يحدد الدستور نظام الحكم ومبادئه الأساسية, ووظائف الدولة والعلاقات بينها. هو أبو القوانين لأنه مصدر أساسي للتشريع, لابد أن تتفق القوانين مع نصوصه وإلا اعتبرت باطلة. تقوم المحاكم بتطبيق القوانين وحماية ما جاء بها من حقوق ومباديء وعلاقات.. لكن من يحميه هو ونصوصه من التجاوزات ومن الفوضي التشريعية, وانحراف السلطات عن ممارسة وظائفها. اتفقت أغلب الدول علي أهمية هذه المهمة وضرورة وجود هيئة قضائية تضبط التوازن بين السلطات إن اختل الميزان. لم يجد العقل البشري والفكر الإنساني الي اليوم وسيلة أفضل من هيئة عليا مستقلة لها الفصل والتأكد من الالتزام بنصوص الدستور. اختلفت المسميات, وتباينت الأوصاف فهي صمام الأمن, وحامية سيادة القانون و الفيصل بين السلطات لكن اتفقت جميعا علي استقلالها ومكانتها التي لايجوز المساس بها. في ألمانيا, ينظم قانون اتحادي دستوري المحكمة الدستورية الاتحادية من حيث إجراءاتها واختصاصاتها واستقلالها ويكون تعديل ذلك القانون بموافقة هذه المحكمة ذاتها.. (قامت منذ أيام بإبطال المجلس التشريعي البوندستاج) في روسيا, يحدد الدستور شكل واختصاصات المحكمة الدستورية (م125) التي تكفل إقامة العدل إقامة وافية ومستقلة. تتشكل المحكمة العليا بالولايات المتحدة, من تسعة قضاة ثلاثة يختارهم الرئيس, ومشاركة رؤساء الجمهورية السابقين.. ولا يجوز الاعتراض علي قراراتها التي تجب قرارات الرئيس. في فرنسا, يتشكل المجلس الدستوري من 9 أعضاء ومن اختصاصاته ضمان إجراء انتخابات سليمة لرئيس الجمهورية وعدلت60 م لتحقيق الرعاية اللاحقة, إذ ثبت أن الأخطاء تظهر بعد التطبيق ليس قبله. بينما ينص دستور الصين (مادة127) أن المحكمة الشعبية العليا هي أعلي جهاز قضائي تشرف علي إقامة العدل. وبغض النظر عن المسميات فإن سلطة المحكمة الدستورية سلطة أصيلة ليست وسيطة أو مفوضة أو مؤقته, تستمدها من الدستور وليس من رئيس الدولة أو إحدي مؤسساتها, ليس لأحد الاعتراض علي ماتقرر. ومصر لها تاريخ دستوري عريق ومن الطبيعي أن يكون لها محكمة تواكب وتحمي المسيرة الدستورية. ظهرت الحاجة الي محكمة عليا مستقلة تختص بحماية الدستورية التشريعية عام 1924 أمام محكمة جنايات الاسكندرية. وبعد مسيرة مرت بمراحل متعددة أصدر جمال عبدالناصر قرارا بقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء محكمة عليا أنشئت 1970 لتتولي مهمة الرقابة الدستورية. ثم صدر دستور 1971 يتضمن فصل مستقل ينظم المحكمة الدستورية العليا من حيث اختصاصاتها وسير العمل بها كهيئة قضائية مستقلة أحكامها نهائية لايمكن الطعن فيها. تتكون المحكمة من الرئيس ونوابه (18) وهيئة المفوضين (15) لها نظامها الداخلي.. مستقلة في اختيار الرئيس ونوابه وهيئة المفوضين.. تختارهم الجمعية العمومية حسب معايير موضوعية مقررة سلفا من ترشيحات تقدمها الهيئات القضائية والقانونية والجامعة.. الخ حسب شروط قانون المحكمة والسلطة القضائية, ولا يدين العاملون بوظائفهم أو ترقياتهم لأي هيئة خارجية ولايجوز عزلهم. وأعضاء المحكمة الحالية يمثلون خبرة وحكمة ثلاثة أجيال منهم سبعة حاصلون علي درجة الدكتوراه في القانون الدستوري وعدد من درجة الدكتوراه الفخرية. أثبتت مسيرتها لإرساء الشرعية الدستورية, أنها لاتفرض حلولا تبتدعها تحمي مواطنيها. وترد كل عدوان علي حقوقهم وحرياتهم حسب ما حدده الدستور. لها مواقف دستورية وطنية تحسب لها تتعلق بمبدأ شرعية الجرائم وعقابها, وكفالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية, (من حيث الحق في العمل وحقوق الملكية الخاصة) وتأكيد استقلال القضاء وإدارة العدالة الجنائية, وحماية الإبداع, وحرية العقيدة والحرية الشخصية. لها من المرأة كمواطنة متساوية في الحقوق والواجبات أحكام ومواقف متحضرة, وأثبتت المحكمة أنها تمارس ما تطالب به عندما عينت الجمعية العمومية تهاني الجبالي قاضية علي أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص. من قراراتها الحكم بحل مجلس الشعب سنة 1987 ثم 1999 لنفس العوار الذي تم حله سنة .2012 في سنة 2004 برئاسة العملاق الراحل محمد فتحي نجيب, صدر قرارها في الطلب رقم واحد لسنة 24 قضائية ببطلان عضوية أعضاء المجلس الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية وخرج من المجلس 63 عضوا من حزب الأغلبية وتم التنفيذ دون جلبة. أدعو كل من يهمه الأمر الاضطلاع علي الوثائق الدستورية, خاصة الجزء السابع والثامن قبل الادلاء برأي حولها أو محاولة المساس بأوضاعها. نجحت الدستورية المصرية نجاحا مشرفا.. فلم يكن مستغربا أن صنفتها المفوضية الدولية لاستقلال القضاء والمحاماة الثالثة بين المحاكم الدستورية في العالم في تقييم يتم حسب معايير موضوعية تتعلق بمدي تأثير أحكامها علي حماية الحقوق والحريات العامة وعلي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولرئيس الجمهورية حق إصدار قرارات بقوانين أثناء غياب مجلس الشعب تعرض علي المجلس فور انعقاده, لكن ليس له أو لغيره اصدار إعلانات دستورية تمس بما جاء في الدستور فذلك له مسار مختلف فالمحكمة الدستورية أنشأها الدستور وليس القانون. إن العدل أساس الحكم والدستور ضمان العدل, وكل حريص علي سيادة القانون وهيبة الدولة الدستورية له أن يعتز بالدستورية المصرية ويتصدي لمحاولة تفكيكها, ضمن حملة تفكيك مقومات الدولة ويكون مطلبه ارفعوا أيديكم عن المحكمة الدستورية. المزيد من مقالات د. ليلي تكلا