"اللغة النوبية أقدم اللغات الإنسانية ونخشى عليها من الاندثار".. هكذا برر محمد بعدالباسط، إطلاقه حملة "كلمني نوبي" الإلكترونية، لتعليم اللغة النوبية وأساسياتها. عبد الباسط، الذي دشن حملة "كلمني نوبي" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قبل فترة، قال في حديث لوكالة "الأناضول": "للغة النوبية خصائص تميزها عن اللغات الأخرى، وأهم هذه الخصائص أنها تضم أربعة حروف لا مرادف لهم في كل اللغات الحية الأخرى بما فيها العربية والإنجليزية، وهذه الحروف تنطق كمقاطع صوتية يعرفها جيدا المختصين في دراسة علم الصوتيات". وأضاف أنها "تعتمد على الدلالات أكثر من اعتمادها على المعاني المباشرة، وهي من اللغات التي يمكن أن يتغير معنى مرادفاتها إذا ما تم إضافة مقطع في بدئها أو في جزعها". ومضى قائلا: "هناك فلسفة خاصة في تصريف المفردات النوبية قائمة على أن تأخذ المفردة أشكالا عدة بالحركة؛ فبدخول حروف متحركة للمفردة تتغير الدلالة وتنتج عنها معاني مختلفة، وأخر خصائص، هي أن اللغة النوبية لا تعرف التذكير والتأنيث، ولا يمكن التفرقة فيها بين مذكر ومؤنث، كما أنها خالية من آداة التثنية وبالتالي هي لغة لا تعرف المثنى". وتابع عبد الباسط: "كلها خصائص أهلتها(أي اللغة النوبية) لأن تكون لغة الشفرة التي استخدمها المصريون في حربهم ضد إسرائيل في السادس من أكتوبر(تشرين أول) عام 1973 والتي جعلت من الصعب جدا على العدو الإسرائيلي فك شفراتها". ورفض عبدالباسط تصنيف البعض للغة النوبية ك"لهجة لا ترتقي لمستوى اللغة"، وقال في هذا الإطار: "اللهجة هي الإنحراف الصوتي عن صواب اللغة الأم كاللهجة العامية المنشقة عن اللغة العربية الفصحى، أما اللغة النوبية فهي لم تنشق عن أي لغة أخرى بل على العكس انشقت عنها عدة لهجات؛ ففي مصر انشقت عنها لهجتي (كنزي) التي يتحدث بها غرب أسوان وغرب سهيل والفادكي وهي لهجة سكان أبوسمبل(جميعها مناطق جنوب مصر)". أما في السودان، ف"انشقت عن اللغة النوبية أربع لهجات هي: (النوبين) و(الأشكرين) و(الميدوبية)، و أخيرا (النوبة العتيقة) التي دونت بها وثيقة معجزة القديس مينا التي يرجع تاريخها للقرن الرابع عشر الميلادي وترجم فيها من اليونانية إلى النوبية الكتاب المقدس فضلا عن كتابات مسيحية أخرى وتوجد هذه الوثيقة الآن بالمتحف البريطاني". واختتم عبد الباسط تصريحاته بالتحذير من اندثار تلك اللغة بسبب "الإهمال الكبير" الذى تعانيه في مصر، وقال: "في ألمانيا وكندا يتم تدريس اللغة النوبية كلغة رسمية في الجامعات، في الوقت الذي يتم فيه تهميش هذه اللغة في مصر بشكل يحزن النوبيين كثيرا، لذلك فكرنا في إنشاء حملة إلكترونية على الفيس بوك لإحياء هذه اللغة من خلال ترجمة بعض الأغنيات النوبية التراثية وعرض بعض الأمثال الشعبية النوبية التي تعكس خبرات أجدادنا، فضلا عن عرض يومي لترجمة كلمات نستخدمها في حياتنا اليومية من وإلى اللغة النوبية". وتهدف الحملة وفقا لعبدالباسط، إلى "إعداد دورات مبتكرة لمحادثة اللغة النوبية، ودورات أخرى لتعلم القراءة، والكتابة، والقواعد اللغوية لهذه اللغة العتيقة، وأخيرا توثيق اللغة النوبية". بينما قال مكي محمد عبدالله، الباحث في الدراسات النوبية: "في مصر 5 مليون مواطن يتحدثون اللغة النوبية، بينما يزداد هذا العدد كثيرا في السودان". ولا يوجد احصاء رسمي عن عدد النوبيين في مصر. ومضى قائلا في تصريحات للأناضول: "عام 1902 حينما تم إنشاء خزان أسوان غرقت أراضي بعض الأسر النوبية ما دفعهم للهجرة الداخلية بعيدا عن نهر النيل حيث تتمركز الكتلة البشرية الناطقة بالنوبية، وهو ما لم يحدث في السودان". وأوضح عبدالله أن "المصريين عرفوا اللغة النوبية منذ قدم تاريخ مصر الفرعونية كلغة منطوقة غير مكتوبة، ثم بدأ النوبي القديم في كتابتها بحروف اللغة الهيروغليفية(الفرعونية القديمة)، ثم بالخط الديموطيقي(أحد أساليب الكتابة في عهد الفراعنة) إلى أن حكمت مصر الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين التي بدأت في كتابة اللغة النوبية بالحروف اليونانية القديمة". واستدرك الباحث النوبي قائلا: "في هذا الوقت كان النوبيين يطلقون على بلاد النوبة اسم (كاكنزي) ويعني في لغتهم (أرض القوس)، رمزا لكثرة استخدام القوس بين سكان هذه المنطقة، ثم أسموها (كوش) نسبة إلى (كوشيان) أكبر أجداد النوبيين". وفي القرن السادس الميلادي تحديدا، اعتنق النوبيون المسيحية وأصبح لديهم رغبة في تعلم الإنجيل فبدأوا في كتابة لغتهم بالخط القبطي، وفي كل مرة كان يتغير فيها نوع الخط الذي تكتب به اللغة النوبية كان النوبيون يحافظون على نفس المعاني للكلمات، لذلك نجحت اللغة في التعايش عبر كل هذه القرون مع الأجيال المختلفة حتى عصرنا هذا، وفق عبد الله. ولفت الباحث النوبي إلى أنه في أواخر القرن العشرين أنشأ مثقفوا النوبة "مركز توثيق التراث النوبي لتوثيق كل ما له علاقة ببلاد النوبة بما فيها لغتهم العتيقة"، وتبعتهم مكتبة الإسكندرية بإنشاء "مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي"، الذي اشتمل على إدارة لحفظ التراث النوبي فضلا عن لجنة مستشارين تضم مجموعة من أبرز مثقفي النوبة لجمع وتوثيق كل ما له علاقة بتراثهم الإنساني. بدوره اعتبر محمد توماس، مؤسس حملة "كومّا" النوبية، أيضا، أن "القرار الذى اتخذته الحكومة المصرية مؤخرا بإنشاء قسم خاص بتدريس الحضارة النوبية داخل كليات الآداب بالجامعات المختلفة خطوة موفقة". ومضى قائلا في حديث مع الأناضول: "بداية التطبيق ستكون في كلية آداب بجامعة جنوب الوادي(جنوب مصر/ لم يذكر موعد محدد) وسيكون التدريس فيها عبارة عن 40 مادة منها علوم الاجتماع والسكان والجغرافيا والتاريخ والأنثروبولوجيا والآثار والعمارة والفنون الشعبية والحضارة في النوبة وفن المتاحف الأثرية، فضلًا عن اللغات الأجنبية ومدخل اللغة النوبية". وحالياً يتم وضع لجنة أكاديمية كي تضع التخصصات العلمية التي سيقوم الطلاب بدراستها في القسم، حسب نفس المصدر الذي لفت إلى أن "كومّا"، التي أسسها، تعد حملة نوبية تهدف لتصحيح الصورة الذهنية السلبية السائدة عن مجتمع النوبة بأنه مجتمع فئوي يعيش على أطلال الماضي.