لا تكف بعض وكالات الأنباء الأجنبية عن ألعابها الشريرة ضد مصر، وحسنًا فعلت مصلحة الضرائب، بالبيان الذي أصدرته قبل أيام، لتوضيح ما بثته «رويترز» من تصريحات على لسان رئيسها عماد سامي، وقد سألت عن الرجل زملاء له، فشهدوا له بالمهنية والكفاءة، على نحو يجعل المرء يميل كثيرًا، إلى أن وكالة الأنباء الدولية، ولها في ذلك سوابق كثيرة، لم تتعامل بالدقة اللازمة مع ما ذكره من تصريحات، لم تكن تستهدف في حقيقة الأمر، إلا الصالح العام للوطن. بدت التصريحات التي نشرتها «رويترز» بتلك العناوين المثيرة، لرئيس مصلحة الضرائب، أقرب ما تكون إلى «دق إسفين»، بين قطاع كبير من المستثمرين وحكومة الدكتور مدبولي، خصوصًا أنها تعرضت لواحدة من أهم الإجراءات التي تتعلق بتشجيع الاستثمار في مصر، وهي سرية الحسابات الخاصة في البنوك، وما يُثير الدهشة بحق، هو أن مثل هذا الموضوع لم يُطرح من قبل بأي صورة من الصور، فما الذي يمكن أن تستفيد منه مصلحة الضرائب، بالاطلاع على الحسابات الخاصة للممولين؟ غير أن السؤال الأهم الذي طرحته الأزمة، التي سارع محافظ البنك المركزي بنزع فتيلها، بالتأكيد على أن سرية حسابات العملاء في البنوك «خط أحمر»، يظل قائمًا، وهو: هل تحتاج مصلحة الضرائب بالفعل، والنظام الضريبي في مصر، إلى تعديلات قانونية جديدة، حتى يؤدي هذا النظام دوره على أكمل وجه؟ الحقيقة تقول، إننا لسنا في حاجة إلى تعديلات قانونية جديدة، بقدر ما نحتاج إلى إدارة حقيقية وذكية للتعامل مع هذا الملف المهم، فما نحتاجه بحق هو «عقلية جديدة ورؤية ذكية»، من شأنها أن تبني جسورًا من الثقة، بين الممولين ومصلحة الضرائب، خصوصًا أن قطاعًا كبيرًا من هؤلاء الممولين، ينظرون إلى مصلحة الضرائب باعتبارها مؤسسة للجباية، لا يهمها في النهاية سوى عصر الممول حتى آخر قطرة في دمه، وهو أمر لا يُخالف الحقيقة فحسب، بل يجافي المنطق والعقل أيضًا. والحديث في مثل هذا الموضوع يطول، خصوصًا أن الأرقام الحقيقية صادمة، فكثير من الدراسات تذهب إلى أن أكثر من 70% من المصريين، متهربون من الضرائب بشكل أو آخر، بسبب أزمة غياب الثقة، والحقيقة أنه لا سبيل لاستعادة هذه الثقة، إلا ببناء ذهنية جديدة، واعتماد فكر جديد، وهي مسؤولية مشتركة بين مصلحة الضرائب من جهة، والعديد من وسائل الإعلام من جهة أخرى، فالقوانين القائمة تكفي، بينما المشكلة تكمن في التطبيق، وكثير من الخبراء في هذا المجال يرون أن القانون الحالي للضرائب، يعد من أفضل القوانين التي وضعت لتنظيم العمل الضريبي في مصر، وقد أحدث القانون في العام الأول لتطبيقه عام 2005، نقلة مذهلة تمثلت في زيادة لافتة في عدد الإقرارات التي تم تقديمها، ما انعكس بشكل إيجابي كبير على حجم الإيرادات، والحصيلة التي انتهت إليها مصلحة الضرائب، قبل أن يتحول خلال خمس سنوات فقط، إلى مجرد نصوص ويفقد كثيرًا من روحه، وهنا مكمن الخلل. ربما لا يحتاج النظام الضريبي في مصر، إلى تعديلات أو تشريعات جديدة، بقدر ما يحتاج إلى فكر حقيقي مبدع وخلاق، والأمر ينسحب كذلك على العديد من وكالات الأنباء الأجنبية العاملة عندنا، والتي باتت تحتاج هي الأخرى، إلى إعادة بناء جسور من الثقة والاحترام. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى