النوبيون- كما قال المؤرخ الاغريقي«دروس سلكيلوس»- من أولى السلالات البشرية على الأرض، ولهذا تعتبر اللغة النوبية من أقدم اللغات التى نطق بها الإنسان، وهذا القدم أدى إلى صعوبة تتبع تاريخها من البداية، فقد طرأت عليها تغييرات كثيرة حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن، ولم يتوصل علماء المصريات والآثار والباحثون إلى أصل اللغة النوبية، وقال بعضهم إنها لغة حامية، بينما قال آخرون إنها سابقة للحامية، وانتهى قسم ثالث من العلماء إلى أنها لغة مجهولة الأصول. وأقدم ذكر للغة النوبية ورد فى الآثار المصرية يرجع إلى عصور ما قبل الميلاد، عندما قام أحد ملوك الأسرة الرابعة «الملك سنفرو» بغزو النوبة فى الجنوب وعاد بسبعة آلاف رجل نوبى استعملهم فى بناء هرم سقارة، واستخدم هؤلاء العمال النوبيون اللغة الهيروغليفية لكتابة لغتهم النوبية، أما النوبيون فى الجنوب فكانوا يستخدمون لغة مملكة «مروى» التى تقع على النيل جنوباً لكتابة لغتهم النوبية المحلية، ومنذ القرن الأول للميلاد، وفى العصر المسيحى، حدث اختلاط كبير بين النوبيين والمسيحيين الذين فروا لبلاد النوبة هرباً من قهر وظلم الرومان، وساعد هذا الاختلاط النوبيين على استخدام الحروف القبطية فى كتابة لغتهم النوبية، وتوسعوا فى ذلك وازدهرت الحضارة النوبية فى العصر المسيحي، وتم اكتشاف نصوص ونقوش نوبية يرجع تاريخها للعصر المسيحى كُتبت بالحروف القبطية، واهتم الباحث الإنجليزى «جريفز» بهذه النصوص وجمعها فى كتاب تحت عنوان «نصوص نوبية من العصر المسيحى». واللغة النوبية الحالية التى يتحدث بها النوبيون فى مصر والسودان هى امتداد للغة النوبية التى كانت مستخدمة فى العصر المسيحى، والفارق الوحيد أنهم كانوا قادرين على كتابتها بالحروف القبطية وكانت لغة رسمية لكل بلاد النوبة، وهكذا فنحن الآن إزاء موروث غنى وثمين ولكنه منطوق فقط، حيث لم يتم الاهتداء حتى الآن لكيفية كتابته بصفة نهائية، وهى تتكون من حروف يمكن نطقها بالعربية، ولها نظائرها فى اللغات الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية، والنوبية ليس بها أداة التعريف «ال» وأيضا تخلو من بعض حروف العربية مثل «ث ،ح ،خ ، ط ، ظ ، ع ، غ». واللغة النوبية التى ينطق بها كل من «الماتوكية» و«الفديكات» هى فى الحقيقة لغتان من أصل واحد، بل يمكن القول إنهما لهجتان للغة واحدة، فأوجه الشبه بينهم كبير، فمثلاً كلمة «نعم» بالعربية فى اللهجتين تعنى «أيو»، ولهجة الماتوكية يتحدث بها أهالى عدة قرى هي: «دابود، دهميت، الأمبركاب، كلابشة ، أبو هور ، مرواو، ماريا ، جرف حسين، قرشة، كشتمنة شرق وغرب، الدكة، قورتة، العلاقي، السيالة، المحرقة المضيق ويتحدث بهذه اللهجة النوبيون فى مدينة دنقلة فى السودان»، بينما يتحدث بلهجة الفاديكات أهالى قري: كروسكو،أبو حنضل، الديوان، الدر، توماس وعافية، قته، أبريم، الجنينة والشباك،عنيبة، مصمص، توشكى شرق وغرب، أرمنا، أبو سمبل، قسطل، بلانة، ادندان، ويتحدث بنفس اللهجة أهل المحس والسكوت فى النوبة السودانية.. وهناك قرى كانت تقع قبل التهجير فى زمام أرض النوبة بين الماتوكية والفاديكات لا تتحدث باللغة النوبية وليس لها لغة إلا العربية وهى قري: وادى العرب، لمالكي، السبوع، شاترمة، السنقارى. واللغة النوبية كانت سائدة ومنتشرة بين كل أهل النوبة سواء فى النوبة القديمة أو خارجها قبل التهجير وأفادت الإحصائيات الرسمية وقت التهجير أن نسبة الذين لا يتحدثون باللغة العربية ولا يجيدونها كانت 21% وأصبح الأمر الآن جد خطير حيث تتعرض اللغة النوبية لخطر الانقراض والاندثار حيث لا يتحدث بها الآن غير كبار السن فقط من الرجال والنساء ويجهلها تماماً الأجيال الحديثة من النوبيين،وأصبحت الفنون النوبية التى تساعد على انتشار اللغة واستخدامها مثل الغناء لا تتضمن كلمة واحدة نوبية وليس فيها من النوبية غير الألحان والموسيقي، وانقرضت فنون السرد والحكايات الشعبية التى مارستها الأمهات والجدات باللغة النوبية وكان يتعلم منها الأجيال الصغيرة اللغة، والإبداع الأدبى النوبى من الروايات والقصص وغيرها يكتب باللغة العربية وليس بالنوبية وإن كان المضمون عن المجتمع النوبى.