغرابة بمكان أعطاها شكلا ثأريا استشعره رجالها وأسفرت عن إصابة جهاز الشرطة بوهن بين البلطجة الجنائية التي عمت المجتمع في الفترة السابقة ودعوة الثأر السياسي وتحمل الجهاز بمفرده أوزار الحكم البائد وأنست الحكومات المتعاقبة الحاجة لإعادة هيكلة أجهزة الدولة بكاملها. لذا يحتاج استكمال مسار ثورة النهضة والتنمية أن يكون وأد الفساد من أهم أولوياتها هذا المرض الفتاك المتفشي في أغلب أجهزة الدولة دون استثناء بكل أشكاله (الرشوة والوساطة والمحسوبية وتوريث الوظائف والتمييز) ومعهما كانت التضحيات والأساليب, والقضاء علي مكامنه ومظاهره واتخاذ مواقف حاسمة لمحاربته باعتباره المعرقل الأساسي لخطط التنمية والتسبب في مضاعفة تكاليف الاستثمار والإنتاج, حيث تحتل مصر مركزا متأخرا في مؤشر مكافحة الفساد بترتيب 112 من إجمالي 182 دولة وأن ارتفاع معدل الفساد بنقطة مئوية واحدة يقلص معدل الاستثمار بعشرة أضعافها خاصة في مجال التعقيدات الإدارية والروتين وهما أداتا الفساد الأصيلة وأن تسن من التشريعات العقابية القدر اللازم لتحقيق الردع والإصلاح علي الرغم من تعدد أجهزة الرقابة والمحاسبة التي تفتقر إلي المتابعة في الأداء والتنفيذ. لذلك أقترح تخصيص سلطة لأداء هذا الدور بإشراف قضائي خاص بها لسرعة إصدار أي قرار فيما تتطلبه إجراءات التحقيق والتفتيش والتنصت تضم رجال بحث ومتخصصين من مختلف المجالات وتنضم إليها كل أجهزة الرقابة القائمة مثل الرقابة الإدارية وهيئة الكسب غير المشروع والنيابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات والأموال العامة, وتغطي مهمتها مكافحة الفساد داخل السلطات الثلاث والرقابة علي الأداء المهني والمالي لمؤسسات الدولة وتوفر للعاملين بها حق الضبطية القضائية ويتم تغيير نصف القضاة العاملين بها سنويا ويمكن إلحاق ما يتناوله البعض حاليا باسم ديوان المظالم وتصدر تقاريرها ونتائج أعمالها بما لا يقل عن مرتين سنويا إلي رئيس الجمهورية والبرلمان والسلطة القضائية. أما الفساد المرتبط بسوء الأداء لعدم الخبرة ونقص التدريب خاصة في المرحلة التعليمية الأساسية كنموذج فهي من مهام الوزارة المختصة التي تلتزم بإجراء الدراسات الجادة والفنية حول أسباب التردي في الأداء وعدم الوصول عمليا لأهدافها وفقا للحاجة من وجودها وضرورة مشاركة مراكز البحوث المختصة.